الإفلاس الفكري والسقوط الأخلاقي السودانية , اخبار السودان
الباقر العفيف
الحلقة الثامنة
مقدمة:
كتب عادل الباز تعقيبا على مقالي السابق لم يتناول فيه أي من القضايا التي نقدته فيها. ولم يشر لأي من الوقائع والحقائق التي ذكرتها. وضمن تلك الحقائق أنهم هم الذين صنعوا الدعم السريع، وهم الذين أشعلوا الحرب، وجيشهم هو الذي هرب من مدني أمام المليشيا وكشف ظهر أهلها. ولذلك، فهم لا يملكون أي مشروعية أخلاقية لإدانة أي شخص آخر واتهامه بأي تقصير مهما كان. فلا شيء يعدل الكوارث والنكبات التي تسببوا فيها. وعليه فإن نقدهم للآخرين لا يفهم إلا في إطار العقلية الكيزانية الضالة المضللة التي هي أشبه شيئا بتلك الأيدي التي سفكت دم الحسين، سبط رسول الله، وباتت تتساءل عن دم البعوضة، وما إذا كان يبطل الوضوء أم لا.
ترك عادل كل هذا وراء ظهره، وسلك طريق المفلسين باستهدافي شخصيا، واصفا نقدي له “بالشتيمة”، وأنه ينطلق من ضغينة شخصية ضده اجتهد ليتلمس أسبابها، مما انتهى به ليختلق قصصا من وحي خياله وينسبها لي كما سنرى. وحقا كما يقال فإن الأذكياء يناقشون الأفكار والعقلاء يناقشون الأحداث أما الكيزان (والأميون) فيتكلمون في الأشخاص. فهل حقا شتمتُه؟ وما هي الشتيمة؟ الشتيمة هي أن تعيب على شخص بعينه وباسمه نقصا في خَلقِه أو خُلقِه، وأنا أتحدى عادل أن يخرج لي من مقالي كلمة واحدة في حقه تقع في إطار هذا التعريف للشتيمة. بل الحقيقة تَرَكَّز نقدي له بصفته عضوا في منظومة إجرامية، ميتة الضمير، عديمة الإنسانية، “أذاقت السودانيين الأمرين وأحالت نهارهم إلى ليل”. وعادل لا يكتفي بعضويته لهذه المافيا وحسب، وإنما مع هذا نصَّب نفسه محامي الشيطان، وظل يرمي الآخرين بدائه وينسلُّ. وما كان لي أن أرى الحق يُداس عليه بالأرجل، والحقائق تقلب رأسا على عقب، والمنطق يُمَزَّق شرَّ ممزق، ثم أصمت، فأنا لست شيطانا أخرسا.
إذن الذي بيني وبينك يا عادل الباز ليس ضغنا شخصيا، قولا واحدا. بل بالعكس كنت أنطوي على قدر من الاحترام لك، وكنت أعدك ضمن قائمة من “الإسلاميين المعتدلين” الذين ينطوون على قدر من الموضوعية والاتزان مما يُمَكِّن من إدارة حوار معهم أمثال الدكتور الراحل الطيب زين العابدين، والدكتور خالد التجاني، والأستاذ المحبوب عبد السلام، والدكتور حسن مكي، وزوجته الدكتورة هويدة العتباني، والأخ الصديق أبو ذر الأمين، ومبارك الكودة قبل أن يرتد على آثاره قصصا، بعد الحرب، ويعود لمراحه. وبالفعل نظمت بمفردي ومع آخرين عددا من هذه الحوارات في الخرطوم ونيروبي وكمبالا. وما انتقادي لك في المقالين إلا من هذا المنطلق، وإن قِسَتْ كلماتي عليك، فلآنك أهنت الثورة والثوار في مقالك الأول وأهنت عقولنا في مقالك الثاني. ولولا أنني كنت أحترمك وآخذ كتاباتك مأخذ الجد لما أنفقت ثانية في القراءة لك خل عنك أن أنفق الساعات في الرد عليك، خاصة وأنا في هذه الحالة من اعتلال الصحة والتردد على المستشفيات. كنت ببساطة عددتك من عينة إسحق أحمد فضل الله، وأرحت نفسي منك.
إن الذي بيني وبينك يا عادل هو هذا الشعب الذي وهبكم الحياة فاستحللتم دماءه، والذي أطعمكم فجوَّعتموه، وعلَّمكم فجهَّلتموه، وأغناكم فأفقرتموه، وأخيرا دمرتم حياته وأعدتموه قرونا للوراء. فأنا لا أكتب انتقاما لنفسي، ولو كان هذا صحيحا، فلماذا صبرتُ عنك لعقد من الزمان؟ خاصة وآنت تحكي أحداثا ترتبط بإغلاق مركز الخاتم عدلان للاستنارة والذي حدث في آخر يوم من عام ٢٠١٢. فخلاصة الأمر هي أن حديثك عن أني “شتمتك” وحكايتك الكاذبة عن “طفلتي” ليس سوى محض احتيال منك لتروغ و”تزوغ” من الرد. لأنه ببساطة ما عندك رد. وعز عليك الاستسلام ورفع الراية البيضاء والاعتراف بأني “منطقتك”، أي حاصرتك بحجج لا تستطيع مقارعتها والفكاك منها.
مدخل السوء
كان مدخل عادل على التعقيب عَلَيَّ (ولا أسميه ردا) مدخلا مُحَيِّرا. فقد كتب قائلا:
“طبعا أنا لا أزعم أن الباقر العفيف مثلى…ولا شأن لي بذلك. فهو حر على كيفه.ولكن الردحي الذي خاض فيه بمقال الأمس عني يخلق من الشبه أربعين، ذكرني ردحي الجماعة الحلوين ديل.والشيء بالشيء يذكر.” انتهى. (الخطوط تحت الكلمات من وضعي).
فعندما قرأت عبارة “طبعا أنا لا أزعم أن الباقر العفيف مثلى”، ظننته يعني أنني لا أشبهه، أو كأنه يقول “الباقر ما زَيِّي أنا” وتوقعت أن أقرأ فضائل له تميزه عني في بقية الجملة. ولكن ما استقام لي المعنى في الجملتين التاليتين. ولما أكملت الفقرة أرجعت البصر كرتين، فانقلب إلى البصر خاسئا وهو حسير. فما الذي يريد عادل قوله لي عبر مدخله العجيب هذا؟ وما هي الرسالة التي يود إرسالها لي؟ هل يريد أن يقول لي (أنا “صعلوق وشرَّامي وبتاع شوارع” ومستعد أن أجرك معي لدرك سحيق إن لم تبعد عني وتتركني وشأني؟). هل يريد أن يقول لي (لا تصارعني فأنا خنزير وسألطخك بقذارتي التي سوف تؤذيك بينما أكون أنا مستمتعا بها؟). فإن كان ذلك كذلك أقول لك أمض يا صاحبي في طريقك الموحش هذا فإنك لن تعدو قدرك. و”قديما قيل كل إناء ينضح بما فيه”، أو “قل كل ينفق مما عنده”. فقد ظللت أصارعكم منذ صباي، وتعرضتُ لجميع صنوف إجرامكم وعنفكم وسوء أخلاقكم وبذاءة ألسنتكم. فأنا ما جئتُ للعمل العام جاهلا بضريبته، فقد أُعدِدتُ له، والحمد لله، على يد أعظم من مشى على أرض السودان، وأعظم من أوذي من بني وطنه، وأعظم من قدَّم نفسه فداء لبلاده. وقد ظل جهدي في الحياة منذ أن جلستُ عند قدميه، ألتمس إصلاح نفسي، هو أن ألحق ولو ببعض ذرات من غباره. فمهما انحدرتَ يا عادل ستجدني سامقا، وسوف لن تضرني إلا أذى.
التناقض البَيِّن
يبدأ عادل حديثه بعد تلكم الافتتاحية العجيبة بتناقض بَيِّن. فهو يؤكد أنني شتمته “بدون أي مناسبة” ومع ذلك يذهب ليجهد نفسه في البحث عن أسباب لشتيمتي المدعاة. وواحد من تلكم الأسباب أنه كتب تحقيقا استقصائيا عن الأموال التي نهبتُها أنا من المنظمات الأمريكية وأنه تحداني أن أشتكيه في المحاكم، وأنني لذت بالصمت حتى الآن. فهو يقول:
“كانت المرة الاولى الذي يشتمني فيها غير العفيف قبل عام أو عامين وبدون مناسبة وجدت سيل من الشتائم ينهمر على رأسي فاحترت فى أمر الرجل إذا أن علاقتي به لم يشوبها أي توتر لسنوات خلت وقبلها كنت من المداومين على ندوات ونشاط مركز الخاتم عدلان”. (انتهى) الخط تحت الكلمات من وضعي.
وفي نفس الوقت يذهب للقول: ”
ما لم ينساه غير العفيف انني كنت اول من كشف عبر تحقيق استقصائي نشرته في صحيفة الأحداث عن الأموال التي ينهبها من المنظمات الأمريكية لممارسة أنشطته المعلومة وتحديته وقتها أن يذهب بي إلى المحكمة لكنه لاذ بالصمت منذ ذلك التاريخ إلى يوم الناس هذا. هذه هي الأسباب التي جعلت غير العفيف هذا يخصني من دون خلق الله بمقالات وشتائم لا تتوقف”
وهكذا فهو يدعي بأني “شتمته” (بدون أي مناسبة) وفي نفس الوقت يورد ثلاثة أسباب يعترف بأنه بادرني فيها بالعداء والشتيمة، حيث اتهمني بنهب أموال الأمريكان. وبطبيعة الحال التناقض وعدم الاتساق من أبسط خلال الكيزان التي اكتسبوها من طول مرانهم في تجهيل الشعب واستغفاله والاستهانة بذكائه. إذ لا يعرفون الحوار الحقيقي الذي تُمَحَّصُ فيه الحقائق، وتُنقَدُ فيه الآراء. وإنما صنعوا حالة من التهريج والهياج المستمر الذي ظلوا يمارسون فيه جلافتهم لثلاثين عاما بينما حشودهم المُغَيَّبة تردد عبارة “الله أكبر” عقب كل جملة من السخف الذي يهيلونه على رؤوسهم. ثلاثون عاما من التحدث للذات أو ال monologue حرموا فيها الآخرين الحق في أن يكونوا آخرين، خل عنك أن يحاوروهم.
التقرير الذي لم يسمع به أحد
أما ذلك التقرير الاستقصائي الذي يتحدث عنه فهو خبر جديد تماما بالنسبة لي، إذ لم أسمع به، ولم يقع في يد أي فرد من أسرة المركز، ولا في يد أحد أعضاء وعضوات جمعيته العمومية، ولا أي من أصدقاء المركز ورواده وهم بعشرات الآلاف. وعلى كل حال سوف أكون ممتنا جدا لو أعاد عادل نشر تقريره الاستقصائي ذلك مصحوبا بتحديه لي، حتى يستفيد القراء بأثر رجعي. وأعده بمناقشة ذلك التقرير إن مَكَّنَني منه. أما عن تحديه لي بالذهاب للمحكمة، إن صح تقريره الذي لم نسمع به ذلك، فأؤكد له منذ الآن أنه كان سيكسب التحدي، إذ بالتأكيد ما كنت سأذهب لمحاكم الإنقاذ التي يسرق قضاتها قطع الأراضي بالعشرات. كيف لعاقل يلتمس عدالة على يد قضاء ترأسه أمثال جلال الدين محمد عثمان، ويجلس على منصته أمثال محمد إدريس محمد تيتا، ومحمد الحسن حسين شرفي، وأبو سبيحة وصحبه من قضاة النار الذين جعلوا من القضاء مهزلة و mockery. خاصة بعد تجربتين لنا مع هذا القضاء الظالم. المرة الأولى كنا فيها مُدَّعين ضد مفوضية العون الإنساني، فاختفى فايل قضيتنا من أمام القاضي في الجلسة الثالثة دون علمه. لن ننسى منظر القاضي في تلك الجلسة وهو يُقلِّب في الملفات على دُرجِه بحثا عن فايل قضيتنا فلا يجده، ثم نادى على حاجب المحكمة الذي أخبره أمامنا بأن السيد رئيس القضاء أمر بسحب القضية وإرسال الفايل لمكتبه، مما حمل قاضينا على الضحك (وشر البلية ما يضحك). ثم هز كتفيه وقال مخاطبا محامينا الراحل كمال الجزولي: “آسف يا أستاذ لا أستطيع أن أنظر في قضية لا أملك ملفها”. فانفض سامر محكمتنا هكذا ببساطة. ولم يظهر الفايل إلا بعد ثلاثة أعوام بالتمام والكمال، بعد تغيير رئيس القضاء. أما في المرة الثانية فقد وقفنا مُتَّهَمِين بواسطة جهاز الأمن في القضية التي سيرد ذكرها أدنى هذا المقال. فهاتان التجربتان كفيلتان بأن تعلمانا أنه لا قضاء ولا عدالة تحت سماء الإنقاذ. وأن من له ظلامة مادية أو معنوية ليس أمامه في دولة الإنقاذ سوى أن يرفع يديه للسماء راجيا أن يريه الله قدرته في الإنقاذ ورجالها ونسائها. وكما قال البشير في واحدة من لحظات صدقه النادرة “لقد أصابتنا دعوة مظلوم”، وما أكثر المظاليم في عهدكم الكئيب.
الرواية الكاذبة
قال عادل ما يلي:
في منتصف ليل الخرطوم حين كنا نغلق أبواب صحفنا والجوع يأكلنا كنا نذهب لنمرة ٢ والعمارات، في ذات يوم منتصف الليل ذهبت إلى فندق لوزامين (يعني ليزامين) بسوق العمارات وطلبت عشاء وقبل أن افرغ من الأكل رأيت الباقر العفيف يجلس وطفلة صغيرة تتكي على كتفه وتدخن الشيشة بشراهة وهو ايضا يمسك بشيشته فأدهشني المنظر و استاءت ان اجد مدير مركز الاستنارة في الوضع مع طفلة وفي ذلك الوقت فاريت ان اسلم عليه واعود لطاولة العشاء وفعلت وبعد قليل وقفت وندهت عليه بعيدا عن الطفلة.. فقلت له.. ياستاذ هذه طفلة كيف تسمح لنفسك أن تصطحب طفلة لفندق منتصف الليل لتدخن شيشة…. هل ترضى ذلك لطفلتك؟…فقال انها طفلتي….فصعقت… (هذا أسوأ مما كنت أظن) وبعدها حاضرني فى الحريات الشخصية….أسمعته بأدب مايليق به….ومن يومها عرفت ان هذا الرجل فعلا غير عفيف ولا يرجى منه.”!! (إنتهى).
فماذا عساي أقول عن هذه الرواية سوى أنها كاذبة ومختلقة بنسبة مائة في المائة؟ وإنها لا تشبهني من قريب أو بعيد؟ بل ويدرك كل من عرفني عن قرب أنها كاذبة من أول وهلة. وسأبدي ملاحظة على النص نفسه ربما تفوت على الكثيرين. نلاحظ أن عادل بدأ حديثه بضمير المتكلم بالجماعة يقول (والجوع يأكلنا) و(كنا نذهب). أما في اليوم الذي “قبضني” فيه red handed تحول لضمير المتكلم المفرد فقال (ذهبتُ) ولم يقل (ذهبنا) فأين ذهب زملاؤك الجوعى؟ هل تفرقتم في باب الصحيفة وذهب كل واحد منكم يبحث عن طعام بمفرده؟ أم أن هذا احتياط واجب حتى لا تطالب بشهود؟
عادل ودور المطاوعي
وعلى كل حال فما دمت حشرت أنفك في شؤون أسرتي الخاصة، وزعمت بأنك قمت بدور المطاوعي وأسمعتني بأدب “ما يليق بي”، والحمد لله أنك لم تقل بأنك أخرجت سوطك وجلدتني كما كان يفعل مطاوعة السعودية. دعني أحدثك قليلا عن هذه الأسرة. إنني يا صاحبي أعيش وفق فلسفة حياة متكاملة وتصور للكون ومعنى الوجود ودور الإنسان فيه. وقناعتي هي أن حياة الفرد ما هي إلا مضمار للبحث عن ذاته والعثور على جوهرها الإنساني الخَيِّر. وأن أهم آليات ذلك هو تقريب الشقة بين الفكر والقول والعمل، وبين السيرة والسريرة، وبين لسان الحال ولسان المقال. وأن التربية الحقيقية إنما تكون بالنموذج لا بالقول. ورد في الحديث النبوي الكريم “دينك دينك يا بن عمر. ولا يغرنك ما كان مني لأبويك. خذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا”. جاءت أسرة حديثة التكوين بباكورة انتاجها للأستاذ محمود محمد طه، وقدمت له طفلها قائلة “يا أستاذ انصحنا في تربيته”؟ فقال لهما “ما تغلطوا قدامه”. وهذا تلخيص، في ثلاث كلمات، لآلاف المجلدات من كتب التربية وعلم النفس. وبالرغم عن أن الفرد لا يربي أطفاله وحده، وإنما تنافسه في تربيتهم عناصر أخرى مثل البيئة التي يعيشون فيها متمثلة في ثقافة المجتمع والمدرسة والتلفزيون والسينما وخلافه إلا أن الله وفَّقَنا في أن نجعل أطفالنا يعزفون عن الكثير من الممارسات والعادات الضارة بالصحة. فهم يعزفون حتى عن المشروبات الغازية والوجبات السريعة مثل ماكدونالد وبيرقر كنج، خل عنك الشيشة. فأنا يا عادل لا أدخن الشيشة وأطفالي لا يعرفون حتى معناها، بل إنها ليست ضمن قاموسهم اللغوي. فقد ولدوا وترعرعوا في بلد لا تمارس مجتمعاتها الشيشة، بل أن الكثيرين منهم لا يعرفونها.
إثبات كذب الرواية موضوعيا
ولنترك الحديث عن الذاتي جانبا، فقد يقول قائل “أنها كلمتك بإزاء كلمته”، ودعني أثبت كذب روايتك من الناحية الموضوعية. أنا شخصية عامة، أو قل ناشط في العمل العام. أعمل في بيئة معادية. وأقود مركزا مُؤسَّسا على قيم ومفاهيم تتناقض تناقضا جذريا مع دولة الإنقاذ. وأنا وزملائي نعلم تمام العلم أن جهاز الأمن يتربص بنا ويراقبنا عن كثب ويحاول تفجيرنا من الداخل ليبدو ذهابنا طبيعيا لا دخل لهم به. وأنه حاول اختراقنا ثلاث مرات: مرة عن طريق الحارس، ومرة عن طريق المحاسب، ومرة عن طريق أحد مديري المشروعات. وقد فشلت كل هذه المحاولات فشلا ذريعا. وجاء كل من هؤلاء مبلغا الإدارة بما حدث له في اليوم التالي. وكنا في كل مرة نعقد اجتماعات فورية لكل أسرة المركز تُسمَع فيها الروايات وتجري مناقشتها بعمق، ومن ثم نضع الخطط للتعامل المستقبلي معها. وضمن تلك الخطط التدريب بواسطة خبراء في الأمن الشخصي والسيبراني. ولقد استدعاني جهاز الأمن عددا من المرات وفعل نفس الشيء مع قادة المركز الآخرين. وداهمنا عديد المرات. واستخدم مفوضية العمل الإنساني لتضايقنا باستمرار. أما المحاولات العديدة والمتنوعة للإيقاع بي شخصيا عن طريق بعض النساء اللائي يستخدمهن جهاز الأمن ك honey pots، كما يجري التعبير الإنجليزي، أي جرار عسل، للإيقاع بضعاف النفوس من الشخصيات العامة بغرض ابتزازهم، فهذا فصل كامل لو شرعت في الكتابة فيه لأنهكني قبل أن أفرغ منه.
فهل تعتقد أننا أفشلنا كل تلك المؤامرات والمخططات صدفة وبضربة حظ؟ أم أننا كنا مستعدين لها عن طريق التدريب المستمر، والتأهيل المكثف، واليقظة، وأخذ الحيطة والحذر؟ وقبل ذلك وبعده بتكامل الشخصية. أي بالصدق والمبدئية وقوة الأخلاق. أو ما يعرف عند الخواجات بال integrity. لقد كانت قاعدتنا الذهبية هي المثل الشعبي المصري “أمشي عِدِل يحتار عدوك فيك”. وبالفعل فقد حََيَّرنا جميع أعدائنا فينا، وذهبوا جميعا لمزبلة التاريخ وبقينا نحن هنا تحقيقا لقوله تعالى “وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. إن مثلي يا عادل لا يُمَكِّن أعداءه فيه، خصوصا إذا كان دارسا لهم، وعالما بطرائقهم الخبيثة ورقة دينهم وانعدام أخلاقهم.
وحديث عن قانون النظام العام
ودعني أعطيك نموذجا على سبيل المثال. إن من ضمن أعمال المركز برنامج لمقاومة قانون النظام العام. حلَّلْنا هذا القانون التافه، الذي لا يمكن أن يخرج إلا من عقول مجرمة ونفوس مظلمة، من النواحي القانونية والثقافية والدينية والاجتماعية. ونشرنا فيه كتابا عنوانه “قانون النظام العام وصياغة المجتمع بالسوط”. وكنا أجرينا مقابلات مع عشرات النساء اللائي تعرضن للتوقيف وفق هذا القانون من جميع الطبقات. بينهن مهنيات، طبيبات، ومهندسات، وأستاذات في الجامعات، وموظفات في القطاع العام والخاص، وناشطات في العمل المدني والحقوقي، وطالبات، وعاملات أجنبيات في المطاعم والمقاهي، وبائعات الأطعمة والشاي، إلى جانب بعض المحامين والمحاميات ممن تولوا وتولَّيْن الدفاع عن بعض هؤلاء الضحايا. في تلك المقابلات أجمعت النساء والفتيات، دون أي استثناء، أنه إما جرى التحرش بهن بواسطة رجال البوليس والنيابة، وأنهن كن يُساوَمن في شرفهن لقاء إطلاق سراحهن، أو عدم سوقهن لقسم الشرطة حيث سيقضين الليل فيه، وهن بطبيعة الحال يعرفن جيدا ما يعني ذلك بالنسبة لهن. أو أنهن كن شاهدات على سلوك هؤلاء الناس تجاه الضحايا. وإن أنسى فسوف لن أنسى تلك المرأة البسيطة من بائعات الشاي وهي تروي حكايتها حيث قالت:
جاتنا الكشة. وشالونا بالدفار. كنا كتيرات. ودونا القسم. بعد شوية قسمونا كومين، الصغار والسمحات براهن. والكبار والشينات براهن. ديك ساقوهن وين الله أعلم، وفضلنا نحن. أنا ضربت لأخوي شغال في البوليس، جاء مرقني. مشيت اشتريت عدتي منهم ورجعت.
فهل يعقل لشخص يملك كل هذه المعلومات المُوَثَّقة ومع ذلك يذهب بطفلته القاصر لمكان عام يقدم الشيشة؟ وهي بالتحديد نوع الأمكنة التي ترتادها هذه العينة من الذئاب البشرية التي تخرج كل ليلة تبحث عن فرائس تتسلى بها بقية الليل؟ هل يعقل أن يُعرِّض إنسان عاقل نفسه وطفلته لمثل هذه التجارب في بلد ينعدم فيه الأمان، يحكمه Thugs ويدير أجهزة إنفاذ قوانينه الفاسدة ثلة من أراذل البشر وأسافلهم؟ دولة يتحكم فيها عقائديون يظنون أن لهم ولاية طبيعية على الناس؟ فإذا كان شخص مثل عادل الباز الذي أطنب د. مجدي الجزولي في إطرائه ككوز طيب، يرفق بالناس خارج إطار مجتمعه الكيزاني، ويفتح لالأبواب المغلقة لمفكرين كبار مثل الحاج وراق، (طبعا فات على الدكتور التفطن لمسألة اليد العليا واليد الدنيا، والفرق بين أن يكون لك حق وأن يتفضل عليك أحد بفضل. وأن ثناءه على عادل شبيه بثناء العبيد على السيد الطيب (المترفق بعبيده). the good master. فإذا كان عادل (هذا الكوز الطيب) يعطي نفسه الحق بالوصاية على الآخرين، ويتدخل في حياة وتصرف شخص آخر (حتى وإن كان مُتُخَيَّلا) لا يقل عنه تعليما، ولا عقلا، ولا مسؤولية، ولا التزاما بالقيم الإيجابية لمجتمعه، وينزع منه ولايته على بنته القاصر، ويُقَرِّعه ويسمعه “بأدب ما يليق به”، فماذا كان سيفعل به الكوز الشرير،the bad one خاصة من ناس الفاقد التربوي وصعاليك النظام العام وذئاب الشرطة والنيابة؟ أترك الحكم للقراء. وأتركك حيث أنت في دركك هذا السحيق.
فريَْة تمويل المثليين
يقول عادل:
“كنت من المداومين على ندوات ونشاط مركز الخاتم عدلان بل كنت من الذى دافعوا عنه وسعوا مع دكتور عبد الله على ابراهيم لإعادة المركز للعمل حين أغلق. واذكر انني ذهبت للفريق محمد عطا أدافع عن حق مركز الخاتم فى مواصلة ممارسة نشاطه وقال لي انت لا تعرف حقيقة هذا المركز فقلت له.. لي بالظاهر.. أنا أتابع نشاطه الثقافي….فقال لي طيب نحنا متابعين أنشطته الأخرى فخلينا نشتغل شغلنا وأمسك عن الكلام. لم أصدق الفريق محمد عطا وقتها إلى ان جاءت حادثة أروى الربيع مديرة المركز التي زجت بها بعض أنشطة المركز التي لم تكن تعلم عنها شيئا في غياهب السجون ثم تكشفت علاقة ذلك المركز بتمويل المثليين….وبعض ما كشف عنه محمد خير فى تسجيلاته المدوية وما خفي أعظم!!.اذكر أن السيد الفريق عطا التقاني بعد ذلك ساخرا قال لي عرفت قصة اصحابك الذين تدافع عنهم.. فأطرقت رأسي وذهبت.
إن الزعم بأن مركز الخاتم عدلان يمول المثليين كذبة مدوية أخرى. وتكشف عن مفاهيم الرجل العجيبة. أولا، من الواضح أنه يعتقد أن مجرد إيراده لكلمة “المثليين” مرتبطة باسم المركز يكفي لسحق سمعة المركز وسمعتي شخصيا. وثانيا، هو يتحدث عن “تمويل” المثليين دون أن يساعدنا بإشارة للهدف من ذلك التمويل. يعني نمولهم ليعملوا شنو؟ فمثلا هل يحتاج المثليون للتمويل ليمارسوا المثلية؟ وثالثا، هو يستشهد بمحمد عطا، مدير جهاز الأمن، وينتظر أن يصدقه الناس. والله إن هذا لهو العجب العجاب. دي فاتت حكاية (الكلب شاهده ضنبه) لي غادي. يعني ما لقيت ليك شاهد غير زول يترأس واحد من أنجس وأكذب الأجهزة التي مرت على السودان عبر تاريخه الطويل؟ جهاز “شغلانيته” الكذب والفبركة والتضليل. جهاز عنده اختصاصيين في الاغتصاب، وظل رؤساؤه يكذبون ويتحرون الكذب حتى كتبوا عند الله كذابين. ومن يكتب عند الله كذابا يكذب وإن أراد الصدق. أي يصبح لسانه منطبع على الكذب pathological liar. هل نسيت كذبة قوش عن الفتاة التي أخرجت بندقية الخرطوش من شنطتها وأطلقت النار على د. بابكر، الطبيب الشهيد؟ أم نسيت كذبة مدير شرطة ولاية كسلا عن مقتل الشهيد المعلم أحمد خير الذي زعم بأنه تسمم بعد أن أكل فولا فاسدا؟ الفاسد الفول وللا إنتو يا شياطين الإنس؟ والله إن أمركم يُحيِّر الشيطان ذاته. ورابعا، لماذا لم تشاورني أنت ورفيقك د. عبد الله علي إبراهيم قبل أن تتوسطا لي عند محمد عطا؟ أم أضمرتما مفاجأتي بذلك وظننتما أني سأسعد بتلك المفاجأة السارة؟
وفي الرد عليك أقول أولا، نحن لم يحدث أن عملنا مع المثليين قط. وأنا حينما أنفي ذلك ليس لأنني أعتقد مثلك أن العمل مع المثليين شيء مشين يجب أن نتوارى منه خجلا. لا. ولا كرامة. وإنما لأن هذه هي الحقيقة. وحتى أكون واضحا فمعلومتك التي أوردتها منسوبة لمحمد عطا ومحمد محمد خير معلومة خاطئة ومصادرها مشبوهة وعديمة المصداقية. ولو كان لنا برنامجا للعمل مع المثليين لكنا أعلناه مثلما ظللنا نعلن عن بقية البرامج. فالمثليون بشرٌ خلقهم الله تعالى ولم يخلقهم الشيطان، أو إله آخر يشارك الله ملكه. وهم لهم حقوق أساسية، أعطاها لهم الله بحكم أنهم بشر. هذه الحقوق الأساسية، مثل الحق في الحياة والحق في التعبير عن الحياة، أي الحق في الحرية، توصف بأنها حقوق غير قابلة للتصرف unalienable. ولذلك يجب أن يتمتع بها جميع البشر بغض النظر عن ألوانهم، وأديانهم، ولغاتهم، وطبقاتهم، ونوعهم من ذكر وأنثى، وميولهم الجنسية. أم لعلك ترى أن المثليين يجب أن يُبادوا أو يُستباحوا لمجرد أنهم مثليون؟ اسمعه يقول “فأطرقت رأسي ومشيت”. يا سلام. يعني الرجل خجل نيابة عني. وأمام من؟ أمام محمد عطا، واحد من أجرم الشخصيات التي أنتجتها الإنقاذ. لا حول ولا قوة إلا بالله. فبالله عليك من هو الأحق بالخجل والتواري عن الأنظار؟ ومن هو الأحق بأن يتمنى على الأرض أن تنشق وتبلعه” أكثر من محمد عطا ومنكم يا كيزان السجم الذين لا ترون عوجة رقبتكم؟ هل تسبب “المثليون” في إشقاء السودانيين وطحنهم وتشريدهم في الآفاق؟ هل اغتصبوا السودانيين والسودانيات في بيوت الأشباح؟ هل دقوا مسمارا في رأس طبيب؟ هل حشروا سيخة في دبر معلم؟ هل سفكوا دماء السودانيين وقطعوا أرزاق الملايين منهم؟ ويعلم الله أن أحقر مِثْلِيٍ في حواري الخرطوم وأزقتها لأشرف قدرا عند الله منكم يا كيزان.
ومهما يكن من أمر، فالشاهد أننا لا نعمل مع المثليين. لأن هذا ليس من ضمن “مانديت” المركز. فالمركز لا يعمل بصورة عشوائية وإنما وفق استراتيجية محددة سلفا ومجازة بواسطة جمعيته العمومية وهو لا يخرج عنها إلا بالعودة لتلك الجمعية العمومية.
هل كنت سأقبل الوساطة لدى محمد عطا؟
ثانيا، في الرد على مسألة الوساطة هذا، أجد نفسي مضطرا للمرة الثانية للحديث عن عملي وقيمي الهادية في الحياة. فقبل عودتي للسودان في العام ٢٠٠٧ لتأسيس المركز، كنت أعمل في منظمة العفو الدولية. كنت ضمن مئات العاملين في الأمانة الدولية يعملون على مدار الساعة في حماية حقوق الإنسان في كافة أرجاء العالم. وضمن مهامنا في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أننا كنا نثقف الناس في حقوقهم وكيفية ممارستها وحراستها. وعندما عدتُ لبلادي بعد سبعة عشرة عاما من المنفى وأسستُ مركز الخاتم عدلان كنت أمارس نفس المهام ألا وهي تثقيف الشباب والنساء وغيرهم من قطاعات المجتمع في حقوقهم، كمواطنين، ليمارسوها كاملة غير منقوصة ويحرسوها من تعدي السلطات عليها. ومن البداهة أن أفعل ذلك بنفسي، وأن أمارس حقوقي كاملة غير منقوصة وأن أسهر على حراستها من التعدي عليها بكافة السبل القانونية والإعلامية المشروعة.
إذن فأنا لم أجيء ضيفا على محمد عطا في إقطاعيته التي ورثها عن آبائه ليتفضل عليَّ بالعمل أو يحرمني أعطياته. وإنما جئت كمواطن صاحب حق لا يقل عن محمد عطا أو أي كوز آخر. وقد كان شعارنا الذي نسير على هداه هو “إما عندي حق أمارسه كاملا، أو لي حق مسلوب أناضل لاستعادته كاملا”. ويشهد زملاؤنا في المجتمع المدني أننا لم نمضغ كلماتنا، ولم نهادن، أو نطأطي الرأس قط أمام جهاز الأمن أو مفوضية العون الإنساني. وأننا اخترنا طريق المواجهة على طول المدى حينما كان بعض زملائنا في المنظمات الأخرى ينحنون لعواصف الإنقاذ خشية الإغلاق. ولو كنتُ “بتاع وساطات” لكنتُ سلكتُ طريقا أقرب من طريقك، وربما كان أنجع. فمحمد عطا يتحدر من الجزيرة أرتل، وهي جزيرتنا ومسقط رأس أبي، ويعمرها الآن أبناء عمومتي وأسرتي الممتدة، وكان من الممكن توسيطهم، خاصة وهو كان يتوق لسندهم القبلي شأنه شأن كل قيادات الإنقاذ الذين أحيوا القبلية وجعلوها سندهم في صراعاتهم الداخلية وتنافسهم على المناصب والغنائم والسرقات. فأنا يا صاحبي لست ممن يقبل الدنية في مواطنته. ولو شاورتني لكنت قلت لك هذا بأدب حقيقي غير مُدَّعىً.
لماذا لم يضمن جهاز الأمن تمويل المثليين ضمن تهمه ضد المركز؟
ثالثا، أراك أتيت على ذكر زميلتنا الأستاذة أروى الربيع ظنا منك أن ذلك يكسب روايتك المهلهلة بعض المصداقية. والحقيقة أن الأستاذة أروى أُعتُقِلت ضمن جميع العاملين بالمركز سودانيين وأجانب، رجالا ونساء، ومعهم ضيوفهم الذين جاء بهم حظهم العاثر في ذلك اليوم. وبعد نحو أسبوعين من الاعتقال أطلق سراح الأستاذة أروى مع زميلة أخرى. وبعد نحو شهر أطلق سراح بعض الضيوف. وأطلق سراح دفعة أخرى بعد ثلاثة أشهر. ولم يبق سوى ثلاثة زملاء، منهم إثنين من موظفي المركز وثالثهم الأستاذ مصطفى آدم مدير منظمة الزرقاء. هؤلاء الثلاثة وُجِّهت لهم تهم التجسس، وتقويض النظام الدستوري، وشن الحرب ضد الدولة، وتكوين منظمة إرهابية، ولم تكن ضمن هذه التهم “تمويل المثليين”. وعندما عجز جهاز الأمن عن إثبات أي من هذه التهم الكبرى، أضاف لهم القاضي الإنقاذي من “عندياته” تهمة جديدة (لنج) تتعلق بالنشر الإسفيري وأدانهم بموجبها خوفا من، أو طمعا في، جهاز الأمن. ولم ترد كلمة “مثليين” طيلة المحاكمة التي استمرت أشهرا علما بأن المُدَّعِي علينا هو جهاز الأمن. فلماذا لم يُضَمِّن محمد عطا تهمة “تمويل المثليين” مع قائمة اتهاماته ضد المركز؟ ولماذا عجز عن كشف معلوماته عن أعمالنا السرية للمحكمة؟ تلك الأعمال التي تزعم أنت أن المديرة الإدارية للمركز لا تعلم عنها شيئا. أما كيف يعقل ذلك؟ والله لا أدري. اللهم إلا إذا أمكن أن يقوم عادل بأعمال سرية في جريدته لا يعلم عنها مدير تحريره شيئا. فلو صدَّق الناس أن هذا ممكن في حقه فليصدقوا أنه ممكن في حقنا. والسؤال الذي يلاحق عادل وشاهديه الكذوبين، محمد عطا ومحمد محمد خير، هو لماذا أصاب محمد عطا وجهازه البكم فصمت عن “تمويل المثليين” طيلة المحكمة وجاء ليقولها لك أنت بمفردك؟ وانت صدقته على طول وطأطأت رأسك أمامه وانصرفت حزنان أَسِفا. وكأن محمد عطا أحد القديسين التوابين الأوابين الذي كان في صباه يُسمَّى الأمين، وليس مجرد مجرم حقير ولعين. غايتو جنس كذب وفبركة وتمثيل. “الله لا كسبكم” على قول الدكتور الترس مرتضى الغالي.
الخاتمة:
وخير خاتمة أختم بها هذا المقال هو دعاء الشعب عليكم:
اللهم لا ترفع للكيزان راية. ولا تحقق لهم غاية. واجعلهم للعالمين عبرة وآية.
المصدر: صحيفة التغيير