الحركة الإسلامية.. التي لا يعرفها خصومها وأعداؤها..! «2»
وائل محجوب
• صلة الحركة الإسلامية بجهاز الدولة قديمة، فقد بدأت في أعقاب المصالحة الوطنية مع نظام جعفر نميري في العام ١٩٧٧م، ويرصد د. خالد التجاني الصحفي المرموق في قراءاته لتجربة الحركة مع مايو عبر مقال منشور على “موقع عربي ٢١” تلك الصلات، “بعض قادة الحركة الاسلامية تولوا مناصب في الإتحاد الإشتراكي، الحزب الوحيد الحاكم وقتها، وفي مجلس الشعب، وفي الحكومة نفسها، حيث شغل الترابي عدة مواقع من بينها النائب العام، ومستشار الرئيس للسياسة الخارجية، فيما تقلد منصب وزير الداخلية د. أحمد عبد الرحمن، واستمرت الحركة بالسلطة لثمان سنوات قبل أن تطيح بها انتفاضة ابريل”.
• ومنذ ذلك التاريخ البعيد، بدأ عهد الحركة الإسلامية بالدولة، وجهازها العسكري والمدني، حيث شرعت في إدخال كوادرها للقوات المسلحة، والشرطة، وبدأت بتأسيس خلايا من منسوبيها داخل القوات النظامية كافة، وكانت تعمل بسرية كاملة بإشراف من مكتب العمل الخاص للحركة، والذي يعتبر د. عوض الجاز، ود. قطبي المهدي، وعلي كرتي، وكمال عبد اللطيف، بعض أبرز عناصره من المدنيين الذين تولوا مناصب تنفيذية خلال عهد الإنقاذ، ولم يتول قيادة جهاز الأمن ورتبه العليا طوال عهد الإنقاذ، الإ كوادره مثل صلاح قوش، ومحمد عطا وعبد الغفار الشريف وغيرهم.
• وقد ذكر الرئيس المخلوع عمر البشير، في أحد الحوارات التلفزيونية التي أجريت معه من قبل، انهم كضباط اسلاميين تساءلوا بعد فشل انقلاب يوليو ١٩٧١م، إذا كان الضباط من الشيوعيين، نجحوا في تأسيس خلايا بالجيش، ما الذي يمنعنا من ذلك؟! مؤكدا أنهم شرعوا في تأسيس خلايا للتنظيم الاسلامي بالجيش، في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي.
• كانت خلايا التنظيم العسكري، والقوات النظامية، تتم متابعتها بواسطة نائب الأمين وقتها علي عثمان محمد طه الرجل الثاني في التنظيم، ولم يكن حتى اعضاء الحركة يعلمون بوجودها ولا صلة لهم بها.
• فيما فتحت أبواب المؤسسات العدلية والقضائية، من نيابة عامة وديوان مراجع عام، وجهاز قضائي لكوادرها، وشمل ذلك أجهزة الخدمة المدنية من وزارات ومؤسسات عامة.
• وقد إستغلت الحركة وجودها داخل أجهزة الدولة ومشاركتها في السلطة، لبناء اقتصادها الخاص كحركة، فتأسست البنوك الاسلامية بدعم أميري سعودي، ووظفت فيها مئات من كوادرها، وأدخلت أخرين للوزارات الاقتصادية، ومؤسسات المال والأعمال، ودعمت تجارها بالتمويل ورؤوس الأموال، فصارت تلك المؤسسات ورجال الاعمال والتجار من كوادر الحركة، عمليا جزء من العملية الاقتصادية وإدارة المال بالبلاد، ومن المتحكمين في قراراتها ووجهتها.
• وقد أجريت حوارا صحفيا خلال سنوات الإنقاذ مع د. قطبي المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني، واحد أهم عناصر مكاتب العمل الخاص للحركة الاسلامية، وهي المعنية بالعمل الأمني والعسكري، وتلقى مع عدد من قادتها وكوادرها تدريبا في ايران، وقد تولى قطبي بسبب ذلك مهام مدير جهاز الأمن الخارجي في وقت ما بعد الإنقاذ، وذكر في ذلك الحوار ان مكاتب العمل الخاص رفعت تقريرا عام ١٩٧٩م، “أي بعد عامين من المصالحة الوطنية”، ذكرت فيه ان الحركة باتت جاهزة لإستلام السلطة بواسطة عناصرها في الجيش بالانقلاب، أي قبل انقلاب الانقاذ بعقد من الزمان، وأشار أن قيادة الحركة حاولت اختبارهم لاحقا، خلال الفترة التي شهدت تدهورا في العلاقة بين مايو والحركة الاسلامية، وأعقبتها حملة اعتقالات واسعة بحق قياداتها وعلى رأسهم د. الترابي وقادة الحركة، فطلبت منهم تنفيذ عملية نوعية لتهريب الأمين العام للحركة، المعتقل وقتها بسجن كوبر د. الترابي، وقال إنهم نفذوا خطة وصلوا بها حتى زنزاته بالسجن وصرفهم بنفسه..!
• إن تجربة الإنقاذ ما كان لها أن تستمر لثلاثة عقود، لولا أن الحركة الاسلامية قد تغلغلت في أجهزة ومؤسسات الدولة بالكامل، وقد جيرتها بواسطة عناصرها لخدمة أهدافها، لا يعني ذلك ان كل جهاز الدولة صار بأكمله بيدها أو من عناصرها، لكنها كانت دوما تهيمن على مواقع السلطة ومفاصل القرار فيه بمتنفذيها، وبواسطة تنظيماتها الباطنية داخل المؤسسات، ولكونها قد استفادت من الأنظمة وتجارب دولة الحزب الواحد، إذ حافظت على أجسامها التنظيمية التي صنعتها، وأبقت عليها في كل مراحل الانقاذ، وجنبتها تصدعات ضخمة بالسلطان والأموال وغيرها من الطرق، مثل زلزال مفاصلة العام ١٩٩٩م، والذي كان وحده كافيا لانهيار نظام وحكم الإنقاذ، مثلما حافظت على أجهزتها الأمنية السرية، بشكل مواز للأجهزة الأمنية الرسمية.
(نواصل)
المصدر: صحيفة التغيير