النظام الجزائري يسعى إلى إنشاء تكتل مغاربي بديل.. محاولة يائسة لاستهداف المغرب
يسعى النظام الجزائري إلى تأسيس تكتل مع بعض دول المنطقة ، يكون بديلا لاتحاد المغرب العربي، في محاولة يائسة لاستهداف المغرب وخدمة أجندته في المنطقة.
وتأكد هذا السعي من التصريحات الأخيرة للرئيس عبد المجيد تبون ووزير خارجيته أحمد عطاف ، الذي سبق له أن قام بجولة شملت ليبيا وتونس وموريتانيا، توجت لاحقا باجتماع ثلاثي للرؤساء الجزائري عبد المجيد تبون والليبي محمد المنفي والتونسي قيس سعيد ،على هامش قمة الدول المصدرة للغاز في الجزائر العاصمة، في بداية شهر مارس الماضي تقرر فيه عقد « لقاء مغاربي ثلاثي » كل ثلاثة أشهر، على أن يعقد الأول في تونس بعد شهر رمضان في أبريل الحالي ، علما أن النظام الجزائري يبذل جهودا لإقناع موريتانيا بالمشاركة في هذه اللقاءات ، طمعا في تنفيذ مخططه لخلق كيان جديد بدون المغرب .
وجاءت محاولة النظام إنشاء هذا التكتل للتغطية على العزلة التي يعانيها في علاقاته المتوترة مع بعض دول جواره الإقليمي وبعض الدول العربية، والتوجه إلى التخلص من اتحاد المغرب العربي ،الذي لم يكن أداة طيعة في مسايرة أهدافه للهيمنة في المنطقة.
تبريرات واهية لخلق تكتل جديد
وزعم الرئيس تبون في خروجه الإعلامي في الأسبوع الماضي أن التكتل الذي يرتقب إحداثه ليس موجها ضد أحد ، في إشارة ضمنية للمغرب ،مبررا رغبة نظامه في إبقاء المغرب خارج هذا الكيان بأنه اختار مسارات أخرى للتعاون بدون استشارة دول المنطقة ،من قبيل طلبه الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وهو تبرير واه ،لأن الجزائر نفسها لم تستشر باقي دول المغرب العربي في تقديم طلب انضمامها لمنظمة البريكس ،الذي تم رفضه.
و برر الرئيس تبون أيضا السعي إلى خلق هذا الكيان بعدم وجود تكتل في شمال إفريقيا يضمن التنسيق بين دوله وتوحيد كلمتها في بعض المواضيع الدولية، على غرار ما هو قائم في شرق القارة الإفريقية وغربها وجنوبها ،وهو تبرير لا يقوم على أساس لأن هناك تكتلا قائما في المنطقة هو اتحاد المغرب العربي ،الذي تحاول الجزائر إقباره بخلق بديل له يخدم أجندتها في المنطقة، وفي مقدمتها مواصلة مؤامراتها ضد المغرب ووحدته الترابية وفرض منظورها للهيمنة، القائم على أساس أنها دولة محورية وأن الدول الأخرى في المنطقة مجرد أجرام تدور في فلكها.
ودلت الوقائع على مدى أكثرمن 35 سنة أن النظام الجزائري لم يؤمن أبدا ببناء المغرب العربي، و بادر بتصرفاته ،منذ تأسيس الاتحاد المغاربي في 19 فبراير 1989 في مراكش ،إلى خرق أوفاق الاتحاد بمواصلته توظيف انفصاليي البوليساريو للمس بوحدة المغرب الترابية وإغلاقه الحدود البرية مع المغرب في غشت 1994،لوقف حرية تنقل الأشخاص والممتلكات في الفضاء المغاربي ،مع إشهاره المعاول لهدم كل مبادرة صادقة لقيام الاتحاد على أسس صلبة تضمن خلق فضاء واحد يخدم التكامل والتعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،في إطار التكافؤ والمساواة بين أقطاره الخمسة ،بما يجعله مؤثرا ضمن خريطة التكتلات الإقليمية والجهوية في القارة الإفريقية ، في سياق تعزيز دور التجمعات الإقليمية الاقتصادية الإفريقية الثمانية ،التي تضطلع بدور محوري في تحقيق أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، ولا سيما على مستوى التنمية الاقتصادية والاندماج.
وواصل النظام الجزائري مخططه لإضعاف اتحاد المغرب العربي ، مدعيا في الوقت نفسه أن « الجزائر هي العضو الوحيد في الاتحاد الذي سبق أن صادق على جميع الاتفاقيات المبرمة في إطار اتحاد المغرب العربي منذ إنشائه مع الدعم غير المشروط لأنشطة كافة المؤسسات المغاربية ومشاريعها الاقتصادية والاجتماعية الثقافية و لم يبادر يوما بطلب تجميد أنشطة المؤسسات المغاربية ».
والواقع أن فرية توقيع الجزائر 29 اتفاقية من أصل 37 اتفاقية اتحادية لا تنطلى على أحد ،لأن العبرة بتنفيذ تلك الاتفاقيات وليس التباهي بتوقيعها و إدخالها في الأدراج والعمل في الاتجاه المعاكس لمضمون معاهدة مراكش ،من قبيل إغلاق الحدود البرية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.
وليس من قبيل الافتخار ادعاء الجزائر أنها لم تطلب يوما ما تجميد أنشطة المؤسسات المغاربية، لأن الجزائر دفعت ، بما صدر عنها من مواقف وتصرفات إلى تجميد أنشطة تلك المؤسسات ،بدون أن تكون في حاجة إلى تقديم طلب في الموضوع.
واستمر النظام الجزائري في مناكفة المغرب ضمن أنشطة الاتحاد المغاربي، من قبيل رفضه أن يتضمن البيان الختامي لأشغال الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية دول الاتحاد المنعقد في تونس( مايو 2016) ما يشير إلى ربط انتقال المجلس الرئاسي الليبي للعمل انطلاقا من العاصمة طرابلس، ونجاح التوافقات السياسية في ليبيا باتفاق الصخيرات في المغرب ،الذي وقعته الأطراف الليبية المتصارعة في 17 دجنبر 2015، تحت رعاية أممية.،قبل توصل الاجتماع إلى صيغة توافقية قضت « بالترحيب بانتقال المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني إلى العاصمة طرابلس، في خطوة هامة في سبيل تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، في إطار المسار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة »، كما ثمن البيان « الجهود الحثيثة التي بذلتها تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا » »حل الأزمة الليبية.
وحاول النظام الجزائري معاكسة دور المغرب المتنامي في جمع أطراف الأزمة الليبية ومحاولة البحث عن تسوية بينها من أجل استقرار ليبيا العضو في الاتحاد المغاربي ،بدعم ورعاية الأمم المتحدة.
وسعت الجزائر لاحقا بدون جدوى إلى إبعاد المغرب من مبادرات الوساطة لإيجاد حل للأزمة الليبية والبحث عن موقع لها لتكون لها كلمة في مصير الوضع في ليبيا.
الجزائر لا تدفع واجبات عضويتها في الاتحاد المغاربي
وكشف النظام الجزائري أيضا عن موقفه المعاكس للمغرب وللاتحاد المغاربي بمناسبة تعيين الأمين العام لاتحاد المغرب العربي السيد الطيب البكوش في السنة الماضية دبلوماسية مغربية تتولى إدارة إحدى مديريات الاتحاد ،ممثلة دائمة له لدى الاتحاد الإفريقي.
وتأكد إصرار الجزائر على مواصلة شل الاتحاد المغاربي ومنعه من إيجاد موطئ قدم له إلى جانب التكتلات الإقليمية المعتمدة في الاتحاد الإفريقي، في البيان الذي تهجمت فيه وزارتها للخارجية الجزائرية يوم 16 أبريل 2023 على الأمين العام للاتحاد السيد البكوش ورئيس مفوضية التحاد الإفريقي موسى محمد فقي لاعتماده السيدة أمينة سلمان ممثلة دائمة للاتحاد المغاربي ،مدعية أن تعيين المندوبة غير مؤسس وأن ولاية الأمين العام لاتحاد المغرب العربي ،الذي بادر بهذا التعيين ،انتهت في فاتح غشت 2022.
و رد ت الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي في بيان لها في 19 أبريل 2023 على مغالطات النظام الجزائري بإعلانها أن هذا النظام يتملص منذ 2016 من أداء واجبات عضوية الجزائر في الاتحاد وبالتالي لا يحق له تنظيميا وسياسيا وأخلاقيا المساهمة في القرارات التي يتخذها الاتحاد أو الاعتراض عليها.
وردا على واقعة عدم دفع واجبات عضويته في الاتحاد ،زعم النظام الجزائري، عبر أحد أذرعه الإعلامية، أن الدول الأربعة الأخرى لم تدفع مساهماتها في ميزانية مجلس شورى اتحاد المغرب العربي منذ 2014 ،علما أن عدم تلك الدول مساهماتها مبرر ،لكون النظام الجزائري جعل من مجلس الشورى ملحقة له وليس مؤسسة اتحادية ويكفي في هذا الشأن الاطلاع على تصريحات الأمين العام لهذا المجلس الجزائري سعيد المقدم ،التي خرج فيها عن واجبات الالتزام بمهام وظيفته ،مستغلا منصبه لخدمة الجزائر، خصوصا في ترويج أطروحتها المعادية للمغرب ولوحدته الترابية.
كما فندت الأمانة العامة للاتحاد ادعاءات الجزائر بتأكيدها أن السلطات الجزائرية لم تتقدم بأية ملاحظة بشأن المبادرات التي اتخذها الأمين العام وأن قرار تعيين ممثلة دائمة للاتحاد لدى الاتحاد الإفريقي تزامن مع تمديد ولاية الأمين العام الطيب البكّوش الذي طلب أكثر من مرة أن يُعيّن خلف له، وآخرها بمناسبة القمة العربية في الجزائر يومي 1 و2 نونبر 2022، معبرة عن أسفها لما وقع فيه النظام الجزائري من تناقض بوصف الأمين العام بعبارة « أمين عام سابق » ،رغم أن كبار رجال الدولة الجزائرية ومن بينهم الرئيس تبون واصلوا مراسلته ، بصفته أمينا عاما للاتحاد.
وقبل هذه الواقعة بادر النظام الجزائري إلى سحب دبلوماسييه العاملين في الأمانة العامة للاتحاد ،آخرهم في يوليوز 2022،مما كشف عن نيته المبيتة للإجهاز على الاتحاد المغاربي الذي لم يتمكن من تطويعه لخدمة أجندته في المنطقة.
خلق محاور على أنقاض الاتحاد المغاربي
وكشف النظام الجزائري رسميا عن رغبته في إغراق المنطقة في محاور على أنقاض الاتحاد المغاربي، هاجسه في ذلك هو الطمع في عزل المغرب والهيمنة على باقي دول المنطقة ،في استصداره من الرئيس التونسي قيس سعيد ما يسمى « إعلان قرطاج »، في 16 دجنبر 2021 ،عقب زيارة الرئيس تبون لتونس ، الذي جاء فيه أنه « اعتبارا للدروس المستخلصة من التجارب السابقة وبالنظر إلى الإنجازات التي حققتها العلاقات بين البلدين، تداول الرئيسان (التونسي والجزائري) في أهمية اعتماد نظرة طموحة نحو إرساء فضاء إقليمي جديد جامع ومندمج ومتكامل يقوم على القيم والمثل والمبادئ المشتركة ويوفر ردودا منسقة وناجعة للتحديات الأمنية والاقتصادية والصحية وللأحداث ولكافة التطورات الراهنة والقادمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ».
وتبين من هذا الإعلان أن هدف النظام الجزائري هو خلق اتحاد بديل لاتحاد المغرب العربي ،لا يضم المغرب في عضويته ،فضلا عن إثارته الفتن في المنطقة ، من قبيل استغلاله الأزمة الاقتصادية والمالية في تونس لدفع الرئيس قيس سعيد إلى التخلي عن الموقف الذي التزمت به تونس في قضية الصحراء المغربية ،بتخصيصه استقبالا رسميا للانفصالي إبراهيم غالي، بمناسبة اجتماع منتدى تيكاد للتعاون الياباني الإفريقي في صيف 2022، محدثا بذلك أزمة في العلاقات بين المغرب وتونس، تخدم مخطط النظام الجزائري للإجهاز على الاتحاد المغاربي.
الحلم المغاربي يتعرض للخيانة
وواجه الأمين العام للاتحاد الطيب البكوش قبل سنة النظام الجزائري بحقيقة تماديه في الإجهاز على بناء المغرب العربي ،بقوله في حديث لقناة فرانس 24 أنه « لا يمكننا بناء اتحاد مغاربي كبير، بحدود مغلقة ولا بعلاقات دبلوماسية مقطوعة »، في إشارته إلى إغلاق النظام الحدود البرية مع المغرب منذ قرابة 30سنة وقطعه العلاقات الدبلوماسية مع المغرب منذ 24 غشت 2021.
ونبهت بلادنا قبل 7 سنوات إلى خطورة الوضع الذي يعانيه الاتحاد المغاربي من جراء المواقف الجزائرية ، بقول جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة استعادة المغرب مقعده في الاتحاد الإفريقي أن » شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك. فالحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينيات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة. ومما يبعث على الأسى، أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع ». وأكد جلالته في الخطاب نفسه أن « المواطنين في البلدان المغاربية لا يفهمون هذا الوضع. وإذا لم نتحرك، أو نأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت ».
لقد أكد المغرب دائما إيمانه بأنه ينبغي، قبل كل شيء، أن يستمد قوته من الاندماج في فضائه المغاربي، داعيا إلى استحضار مضامين معاهدة مراكش لبناء المغرب العربي على أسس صلبة وبمعيار التكافؤ والمواساة بين أعضائه.
والمؤكد أن بعض دول المنطقة تشاطر المغرب رأيه برهانها أيضا على تفعيل الاتحاد المغاربي ليكون له موقع مؤثر ضمن التكتلات الإقليمية في القارة الإفريقية وغيرها وترفض أن تكون أداة في يد النظام الجزائري لتمرير أجندته في المنطقة ضمن تكتل جديد .
وزعم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أخيرا أن الكيان الذي تسعى الجزائر إلى إنشائه لن يكون بديلا لاتحاد المغرب العربي ، الذي قال أنه يوجد في « موت سريري »، متناسيا أن بلاده هي التي أوصلت بمناوراتها الاتحاد إلى هذا الوضع وأنها بدلا من أن تبادر إلى المساهمة في استعادة عافيته، تسارع الخطى لإنشاء تكتل جديد ، سيثبت المستقبل أنها لن تستطيع إن قامت لهذا التكتل قائمة ،أن توظفه في عزل المغرب ،الذي يظل بمقوماته وقدراته إحدى ركائز المنطقة ودعاماتها من أجل الاستقرار والتنمية.
المصدر: اليوم 24