اخبار السودان

«كباشي والعطا» صراع جناحين متضادين أم عملية تبادل أدوار؟

 

بدأت بوادر الخلاف بين القائدين بعد خطاب ألقاه نائب قائد الجيش أمام حشد من قوات “جيش تحرير السودان” حذر فيه من خطر “المقاومة الشعبية”

التغيير: منصور الصويم

في خضم موجة تصريحات متعارضة ما بين نائب القائد العام للجيش السودان، الفريق أول شمس الدين كباشي، ومساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا، تعرضت مجموعة من كتيبة “البراء بن مالك” إحدى أبرز ما يعرف بـ “المقاومة الشعبية” و”المستنفرين” إلى هجوم بطائرة مسيرة إثناء إفطار رمضاني مساء أمس الثلاثاء بمدينة عطبرة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 17 شخصًا وإصابة العشرات.

بدأت بوادر الخلاف بين القائدين البارزين في القوات المسلحة السودانية، وعضوي مجلس السيادة، ياسر العطا وشمس الدين الكباشي، بعد خطاب ألقاه نائب قائد الجيش أمام حشد من قوات جيش تحرير السودان جناح مناوي، الخميس الماضي بمدينة القضارف، إذ تحدث عن ضرورة “ضبط المقاومة الشعبية”، وحذر من أنها يمكن أن تكون “الخطر القادم على السودان”، كما وجه قادة الوحدات العسكرية المختلفة بضرورة تقنين عملية توزيع الأسلحة، وألا يسمح بحمل السلاح لمن لا يتبعون للقوات المسلحة خارج معسكرات الجيش.

تصريحات شمس الدين كباشي التي عدها كثير من المراقبين موجهة في الأساس إلى “المقاتلين الإسلاميين”، وأنصار النظام السابق ممن انضموا بحماس وكثافة إلى صفوف “المقاومة الشعبية المسلحة”، وجدت معارضة صريحة وعلنية من مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، الذي أكد خلال إفطار رمضاني أقامه بحامية وادي سيدنا بمدينة أم درمان، إن “المقاومة الشعبية ستستمر وأنها أداة فاعلة في “معركة الكرامة” التي تشنها القوات المسلحة ضد قوات الدعم السريع، لدحرها والقضاء عليها”، و”إن “الحديث السلبي” حول المقاومة الشعبية مرفوض”.

خلاف بين رؤيتين

المحلل السياسي، محمد لطيف، يرى أن الخلاف واضح بين الجهتين، وهو خلاف بين رؤيتين متضادين، ويقول في إفادة لـ«التغيير»: ياسر العطا منحاز لـ “الكيزان” أو الإسلاميين تماما، فهو منذ انسحابه من لجنة التفكيك إبان حكم الفترة الانتقالية، كانت تحوم حوله الشكوك، ويلحظ وقتها دفاعه المبالغ فيه عن “الحرية والتغيير” في محاولة للتغطية. أما شمس الدين كباشي، فهو غير “منظم” هذه مؤكدة، لكنه “يلعب لصالح ورقه”، وهو أكتر أكثر القادة قربا من الجيش وربما أحس أنه في “ضيق شديد من الكيزان”.

بدوره أرجع اللواء متقاعد د. أمين إسماعيل مجذوب، التصريحات الأخيرة لعضوي مجلس السيادة إلى عدة عوامل، أولها الصراع في الإشراف على مؤسسات الدولة.

وقال في حديث لـ«التغيير»: هذه قصة جديدة أن يوكل لكل عضو من أعضاء مجلس السيادة من العسكريين عدة وزارات يكون مسؤولا عنها، أيضا يبدو أن موضوع المقاومة الشعبية قد أخذ جدلا ونقاشا كبيرا في كيفية السيطرة عليه وضبطه ومنعه من الاحتواء بواسطة جهات أخرى، سواء أكانت جهات سياسية أو قبلية.

ويضيف: من الواضح أن عدم وجود ناطق رسمي باسم مجلس السيادة، أو ناطق رسمي نشط باسم القوات المسلحة أدى إلى مثل هذه التصريحات المتداولة. وأرى أنه في حال ترتيب هذه الأمور التي ذكرتها قد يساعد ذلك على خفض مثل هذه التصريحات المتباينة.

وفي إجابته عن سؤال هل هناك خلافات داخل كابينة القيادة في الجيش السوداني، قال اللواء متقاعد د. أمين: “لا أعتقد أن هنالك خلافات إنما هي اجتهادات، وهذا الأمر تكرر كثيرا في الأربع سنوات الماضية، سواء أكان من مجلس السيادة بشقيه المدني والعسكري، أو من الحكومة الماضية. كل يصرح بما يرى وكل يتحدث بما هو مقتنع به. لكن الضبط المؤسسي مطلوب بوجود ناطق رسمي واحد يتحدث بلسان كل المجلس. أيضا مسألة الإشراف على المؤسسات المدنية، أعتقد يجب أن تلغى ويترك الأمر للوزراء، ويأتي ذلك بتعيين حكومة الآن، سواء أكانت حكومة حرب أو حكومة مهام خاصة أو تصريف أعمال”.

تبادل أدوار

المحلل السياسي صلاح الدومة، أشار إلى أن التضارب في التصريحات بين الكباشي والعطا لا يعدو كونه عملية تبادل أدوار وليست اختلافات. وقال لـ «التغيير»: “كليهما العطا وكباشي لا يملك الجرأة بأن يصرح تصريحات مخالفة للجهة الآمرة التي توجههما، فهما لا يستطيعان بأي حال من الأحوال الخروج عن طوع هذه الجهة”.

وأرجع الدومة الأمر إلى خطة مرسومة من الجهات لم يحددها التي توجه القائدين، لكي يصرحا بهذه التصريحات المتناقضة، مشيرا إلى أن الغرض منها إبعاد الإسلاميين، ثم بعد حين تحدث شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين فقط دون وجود “الكيزان” ثم يقوم العسكر مرة أخرى بالانقلاب على الاتفاق والنكوص عن التعهدات وإقصاء المدنيين، والإتيان بـ”الكيزان” من جديد للسلطة مثلما حدث في عملية فض الاعتصام وكما حدث في انقلاب 25 أكتوبر.

وقال الدومة: “إنهم يكررون السيناريو ذاته وبالسذاجة نفسها، معتقدين أن الشعب السوداني لا يستطيع أن يتذكر هذا الماضي القريب جدًا والأليم المليء بالخيانة، وأن هذه الألعوبة والمسرحية المكشوفة سوف تمر على هذا الشعب مرة أخرى”.

فترة استثنائية

الدكتور راشد محمد علي الشيخ، الكاتب والمحلل السياسي قال إن التصريحات التي ترد أثناء الفترات الاستثنائية لاسيما في فترات الحروب تعطي في مجال العلوم السياسية مؤشرات، هذه المؤشرات تؤخذ على الواقع الظرفي القائم.

وأضاف في إفادة لـ«التغيير»: من خلال ما تشير عليه الوقائع الظرفية القائمة الآن في السودان ليس هناك اتجاه في التعامل بحسب المفاهيم المرتبطة بالأدوات السياسية إنما هو فعليا عملية تبادل أدوار لتهيئة المناخ لما بعد الحرب والقبول بالأدوار الإيجابية لمفهوم التحول في الدولة.

وأضاف: “طبعا بعد كل حالة تغيير كبرى، أو حالة حرب امتدت لفترة من الزمن تكون هناك عملية دفع قوية باتجاه تغيير أشمل ذات شكل إيجابي على الدولة والمواطنين، وبالتالي هذه من الأدوات الممهدة لعملية التغيير”.

ما بين الرأي القائل بأن تضارب التصريحات بين القائدين العسكرين “الكباشي والعطا” لا يعدو كونه عملية تبادل أدوار مرسومة، ومن يرى أن صراعا محتدما بدأ بالانكشاف حول من سيتحكم في خطط الجيش لإدارة الحرب، ورؤية الدولة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب، تأتي عملية استهداف جماعة “البراء بن مالك” كمؤشر على دخول “المقاومة الشعبية” إلى مرحلة أخرى من الصراع، فإلى جانب حربها التي ترى أنها جهادية و”حرب كرامة”، فهي الآن تنزلق إلى صراع من نوع آخر يحركه في الخفاء تضارب المصالح والرؤى المستقبلية لواقع البلاد، وهذا يأتي من داخل المعسكر الذي تساند!

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *