السودان.. اتساع رقعة الحرب يجبر نازحين على «نزوح جديد»
فرض اتساع رقعة حرب السودان على المدنيين واقعاً مضنياً وضعهم بين قطبي رحى انتهاكات طرفي الحرب وطريق النزوح واللجوء الطويل والمكلف.
التغيير: محمد عبد الرحمن
في 15 ابريل الحالي، تكمل حرب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عاماً بالتمام والكمال، بعد أن وصلت آثارها كل بيت سوداني ما بين قتيل ومصاب ونازح ولاجئ ومحاصر، ومع اقتراب العام تضع الحرب المدنيين أمام تحديات وخيارات قاسية، في وقتٍ تتسع فيه رقعة الحرب وتزداد الأوضاع تعقيداً وسوءاً.
واندلع الصراع منتصف ابريل الماضي بالعاصمة الخرطوم، قبل أن يتمدد لاحقاً إلى ولايات أخرى، وتتزايد كلفته البشرية والمادية، وتتوالى مآسيه ملاحقاً الذين نزحوا ليجبرهم على رحلات نزوح جديدة.
نزوح وعودة اضطرارية
مع تطاول أمد الحرب تصاعد خطاب الكراهية والتحريض والاتهامات للمقيمين في مناطق سيطرة أحد طرفي الحرب أو النازحين أو حتى الناشطين والإعلاميين في جو مشحون بالتعبئة والتعبئة المضادة، وهو ما دفع كثيرين للنزوح أكثر من مرة.
وفرض اتساع رقعة الحرب على المدنيين واقعاً مضنياً وضعهم بين قطبي رحى انتهاكات طرفي الحرب وطريق النزوح واللجوء الطويل والمكلف.
(التغيير) تحدثت مع أسرة نزحت قبل أشهر من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة وبعد انتقال الصراع إلى الجزيرة اضطرت الأسرة المكونة من خمسة أفراد “أب وأم وبنتين وولد” إلى النزوح مرة أخرى إلى ولاية بعيدة عن الحرب، وشهدت رحلتهم معاناة كبيرة خاصة وأن الأبوين يعانيان من أمراض مزمنة.
الأسرة استقلت عربة كارو يقودها الحصان كوسيلة نقل لمسافة أكثر من عشرين كيلومتراً حتى مكان الحافلات، ووصل سعر إيجار الكارو إلى نحو 100 ألف جنيه سوداني، ومن ثم استقلوا مركباً لعبور النهر فعربات النقل تنتظر عند الضفة الأخرى، للى المبيت مع أسرة في القرية التي تقلهم منها الحافلات صباحاً إلى ولاية آمنة، وبلغ سعر تذكرة الحافلة للشخص الواحد أكثر من 100 ألف جنيه، وسافرت الأسرة في رحلة لأكثر من 12 ساعة حتى وصلت إلى ولاية آمنة لبدء رحلة نزوح جديدة ينتظرهم فيها إيجار منزل باهظ الثمن وتكاليف معيشة وأدوية غالية الثمن.
وروى عدد من الذين نزحوا من الخرطوم إلى مدينة مدني قبل أشهر رحلة نزوحهم الثانية من مدني إلى ولاية سنار سيراً على الأقدام فقد قطعوا مسافة أكثر من 100 كليومتراً، تحركوا في الصباح الباكر ووصلوا عند منتصف الليل، حيث وجدوا من يستقبلون النازحين من أهالي المنطقة بالطعام والماء والعلاج.
ووصفوا في حديث لـ(التغيير)، رحلة النزوح الثاني بأنها كانت الأصعب لسيرهم على الأرجل طويلاً وعدم مقدرتهم على إيجاد سكن بأسعار ميسورة والبحث عن بداية جديدة وسط النزوح أمر صعب وتحدٍّ كبير.
كما أفادت أسر كانت تقيم في مراكز إيواء بمدن الجزيرة، بأنها انتقلت إلى الخرطوم مرة أخرى والقبول بالأمر الواقع، بعد النزوح لأشهر جراء تفجر الأوضاع في الولاية، وقالوا إنهم لا يملكون المال للانتقال إلى ولايات آمنة لذلك اختاروا العودة بعد أن لاحقتهم نيران الصراع.
وهناك ثلاث أسر أخرى عادت من الجزيرة إلى منطقة الكلاكلة بالخرطوم اضطرارياً، وذلك بعد أشهر طويلة قضتها أسرتان منهم في منزل بلغت تكلفته الشهرية 600 ألف جنيه والثالثة في منزل صغير بقيمة 300 ألف، وعادت الأسر مستقلة حافلة بتكلفة 600 ألف من وسط الجزيرة إلى الكلاكلة في طريق غير آمن قد يتعرضون فيه للنهب أو الحوادث.
مخاوف
ومع إكمالها عاماً كاملاً تزداد المخاوف من تأثيرات حرب السودان التي خلفت كوارث عديدة وأدت إلى انهيار البنية التحتية وتوقف المصانع والمشافي وانعدام الأغذية، بجانب الكوارث الصحية وانعدام الدواء في وقت انتشرت فيه الاوبئة بسبب تحلل الجثث في الشوارع والمنازل بمناطق الصراع خلال الأشهر الاولى للحرب، وقد سجلت مناطق الصراع حالات كثيرة للإصابة بالكوليرا والإسهالات المائية والملاريا والحميات في ظل نقص للأدوية ومراكز العلاج والمستشفيات، مما يضع المقيمين والنازحين والعائدين أمام اختبارات وخيارات صعبة.
وأدى الصراع في البلاد إلى سقوط أكثر من 13 ألف مدني وفق ما اكدته تقارير اممية، بجانب الدمار والخراب الكبير الذي لحق بالبنية التحتية من جامعات ومدارس ومرافق حكومية وجسور ومرافق الكهرباء ومحطات المياه والمراكز الصحية والمستشفيات.
المصدر: صحيفة التغيير