اخبار السودان

السودان.. هل باتت “المقاومة الشعبية” لاعباً جديداً في الحرب؟

حاول نائب قائد الجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي حسم الجدل في السودان حول طبيعة ومستقبل مجموعات “المقاومة الشعبية” التي تدعم الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، وقال في تصريحات، أطلقها أول من أمس الخميس، إن هذه المجموعات يجب أن تعمل تحت قيادة الجيش رافضاً تسييسها أو توظيفها لخدمة أجندات سياسية.

حديث كباشي جاء في مدينة القضارف، شرقي البلاد، في حفل تخريج دفعة جديدة من المقاتلين الموالين لحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، التي تساعد الجيش في حربه الحالية ضد قوات الدعم السريع.

وحذر كباشي من تسييس عمل “المقاومة الشعبية” المساندة للجيش وتجييرها لخدمة أجندة سياسية، وشدد على وضع تلك المقاومة المسلحة تحت قيادة الجيش، وعمل كل منسوبيها تحت رايته، مؤكداً رفض أي راية سياسية أو حزبية أو كيانات داخل الجيش أو داخل “المقاومة الشعبية”. كما شدد كباشي على عدم صرف أي سلاح إلا داخل المعسكرات المعروفة بالقول “لن نقبل بسلاح لأشخاص بانتماءات سياسية خارج المعسكرات”، مبدياً حماساً لموضوع التفاوض والسلام.

ورأى محللون سياسيون أن رسالة كباشي وُضعت بشكل واضح في بريد الإسلاميين عامة والنظام السابق وحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، ذلك لأن قيادته وقواعده تتبنى بشكل كامل فكرة الحرب وأهدافها السياسية وتتصدر مشهد “المقاومة الشعبية” بالكامل، وظهرت قيادتها مباشرة داخل معسكرات التجنيد وفي وسائل الإعلام، ما أوحى بعودة كاملة للنظام السابق مرة أخرى تحت لواء الجيش.

ويشير محللون إلى أن كلام كباشي عبر عن قلق قيادة الجيش من ذلك الأمر، وأن كباشي حاول على الأقل احتواء تحركات النظام السابق، عبر واجهاته السياسية، بخطاب سياسي إعلامي يقدم طمأنة للداخل وللخارج، الذي يتحفظ بشدة على عودة نظام الرئيس المعزول عمر البشير بأي شكل كان ولو بوجوه جديدة.

عدة رسائل

وعن ذلك، قال اللواء المتقاعد أمين مجذوب، لـ”العربي الجديد”، اليوم السبت، إنّ كباشي “بعث بعدة رسائل في صناديق بريد مختلفة”، موضحاً أن “فكرة المقاومة الشعبية نبعت بصورة خاصة من الشعب السوداني بعد دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، حيث استشعر المواطنون الخطر فخرجت فكرة المقاومة الشعبية”.

ويضيف مجذوب أنه مع تطور الفكرة، “ظهرت بعض الشخصيات والجهات التي ترغب وتخطط لاستغلال المقاومة الشعبية خدمة لأغراض سياسية وأيديولوجية”، موضحاً أن “ظهور بعض الشخصيات والجهات وتصدرها المشهد يؤكدان وجود مشروع لاستثمار تلك المقاومة الشعبية عبر منحها حق تمثيل الشعب وتشكيل الحكومة وتشكيل جمعية تأسيسية ومجالس أحياء”، مؤكداً أن ذلك “يخرج المقاومة الشعبية من مسألة المدنية والشعبية إلى أغراض وتصنيفات سياسية وأيدولوجية، وهذا ما تخشاه القوات المسلحة وورد على لسان كباشي”.

ويشير مجذوب إلى أن “كباشي وجه رسالة أيضاً إلى المجتمع الدولي والإقليمي مفادها أن المقاومة الشعبية تحت السيطرة وليست خصماً في هذه الحرب إنما هي سند ومساعد”، مرجعاً ظهورها إلى “الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع على أموالهم وممتلكاتهم وأعراضهم، بالتالي نبعت من داخل صفوف المواطنين أنفسهم لإسناد القوات المسلحة لمواجهة الغزو الخارجي الذي يستهدف وحدة السودان وتغيير شعبه وإحلال شعوب أخرى مكانهم”.

ويتفق محمد أبو زيد كروم، رئيس منبر السلام العادل، مع حديث الفريق كباشي، وقال لـ”العربي الجديد” إن “الوضع الطبيعي هو ابتعاد اللافتات السياسية عن الجيش، وكل من يقاتل يجب أن يقاتل تحت لافتة الجيش”، مستهجناً وجود “خيار وفقوس”، ومشدداً على ضرورة “ابتعاد الجيش عن الأحزاب وابتعاد الأحزاب عن الجيش”.

وأضاف كروم أنه بعد انتهاء الحرب “يجب ألا يكون السلاح إلا بيد الجيش فقط، حتى لا نكرر خطأ فكرة الدعم السريع”، ورأى أن كباشي “لم يعنِ الإسلاميين وحدهم بحديثه”، مشيراً إلى زيارات “قامت بها قوى سياسية للجيش بشكل استعراضي وتوجه تلك القوى للتوقيع على ميثاق سياسي مع الجيش”، مضيفاً أنه يعتقد أن كباشي “ضد هذا التوجه ولذلك عبر عن نفسه بهذا الشكل”. وأشار كروم إلى وجود تباينات داخل قيادة الجيش نفسها في التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب.

دعوة للسلام في السودان

أما محمد الفكي سليمان، القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، فيرى من جهته أن خطاب كباشي الأخير يدعو إلى السلام، “وهذا أمر مطلوب وندعمه، وظللنا نبشر به منذ انطلاقة الرصاصة الأولى”.

وأضاف سليمان لـ”العربي الجديد” أن وضع السلاح تحت يد الجيش الموحد “يحتاج لخطوات كثيرة لأنه شرط أساسي لبقاء الدولة نفسها التي تقف اليوم على مفترق طرق”، متوقعاً أن “تكون للخطاب مقاومة كبيرة من الذين يريدون استمرار الحرب، لأن الحرب لم تحقق أهدافهم بعد. لكن كل من يسير في طريق السلام سيجد دعماً من الكتلة الكبرى، وهي جموع السودانيين الذين يريدون الاستقرار والعودة إلى منازلهم”.

أما زميله في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية خالد عمر يوسف، فيرى أن تصريحات كباشي حملت إشارات إيجابية عديدة. وأضاف يوسف في منشور على منصة إكس أن “تلك المؤشرات الإيجابية تستشعر مخاطر استمرار الحرب وتمددها وانتشار السلاح وما يعنيه كل هذا من تهديد لكيان الدولة، التي لا محالة ستتفتت إذا ما استمرت هذه الحرب بهذه الديناميكيات التي أفرزتها والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم”.

أما صالح عمار، الناطق الرسمي باسم التحالف المدني في شرق السودان، فيرى أن تصريحات كباشي هى الطريق الصحيح نحو السلام الذي ينتظره كل السودانيين، وقال لـ”العربي الجديد” إن “كباشي وضع يده على الجرح ونطق بالحقيقة، بعد تعاظم نشاط المليشيات التي يقودها منسوبو النظام البائد والرسائل العنيفة التي باتت ترسلها وتعلن من خلالها أنها البديل لسلطة القوات المسلحة”، محذراً من أن عدم تحرك القوات المسلحة السودانية “بسرعة لإعادة تلك المليشيات إلى ادارتهم، فلا شك أن أول ضحاياها سيكونون هم قبل أي جهة أخرى”.

ومن جهته، رأى المحلل السياسي أحمد خليل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الهجوم على كباشي من قبل الإخوان المسلمين وفلول النظام البائد أتى لانهم يعتقدون أن المعركة الحالية معركتهم، وهم دخلوا المعركة عبر عملية الاستنفار والمقاومة الشعبية”، مشيراً إلى أن “أغلبية المشاركين في الاستنفار لديهم توجهات سياسية واضحة ومراكز التدريب استغلت لتمرير المواقف السياسية، وهذا ما انتبه إليه الجيش”، مؤكداً أن حديث كباشي سيكون له ما بعده ولم يستبعد حدوث انشقاقات في جبهة أنصار الحرب.

وأشار خليل إلى أن التجربة أثبتت وجود تناقض في الخطاب السياسي لقادة الجيش، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وكباشي ومساعد قائد الجيش ياسر العطا، ولم يستبعد أن يكون هناك تغييرٌ ما قد حصل “خصوصاً تشديد حديث كباشي على أهمية السلام في السودان وإنهاء الحرب”، مشيراً إلى أن ذلك “يجب أن يقابل بالترحيب من القوى المدنية”.

العربي الجديد

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *