«الفن هو السلام» السودانية , اخبار السودان
بقلم جون فوس
(كل شخص هو متفرّد، وفي نفس الوقت يشبه أي شخص آخر. إن تفرّد الشخصية والمظهر الخارجي يمكن أن يشاهدا بشكل واضح، هذا صحيح، لكن يوجد أيضا شيء ما داخل كل شخص يميّزه لوحده، فقط لهذا الشخص، يمكن أن نسميها نفس أو روح أو نحن لا نحتاج لوصفها بالكلمات، ولكن رغم اختلافنا جميعًا عن بعضنا البعض، فإننا متشابهون أيضًا. الناس من كل أنحاء العالم هم متشابهون بشكل أساسي مهما كانت اللغة التي يتحدثون بها أو لون بشرتهم أو شعرهم. قد يكون هذا بمثابة مفارقة، أننا متشابهون تمامًا ومختلفون تمامًا في نفس الوقت. ربما يكون الإنسان متناقضًا بشكل جوهري، في هذه الفجوة بين الجسد والروح، بين ما هو أرضي وجوهري وما يتجاوز الحدود المادية الراسخة.
لكن الفن؛ الفن الجيّد، ينجح بطريقته المُعجِزة في الجمع بين الفريد تمامًا وما هو كوني. نعم، فهو يتيح لنا أن نفهم ما هو المختلف، الفريد والغريب. يمكن للفن أن يُفهم بشكل كوني فيخترق بذلك الحدود وكل مناطق العالم و الدول، و هكذا فهو لا يجمع بين الصفات الخاصة بكل فرد فحسب، بل أيضًا و بمعنى آخر الخصائص الفردية التي تشترك فيها مجموعة من الناس، الأمم مثلا. والفن لا يجعلها كلها متماثلة بل بالعكس فهو يبرز إختلافها. نعم، كل ما هو غريب في كل فن جيد يحتوي على وجه التحديد على الغريب الذي لا نستطيع فهمه تمامًا، ومع ذلك نفهمه في نفس الوقت بطريقة ما. هل يمكن القول ان كل ما هو غامض يبهرنا أو يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا؟ وبذلك يخلق السمو الذي يجب أن يحتويه الفن في حد ذاته ويقودنا إليه.
لا أعرف طريقة أفضل للجمع بين الأضداد. هذا بالتحديد على عكس الصراعات العنيفة التي نراها غالبا في العالم في محاولاتها التدميرية التي تسعى لإبادة كل ما هو غريب، فريد ومختلف. غالبًا، عند استخدامنا أكثر الاختراعات اللاإنسانية التي قدمتها لها التكنولوجيا، يتحول هذا الإستخدام إلى إرهاب، إلى حرب، فالناس لديهم أيضا جانب حيواني مدفوعين بالغريزة، لذلك فإن الآخر، الغريب، لا يعتبر غريبا وساحرا فحسب، بل كتهديد لوجودهم. إن المتفرد والمختلف لا يظل كذلك بل يتحول إلى هوية جمعية يعتبر فيها المختلف تهديدا يجب التحكم فيه، و ما يعتبر من الخارج إختلافا مثل الذي بين مختلف الديانات أو الأيديولوجيات أو السياسات يصبح شيئًا يجب القضاء عليه.
الحرب هي صراع ضد ما يكمن في أعماقنا، ضد ما هو متفرّد وهو أيضًا صراع ضد الفن، ضد جوهر كل فن.
لقد إخترتُ أن أتحدث هنا عن الفن بشكل عام، وليس عن الفن المسرحي على وجه الخصوص، لأن كل فن جيّد كما قلت يدور في عمقه حول نفس الشيء و يتعلق الأمر بضمان أن يصبح ما هو متفرد تمامًا، ومتميزً تمامًا ببعد كوني.
نحن نجمع بين المتفرّد الكوني في تعبيره الفني.
الأمر بسيط تماما، تتعارض الحرب والفن كما تتعارض الحرب والسلام.
(الفن هو السلام).
*(عن جون فوس)
هذه السنة كلّفت الهيئة الدولية للمسرح I.T.I الكاتب المسرحي النرويجي (جون فوس) صاحب نوبل للآداب للسنة الماضية بكتابة رسالة 2024 وهو كاتب مسرحي و رؤائي و شاعر و مترجم و كاتب قصص للأطفال، له أسلوب إستثنائي يتميز بالبساطة و العمق العاطفي ، و تُعتبر مسرحياته هي الأكثر حضورا في مسارح العالم الآن و قد تُرجمت لأكثر من خمسين لغة. و يمكن إعتبار فوس إمتدادا لمواطنه الكاتب المسرحي هنريك إبسن رائد الواقعية الذي عاش في القرن التاسع عشر و يصنّف النقاد مسرحيات فوس في جمالية ما بعد الدراما و كذلك رواياته في ما بعد الحداثة لاستخدامها غير التقليدي لتركيب الجملة و هو يمزج بين المحلّي والتقنيات الحداثية. و قد اكتسب شهرة عالمية ككاتب مسرحي بداية من مسرحيته ” شخص ما سوف يأتي ،التي أصدرها سنة 1996 ، عن زوجين إشتريا منزلًا قديمًا في مكان منعزل قرب البحر هربًا من العالم، يقتحم عالمهم حفيد المالك السابق للمنزل فكان حضوره مؤلما للزوجين القلقين بشأن عزلتهما و هذا سيكشف هشاشة العلاقة بينهما.هذه المسرحية هي مثال مهم على الكتابة المتفردة لهذا للكاتب و تتميز بالتكرار المستمر و بمفرداتها المحدودة. و أما مسرحية ” الإبن” و نشرها في 1997 فقد اشتهرت باختزالها الجذري للغة وتعبيرها العميق عن المشاعر الإنسانية و تحكي عن عجوزين يعيشان في عزلة ينتظران عودة إبنهما و هي تتناول مفهوم الأسرة الذي بدأ يتلاشي في كل المجتمعات فقد غادر الإبن القرية تاركًا والديه ثم يعود بعد إنتظار، شخصيات المسرحية باردة، مجردة من كل المشاعر.
في كتابات فوس المسرحية نجد أثار بيكيت لكن بعبث الآن و هو غير عبث خمسينات القرن الماضي ، و تتعمق أعماله في جوهر الحالة الإنسانية فتتناول موضوعات مثل عدم اليقين والقلق و الحب والفشل و يتنيز بكشفه العميق لمواقف الحياة اليومية، و ضعف التجارب الإنسانية و غالبًا ما يترك في أعماله الكلمات أو الأفعال غير مكتملة، مما يخلق شعورًا بالتوتر الدائم في مواضيعه. كما في مسرحيتيه ” يوم في الصيف” و “فتاة شابة على الأريكة”
المترجم أنور الشعافي
المصدر: صحيفة التغيير