«إدارية الجزيرة».. هل هي إعلان متدرج لتشكيل حكومة الدعم السريع؟
تواجه قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة بالجزيرة، فشل القائد كيكل أو اللجان التي شكلتها قيادة الدعم في إيقافها أو الحد منها
التغيير منصور الصويم
أثار إعلان قوات الدعم السريع، الاثنين 23 مارس، بتشكيل إدارة مدنية في ولاية الجزيرة، الكثير من التكهنات بخصوص التكوين المفاجئ وغير المسبوق منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل الماضي، رغمًا عن سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة من السودان خلال الفترة الماضية، أكبرها يقع في إقليم دارفور وأهمها في العاصمة الخرطوم.
سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، بعد أن انسحب الجيش السوداني من حامية مدينة ودمدني عاصمة الولاية. وكلف وقتها قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي قائد الدعم السريع في الجزيرة أبو عاقلة محمد أحمد كيكل بقيادة مهام الفرقة الأولى بالولاية، ومنذ ذلك الوقت تواجه قوات الدعم السريع سلسلة من الاتهامات المتعلقة بارتكاب انتهاكات واسعة شهدتها أجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة، فشل القائد كيكل أو اللجان التي شكلتها قيادة الدعم السريع في إيقافها أو الحد منها.
نذر التقسيم
بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة نيالا في أكتوبر الماضي، توقع الكثير من المحللين أن تعلن تأسيس سلطة حكومية أو شبه حكومية لإدارة المدينة والأجزاء الأخرى من إقليم دارفور التي تقع تحت نفوذها، لكن هذا لم يحدث، وهو أمر يناقض ما حدث في مدينة الجنينة، التي تسلم الدعم السريع فيها شؤون الحكم والإدارة بتصعيد نائب الوالي التيجاني الطاهر كرشوم ليحل حاكمًا لولاية غرب دارفور بديلًا عن الوالي المغتال خميس عبدالله أبكر، أواسط يونيو الماضي. ما لم يتحقق في ولايات دارفور تحقق بشكل منظم وذي طابع انتخابي في ولاية الجزيرة، إذ أن الإدارية المشكلة بحسب بيان الدعم السريع تكونت بعد عملية انتخابية شملت “إدارة مدنية ومجلس مدني بولاية الجزيرة لإدارة أوضاع المواطنين وإعادتهم إلى مناطقهم ووقف الانتهاكات التي وقعت بحق المدنيين طيلة الشهرين الماضيين”.
وجه مدني
الكاتب والمحلل السياسي ناصر السيد النور يرى أن تكوين إدارة مدنية في ولاية الجزيرة بهذه الطريقة من قبل قوات الدعم السريع يشير إلى سيطرة مطلقة لهذه القوات وهي عسكرية بالأساس، وهذا يعني أنه لا يمكن لأي إدارة مدنية أن تتمكن من تنفيذ مهامها تحت ظل واقع عسكري غير محسوم.
ويضيف ناصر في إفادته لـ«التغيير»: “لا يعبر هذا المكون إلا عن واجهة مدنية تدفع بها قوات الدعم لإكساب وجودها العسكري الكثيف في تلك الولاية وجهاً مدنياً ربما أوحي باستتباب الأمور على نحو ما ودفعاً لمزاعم طالتها بارتكاب فظاعات في قرى تلك المناطق الأمر الذي لاقى إدانات شعبية وسياسية ودولية على نطاق واسع.
خطوة متأخرة
وعن الإعلان المفاجئ لقوات الدعم السريع بتكوين إدارة مدنية في ولاية الجزيرة يصرح الصحفي حافظ كبير لـ«التغيير» بقوله: “هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، لكن مؤخرًا توفرت كل شروط ودواعي تأسيسها، بل وأصبحت ملحة في ولاية مثل الجزيرة التي تشهد انتهاكات مستمرة وغياب للجهاز الإداري المدني الذي يعمل من أجل حماية المدنيين وتقديم الخدمات الأساسية”. ويرى كبير أن تشكيل الإدارة في ولاية الجزيرة سيسهم في وقف الانتهاكات، “فهناك قوة من الشرطة وأخرى من الدعم السريع باسم قوة حماية المدنيين ستعمل على ضبط التفلتات تحت إدارة وإشراف الإدارة المدنية، وهذا أمر ايجابي في ظل تدني الحقوق والحماية، واستمرار المعارك في عدد من المناطق، وبالتالي يمكن أن تسهم إيجابًا في حفظ وحماية حقوق الإنسان”.
الكاتب والباحث في الشأن السوداني عامر محمد أحمد حلل ما جرى بقوله: “إدارة مدنية تعني تطبيع الحياة بحيث تمثل خروجًا من حالة الحرب والتنازع إلى حالة الحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكاتهم”.
وأضاف عامر في إفادته لـ«التغيير»: “لكن الحالة التي تمثلها قوات الدعم السريع في مدني وضواحي الجزيرة ومدنها الصغيرة هي حالة انتهاك لشروط الحياة الإنسانية دعك من إدارة مدنية أو عسكرية، وبالتالي نظام وقانون ومحاسبة. وما لم تحققه قوات الدعم السريع في كل من دارفور والخرطوم لن تحققه في مدني أو الجزيرة.. فاقد الشيء لا يعطيه”.
أما ناصر السيد فتساءل عن لماذا أُعلن عن هذا المكون المدني في ولاية الجزيرة على الرغم من سيطرة قوات الدعم السريع على ولايات دارفور مثلاً؟ وأجاب بقوله: “غض النظر عن استراتيجية الموقع إلا أن هذا لا يبرر وجود سلطة أقل من الدولة وأكبر من السلطات المحلية، مبديًا تخوفه من “أن تقود إفرازات الحرب في هذا المنحى الذي جسد فعليًا مبدأ التقسيم بأن يكون ضرورة واقع تفرضها قوة السلطة ومن ثم يأخذ طريقه نحو مناطق السودان الأخرى على أسس جهوية ومناطقية”.
ولايات دارفور
من جانبه يؤكد المحلل السياسي محمد جميل أحمد أن تشكيل إدارة مدنية في ولاية الجزيرة من طرف قوات الدعم السريع ليس أمرًا جديدًا، فقد سبق لذلك أن حدث في ولايات دارفور التي سيطر عليها الدعم السريع. ويقول جميل في حديثه لـ«التغيير»: “ربما كانت هذه التجربة في ولاية الجزيرة محاولة من قوات الدعم السريع لاحتواء ما ينسب إليها من تجاوزات واعتداءات على المواطنين، في ظل اضطراب الأوضاع ببعض مناطق الجزيرة. وأمام تعقيد الأوضاع الأمنية في الولاية ربما يعكس تشكيل مجلس مدني قدرةً على ضبط الأوضاع وترسيخ الأمن الذي يحتاج إليه الجميع”. ويستدرك بقوله: “لكن هذا الإجراء، من ناحية، سيكون عرضةً لتفسيرات مختلفة من طرف المراقبين، في كونه علامة من علامات نوايا الهيمنة وإدارة السلطة السياسية التي صرح قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي في أكثر من مرة، أن الدعم السريع لا علاقة له بإدارة سلطة المدن”.
يشير حافظ كبير إلى أنه كانت تُجري نقاشات واسعة داخل قنوات الدعم السريع حول الشكل المناسب للإدارة المدنية، “حيث استقر الأمر على إدارة وفق شروط ومهام تم الاتفاق عليها مسبقًا، وهي أن يكون أطرافها من أهل الولاية أو المحلية، على ألا يكونوا من النظام البائد أو من الدعم السريع، وأن يقوموا بمهام محددة وبأجل قصير كذلك”.
ويوضح لـ«التغيير» أن لـ”الدعم السريع جسم فيدرالي تنسيقي ينسق بين الولايات الخاضعة لسيطرته، ولكن تعقيدات العمليات العسكرية في الخرطوم وعدد من الولايات أسهمت في تأخير الإعلان عن الإدارات المختلفة، وكذلك الاستعدادات المحلية لمكونات المجتمع، باعتبار أن الأساس هو المجتمع وإجماع مكوناته أو توافقهم على فكرة الإدارة المدنية”.
يصف الباحث عامر قائد الدعم السريع حميدتي بـ “المتنصل من انتهاكات مدني بدعاوى وجود كسيبة أتوا مع الفزع ونفذوا الانتهاكات”. ويقول: “هناك شخصيات مدنية من أبناء المدينة في بداية دخول الدعم السريع إلى مدني حاولوا تجنيب المدنيين ويل إغلاق المخابز والصيدليات والمستشفيات واتفقوا مع قيادات ميدانية بحراسة هذه المرافق ولكن كلها كانت وعود عرقوب”. ورأى إنه من اللاجدوى تشكيل مثل هذه الإدارة بما “أن مهمة الدعم السريع الأساسية هي التخريب والسلب والنهب وتشربد الآمنين!”.
في قراءته للوضع العام بولاية الجزيرة وموقف قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة في هذه الولاية، يرى المحلل السياسي محمد جميل أن “الحاجة إلى مزيد من إعلان قدرات ضبط الأمن وفرض النظام والقانون من طرف قوات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها وسط اتهامات واسعة تطالها وبين نفي شبهة إرادة الهيمنة والحكم تأتي تجربة الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة من طرف الدعم السريع لتضخ مزيداً من التأويلات حول نوايا تلك القوات”.
من جانبه أكد كبير أنه لا يعتقد أن الأمر سيرقى لدرجة الانقسام بين حكومتين تتنازعان السلطة مثلما حدث في دولة ليبيا، ويبرر لذلك بقوله: “باعتبار أن اسم المكون ومهامه تشيران إلى أنها إدارة مدنية مؤقتة لتلبية الاحتياجات الملحة، ولكن ليس هناك رغبة في تأسيس سلطة موازية لسلطة الأمر الواقع في بورتسودان”.
حاجة ملحة
ويرجع كبير إن إعلان ولاية الجزيرة قبل المناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع يعود إلى “أن الحاجة إلى الإدارة المدنية فيها ملحة، بخلاف الولايات التي ما يزال الجهاز الإداري فيها يعمل، وكذلك السوق والخدمات رغم شحها لكنها تعمل، حتى الإذاعة في بعض مناطق سيطرة الدعم السريع تعمل، ولذلك تأجل إعلان الإدارة الجديدة فيها وتعجل في الجزيرة”.
ويترك محمد جميل ملاحظة أخيرة في إفادته لـ«التغيير» بقوله: “بالرغم من أن الدعم السريع أنشأ إدارات مدنية في ولايات دارفور، إلا أن الحدث المصاحب لذلك في ولاية الجزيرة عكس ردود فعل وأصداء لا زالت تتفاعل في وسائط الاعلام بخلاف ما حدث في ولايات دارفور”!
رئيس الإدارة المدنية المشكلة بولاية الجزيرة من قبل الدعم السريع، صديق عثمان أحمد، صرح بأن قوات الدعم السريع لا علاقة لها بالإدارة المدنية التي انتخبت باستقلالية من المحليات، كما حمل الانتهاكات التي تشهدها قرى وأرياف ومدن الجزيرة لمن وصفهم بـ “متفلتون خرجوا من السجون”.
في ظل الحروب الدائرة في السودان منذ سنوات طويلة خضعت بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات المتنازعة مع المركز إلى سلطة إدارية منفصلة عن سلطة الحكومات المركزية، حدث ذلك في مناطق سيطرة الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان، وفي بعض المناطق التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور في إقليم دارفور.
وبغض النظر عن الطريقة التي تم به تكوين الإدارة المدنية التابعة للدعم السريع في ولاية الجزيرة، يبدو أن تداعيات هذه التكوين ستتسع بحجم مناطق سيطرة هذه القوات في غرب البلاد والعاصمة الخرطوم، الأمر الذي سيكون له رد فعل موازٍ داخل المعكسر الذي بدأ يتشكل في بورتسودان بتكوين حلف عسكري عريض يضم الجيش وبعض الحركات المسلحة الدارفورية والعديد من التشكليات العسكرية ذات الطابع الجهوي أو الأيدولوجي.
الفترة المقبلة حبلى بالمزيد من التطورات التي ستضع البلاد أمام سيناريوهات مخيفة وحميدة، وليدة أسئلة من شاكلة: هل ستعمم الدعم السريع التجربة على بقية المناطق الواقعة تحت سيطرتها؟ وهل ستتقسم البلاد فعليًا بين حكومتين واحدة تحت إمرة الجيش وأخرى بقيادة الدعم السريع؟
المصدر: صحيفة التغيير