الجيش السوداني يعزز تحالفاته مع جهات تستثمر في استمرار الصراع
وجد الجيش السوداني أجواء مناسبة لاستمرار المعارك مع قوات الدعم السريع، مع خفوت الضغوط الخارجية، واستثمار جهات داخلية في استمرار القتال.
ويبدو أن التفوق الذي حققه الجيش في أم درمان فتح شهيته للمزيد من التقدم، بما يمنحه قوة سياسية حال تم الدفع باتجاه الحلول التفاوضية، مستفيداً من حشد جديد لعناصر محسوبة على الحركة الإسلامية تريد مواصلة الصراع.
واستبدل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي مالك عقار خطابه الدبلوماسي بآخر تحدث فيه عن الحسم الميداني على الأرض، وأن الجيش قادر على إنهاء الحرب مع قوات الدعم السريع عسكريا، مقللا من إمكانية وقف النزاع سلميا.
وتكرر هذا الحديث على لسان عضو مجلس السيادة الفريق أول ياسر العطا، الذي قال إن الجيش سيواصل الحرب إلى حين تحقيق النصر، ولا تفاوض أو هدنة مع قوات الدعم السريع.
وتزامنت التصريحات مع تعمد الجيش استنفار حلفائه في الحرب، ووصلت قوات تابعة لحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم إلى ولاية الجزيرة، وبدأ حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ينخرط وقوات تابعة لحركته (جيش تحرير السودان) بشكل أكبر في الحرب بجوار الجيش والدفع بها نحو الخرطوم.
جاء ذلك في وقت تحدثت فيه تقارير سودانية عن تزايد أعداد العناصر المتطرفة التي تقاتل إلى جانب الجيش في جبهات مختلفة.
ويجد الجيش الطريق ممهداً نحو التمركز في الخرطوم التي فقد السيطرة عليها بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب، ويحاول توظيف تقدمه في أم درمان لإقناع شركائه في الحركات المسلحة وعناصر التنظيمات الإسلامية بوجود بوادر للنصر وسط توقعات أن يشهد السودان الأيام المقبلة تصعيداً على جبهات عديدة.
ويحقق استنفار الجيش عدة أهداف، أبرزها تعزيز تحالفاته مع المكونات العسكرية التي لها مصلحة في استمرار الحرب، وضمانا لتواجد في صدارة المشهد السياسي بعد وقف إطلاق النار.
وتسعى قيادة الجيش للوصول إلى توازن في القوى أمام قوات الدعم السريع التي استحوذت على مناطق كبيرة، والسير في المعارك والتفوق عسكريًا ثم سياسيًا والاستمرار في السلطة، وتقليص دور القوى المدنية إلى حين ترتيب مستقبل الحكم في البلاد.
وتشير دوائر قريبة من الجيش إلى أنه حسم أمره بالفعل بتوجيه الدفة نحو حشد قواته وحلفائه للحسم، وأن الزيارات الخارجية لقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مؤخراً شهدت تفاهمات لتضييق الخناق على الدعم السريع ومنع وصول الإمدادات إليها لتسهيل مهمة الجيش في تحقيق مكاسب تؤهله لفرض شروطه في أيّ مفاوضات.
وأكد رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني في السودان اللواء كمال إسماعيل أن الجيش فاته أن هذه النوعية من الحروب يصعب أن تُحسم عسكريًا، والخبرات السابقة للكثير من قيادات الجيش المتقاعدين تؤمن بأهمية الحل التفاوضي، وأن الحسم العسكري الكامل يحتاج إلى سنوات طويلة، وتجربة جنوب السودان دليل على ذلك.
وأوضح إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن الاستعانة بالحركات المسلحة تجر البلاد إلى الحرب الأهلية، وستجد قوات الدعم السريع مساندة من قبائل دارفور، ما يجعل هناك حاجة ليدرك الجيش بأنه حال توفرت المداخل المهمة للحل السياسي يجب أن يتجه نحوها وما يقوم به حاليا ضد رغبات الساعين لوقف القتال.
وشدد على أن المبادرات السياسية والضغوط الدولية “مازالت حاضرة هي وإرادة الشعب السوداني، لكنّ هناك إصرارا على التصعيد”.
وقال هناك جهة واحدة مستفيدة منها، وهي عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير، بينما تتضرر الدولة والمواطنون الذين يعانون أوضاعا قاسية من النزوح وينتظرون وقف القتال، ويجب أن يتجه تفكير الجيش نحو الحفاظ على الوطن.
وأعلن مني أركو مناوي، الأحد، التحرك إلى ولاية الخرطوم للمشاركة في القتال مع الجيش، قائلا “السودان يشهد أزمة كبيرة، والحركة انتظرت طويلاً لإيجاد حلول لها من دون جدوى، وبالتالي وجدنا أنه يجب أن نساهم في إعادة استقرار البلد”.
وذهب خبراء عسكريون إلى أن الاستعانة بالحركات المسلحة في معارك تجري في الخرطوم وولاية الجزيرة وسط السودان، أمر غير محسوب، لأن هذه القوات ليس لديها ظهير شعبي يدعم تواجدها في العاصمة وما حولها، وطالب أهالي الخرطوم بطردها سابقا عندما تمركزت في بعض مناطقها بعد التوقيع على اتفاق جوبا للسلام.
وأوضح رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز أن الجيش يسعى بكافة السبل لإصلاح موقفه الميداني وسط ضغوط متعددة للوصول إلى تسوية للصراع، وتضارب تصريحات قياداته يشي بأن الرؤية المستقبلية غائبة لديها، وثمة هدف واحد أمامه لإنقاذ صورته هو نجاحه في استعادة عدة مناطق.
وأكد أبوفواز في تصريح لـ”العرب” أن الجيش يخدع البسطاء بفكرة قدرته على الحسم العسكري، وهؤلاء لا يملكون معلومات لكيفية إدارة هذه الحروب.
ولفت إلى أن التصعيد العسكري للجيش بدأ بالفعل والأنباء تشير إلى وجود اشتباكات قوية في الخرطوم وشمال دارفور، مع استنفار في ولاية الجزيرة، ما يوحي بأن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على عمليات عسكرية واسعة غير معلوم كيف تنتهي ومن المنتصر فيها.
وكان من المفترض أن يشهد شهر رمضان وقفاً لإطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن مساعي تطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بذلك باءت بالفشل.
العرب
المصدر: صحيفة الراكوبة