جدل حول الحكم بإعدام متهم بالانتماء للدعم السريع
تقرير: سليمان سري
أثار قرار الحكم الصادر في حق المواطن إبراهيم عثمان أحمد يونس جدلًا واسعًا، باعتباره جاء مخالفًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان كونه يحرمه من حقه في الحياة، بينما رأى آخرون عدم تطابق الوقائع والبينات مع روح ونص المادة 51 من القانون الجنائي لسنة 1991.
قرار الحكم:
وأصدرت محكمة جنايات شرق القضارف المختصة بالنظر في قضايا انتهاكات قوات الدعم السريع ومؤيديهم ومعاونيهم يوم الأحد الماضي، الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت. وذلك تعزيرًا في مواجهة المتهم إبراهيم عثمان أحمد يونس.
وذلك لإدانته بموجب المادة (51) من القانون الجنائي لسنة 1991 والمتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة. كما أدانته المحكمة أيضًا بموجب المادة (65) من ذات القانون المتعلقة بمشاركته مع قوات الدعم السريع التي ترتكب جرائم داخل السودان بالسجن لمدة عشر سنوات.
وذكر الخبر الذي نشرته المنصة الرسمية لحكومة السودان أن المدان تم القبض عليه في الرابع عشر ديسمبر الماضي، بمركز جوازات القضارف بواسطة فريق من الاستخبارات العسكرية بالفرقة الثانية مشاة.
وبعد استجواب الاستخبارات وفحص الهاتف المحمول عُثِر فيه على صورة له وهو يرتدي “الكدمول” ويحمل بندقية، ووجد بالهاتف العديد من الصور والمراسلات مع العديد من النساء يؤكد لهن أنه “دعامى موجود في الجبل (جبل أولياء) منذ نوفمبر من العام الماضي وقد أقر بذلك أمام المحكمة”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحكمة تنظر في العديد من القضايا في هذا الشأن وأن أضابير النيابة والشرطة تعج بمئات البلاغات المتعلقة بمنسوبي الدعم السريع ومؤيديهم والمتعاونين معهم.
منظور حقوقي
غير أن المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، أمير سليمان يرى أنه من، منظور حقوقي، عمومًا، كل العالم
وتحديدًا العاملين في مجال حقوق الإنسان، يقفون ضد تطبيق عقوبة الإعدام، لإنها تنتهك الحق في الحياة حتى لو صدرت من محكمة أو من أي جهة. واستنادًا على ذلك يقول أمير لـ”راديو دبنقا” إنَّ الحكم الصادر في حق إبراهيم مخالفًا لأحكام قوانين حقوق الإنسان، وينتهك حقه في الحياة.
ويرى سليمان أنه بالتطبيق على حالة المحكوم أعلاه يجب ان نتساءل حول اشياء محددة قبل إطلاق الأحكام أو التحليلات. وطرح حزمة من الأسئلة، تتعلق بظروف الاعتقال قبل المحاكمة واحتمال تعرضه لتعذيب أو إغرائه للحصول على اعتراف، بعد الإحالة للمحاكمة وما إذا كانت المحكمة قد وضحت للمتهم خطورة الجرائم موضوع الاتهام، ثم تابع بقوله، أيضًا إن كانت قد سمحت للمتهم بالحصول على تمثيل قانوني أعنى محامى.
ثم تسائل أمير سليمان، أيضًا، عن المحكمة نفسها، إن كانت محايدة أو مستقلة في استصدار قرار عقوبة الإعدام في مواجهة المحكوم، خصوصًا وان المحاكم في ظروف الحرب وحالة طوارئ تطبق إجراءات استثنائية عادة تخالف المحاكم الاجراءات العادية، لكنها يجب الا تنتهك، قوانيين حقوق الانسان مثال لذلك الحق في الحياة وحرمة التعذيب والحق في المحاكمة العادلة.
المحامي والمدافع عن قضايا حقوق الإنسان أمير سليمان ـ المصدرـ خاص راديو دبنقا
استئناف القرار
وفيما يتعلق بالاستئناف يشير المدافع الحقوقي إلى أنه من المفترض أن تخطر المحكمة، المحكوم أنه من حقه استئناف قرارها لدى لجهات الاستئناف الأخرى، وأن تكون غير خاضعة لتأثير الحرب وخطاب الحرب السائد الآن في كل السودان.
ويعتقد أمير سليمان لـ”راديو دبنقا” أن المحكوم تمت محاكمته كمواطن مدني، من وجهة نظره، ودلل على ذلك بأنه لو كان عسكريًا أو قبض عليه في أثناء عملية عسكرية، كان سيخضع للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة، التي حفظت للأسير حقوقه.
وخلص المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أمير سليمان إلى أن المحكوم من وقائع البلاغ ليس أسير حرب ولم يتم أسره باعتباره جندي في قوات الدعم السريع، ويقول هنا تتحدث الحيثيات بأنه منسوب أو داعم لهم ويقدم لهم المساعدة بالمعلومات وغيره، وحديثه كما يقول، من منطلق حقوقي وكإجراء قانوني بحت وليس من منطلق أنه منتمٍ للدعم السريع أم لا.
أسرة المحكوم:
عبد الرحمن عثمان أحمد يونس شقيق المحكوم، إبراهيم يقول في اتصال هاتفي مع “رديو دبنقا”: إن شقيقه تم توقيفه في إدارة جوازات القضارف، حيث كان يريد استخراج جوازات لأسرته التي نزحت إلى القضارف في محاولة للبحث عن طريق لخروج آمن من ويلات الحرب في السودان، والسفر إلى المجهول…!! لأنهم لم يحددوا وجهة معينة تسافر فيها الأسرة، على حد تعبيره.
ويقول عبد الرحمن أنهم أخروا جوازين لطفليه واتصلوا به فيما بعد للحضور لاستلام الجوازين، واتضح انه تم استدراجه من قبل الاستخبارات العسكرية، توقيفه وبالبحث عن هاتفه وجدوا صورا له يرتدي فيها “الكدمول” ويحمل السلاح.
ولم ينف عبد الرحمن وجود تلك الصور لكنها التقطت في العام 2017 وفي تلس بولاية جنوب دارفور، أما التسجيلات الصوتية فأعتبرها تلفيقات من الاتهام.
ويؤكد أنهم كأسرة مع تطبيق القانون وضد تسيس العدالة وتمنى أن لا يحاكم الإنسان على أساس انتمائه القبلي والعرقي وعبر عن أسفه لما وصلت إليه البلاد، وذكر أنهم سيستأنفون القرار ويستمرون في إجراءات التقاضي.
وأشار إلى أنهم لم يخطروا والدته لظروفها الصحية حتى اليوم بقرار الحكم حفاظاً على صحتها لكن أخبروها بأنه مازال قيد الاحتجاز، ولم يصدر بشأنه أي قرار لحين النظر في إجراءات الاستئناف وإصدار حكم ببراءته.
تظلم:
وكان قد نشر إبراهيم تعميم تظلم فيه من الحكم الصادر في حق شقيقه حيث يقول: “نحيطكم علمًا بأن شقيقي إبراهيم عثمان المحتجز، لدي نيابة القضارف لمدة ثلاثة أشهر بحجة وجود صور في هاتفه بها كدمول تم توجيه اتهام له بالانتماء إلي الدعم السريع وصدر بحقه الحكم بالإعدام والسجن 10سنوات، حيث استندت المحكمة علي صورة يرتدي فيها الكدمول ويحمل السلاح، علمًا بأن الصورة تعود لعام 2017 في جنوب دارفور (تُلس) وجميعنا نقر بها لطبيعة الأمر لدي جميع بوادي دارفور، نشهد الله بأنه برئ تمامًا من جميع التهم التي نُسبت إليه”
رؤية قانونية:
أما المحامي نصر الدين يوسف، الذي ينشط في واحدة من منظمات المجتمع المدني باسم لجنة الدعم القانوني “حقوقية”، فقد انحصرت وجهة نظره في الجانب القانوني من خلال الحيثيات المتوفرة، يشير في حديثه لـ”راديو دبنقا” إلى إنَّ هنالك أسس معلومة معروفة ومفاهيم قانونية راسخة بموجبها يتم إجراءات المحاكمة، لابد أن تتم الادانة في أي جريمة وفق مستوى الإثبات في القضايا الجنائية فوق مرحلة الشك المعقول. بمعنى يجب أن تتم الإدانة بمستوى بينات بحيث يفوق أي شك و أي شك يفسر للمتهم.
ويرى أنه لا توجد جريمة أو عقوبة إلا بنص مكتوب والنص يكون سابق لارتكاب الجريمة بحيث أنه لا يطبق بأثر رجعي، لو كان الفعل مباحا قبل النص القانوني اللاحق لتجريمه، الوقائع السابقة للتجريم لا تدخل في سياق الإدانة أو التجريم.
ويقول يوسف بالنظر للمادة 51 من القانون الجنائي لسنة 1991 هي جريمة إثارة الحرب ضد الدولة، من خلال نص المادة يتضح ان عناصرها عن جمع الأفراد وتدريبهم، جمع السلاح او العتاد، الشروع في جمع الأفراد او العتاد، التحريض علي ما سلف، تأييد ما سلف بأى وجه.
ويضيف أن العنصر الثاني يتعلق بالعمل في الخدمة العسكرية أو المدنية لدولة في حالة حرب ضد السودان. أما العنصر الثالث فيتعلق بتجميع الجنود وتجهيزهم في السودان دون اذن لغزو دولة جنبية، ويرى أنه حال توفر اي عنصر من العناصر سالفة الذكر يشكل اساسًا للإدانة.
عناصر الجريمة:
ويقول المحامي نصر الدين يوسف لـ”راديو دبنقا” إنَّ الإدانة تحت المادة 51 من القانون الجنائي تتطلب توافر القصد الجنائي والمقصود منه العلم بجانب كل اركان الجريمة الأخرى هذا بخلاف المسؤولية العامة التي لا يشترط فيها المشرع قصدا جنائيا محددا للإدانة. الجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام فإن المحاكم وفق السوابق القضائية المتواترة والممارسة تسير في إجراءات سماع دفاع المتهم حتى إذا اعترف المتهم بالجريمة أو اقر بانه مذنب لتوفير كل فرص الدفاع للمتهم.
ويعتقد أن كل هذا مرده إلى تقديرات المشرع، فالجرائم التي تكون عقوبتها كبيرة يجب أن تتم فيها الإدانة بشكل مقنع ويقيني، ودون أي شك معقول ويشدد بقوله واجب المحاكم أن تفسر أي شك معقول لصالح المتهم وليس للاتهام.
إدانة بأثر رجعي:
ويؤكد المحامي نصر الدين يوسف في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن المادة 51 فيها عناصر متعددة، يثبت توفر أي جزء منها الجريمة، طالما وضعها المشرع وضعها بتلك الصورة، لكن عناصر المادة 51 تتكلم إثارة الحرب ضد الدولة يعني تجميع أفراد وتدريبهم أو جمع السلاح والعتاد أو حتى الشروع في ذلك. ويصبح مجرد الشروع جريمة في بعض الأحيان دون الدخول في الركن المعنوي وبدء التنفيذ الفعلي، لأن المحاولة أو الشروع يبدأ تجريمه دائمًا حال بدأ الجاني فعليًا في القيام بالوقائع المتعلقة بالركن المادي في تنفيذ العملية.
حسب نص المادة 51 المشرع جرم من الشروع في الجريمة والتحريض عليه أيضًا بأي شكل من الأشكال أو تأييده بأي وجه من الوجوه، وهذا موضوع واسع يحتاج لتفسير.
أما العنصر الثاني فيجرم عمل المتهم في الخدمة العسكرية أو المدنية لدولة أخرى في حالة حرب ضد السودان حرب لكن هذا العنصر لا ينطبق على الوقائع المتعلقة بالمحكوم ابراهيم.
الشق الآخر أن يقوم المتهم داخل السودان، دون اذن من الدولة، بجمع الجند وتجهيزهم لغزو دولة أجنبية أو يقوم بعمل عدائي ضد دولة أجنبية يكون من شأنه ان يعرض البلاد لخطر الحرب، وكذلك تخريب، أو إتلاف أو تعطيل أي أسلحة أو مؤن أو مهمات أو سفن تخص الدولة وهذه العناصر غير متوفرة في القضية ولا تنطبق على المحكوم.
يخلص نصر الدين يوسف المحامي وعضو لجنة الدعم القانوني، من خلال واطلاعه على حديث شقيق المحكوم بأنه لديه صور وهو يرتدي زي الدعم السريع والكدمول في العام 2017، وبالتالي، لا توجد إدانة بأثر رجعي وافترض أن ذلك قيل أمام المحكمة لأن ارتداء زي قوات الدعم السريع لم تكن جريمة 2017 لأنها كانت جزءاً من المؤسسة العسكرية وفقًا لقانونها، واعتقد هذا ليس سببًا للإدانة إذا كان قد طرح كان البينة الوحيدة.
منبر دارفور للعدالة:
من جهته أدان منبر دارفور للعدالة محاكمة المواطن إبراهيم عثمان والذي تم احتجازه بنيابة القضارف لمدة ثلاثة أشهر والذي صدر بحقه حكما بالإعدام، كما جاء في حيثيات الحكم. واعتبر المنبر أن قرار الحكم مجافي للقانون في جميع درجات التقاضي وتوجيه التهمة وخرق لنصوص القانون الجنائي السوداني.
وبناءً على ما سبق اعتبر المنبر الحقوقي في بيان منشور على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي اطلع عليه “راديو دبنقا”، إنَّ صدور الحكم بهذه الكيفية يؤكد سعي من وصفها بحكومة الأمر الواقع ببورتسودان، ومحاولاتها المستمرة لضرب المكونات الاجتماعية والفرز المتعمد على أساس اللون والجهة والإثنية والثقافة والنوع مما يهدد وحدة السودان.
وناشد منبر دارفور للعدالة، المنظمات الحقوقية، الوطنية والمجتمع الدولي للقيام بواجباتهم تجاه حماية المدنيين في السودان والضغط لإطلاق سراح جميع المحتجزين الأبرياء لدي السلطات على أساس الانتماء الجهوي والإثني والعنصري.
دبنقا
المصدر: صحيفة الراكوبة