هضاليم النساء في زمن الحرب السودانية , اخبار السودان
خالد فضل
قلت لبعض قريباتي في القرية على سبيل المزاح , و كان ذالك في 8 مارس اليوم العالمي للمرأة ( صباح الوردة ) , كن يحملن جرادل , طرقن عليها بحنو كأنهن يهدهدن أطفالهن : أيوا يا استاذ , طالعين بدري نحجز الدور في حنفية الماء في منزل الجيران , الموية عند ناس فلانة “بتسرسر”! ابتسمت في وجوههن بمرارة فاقعة , و أردفت معلقاً 🙁 يا نسوان يا نسوان يا سجم , صباح الوردة المنفتحة الندبانة الزاهية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ) ضحكن من عدم إلتقاطهن التورية , بل في الواقع لم يتذكرن أساساً أن اليوم يصادف هذه الذكرى التي يقف فيها العالم او يفترض أن يقف اجلالاً و احتراماً و تقديراً لهذا الكائن الإنساني الرقيق و الرفيع شأناً .
القرويات في ريف الجزيره يواجهن في هذا العام لأول مره في حياتهن ظروف الحرب العبثية من طرفي المكون العسكري السوداني و المليشيات المخالفة معهما , نعم الحرب المباشرة بما تشمل عليه من مآسي يومية , القتل , النهب , السلب , الترويع , الرعب والخوف و الهلع حتى أن احدى الطفلات أصابتها حالة نفسية جعلتها تتشبث بكتف ابيها لا تغادره أبداً , و تبكي بهستريا عندما تشاهد رجلاً يعتمر عمامه او طاقية !! إنها طفلة حُرمت من الذهاب للروضة ولم تسلم من الرعب المصاحب لدخول العسكر الى القرية و مقدمهم زفات الرصاص , و التهديد , و اثارة الهلع .
النساء في الجزيرة , ريفيات بريئات حد السذاجة , تنطلي عليهن أحاديث السلفين وما يشيعونه من غطاء كثيف في فضاء العقل و التفكير , وما يسدلونه من حجاب معتم على الوعي , وتصبح المرأة من أسهل فرائسهم بحكم الواقع الإجتماعي المهم ضد حقوق المرأة , كإنسان , و حقوقها فقط في النطاق الذي يجعلها أحد الأدوات الخاصة لإستعمال الرجال .
و يتراجع قيم الديموغراطية و وأد فترة الإنتقال المدني الديموغراطي بالإنقلاب 25 أكتوبر 2021م , و اهالة أكوام التراب على قبرها بإندلاع حرب 15 أبريل 2023م تكون أوضاع المرأة السودانية قد تقهقرت إلى الوراء بمراحل , و بتوسيع نطاق الحرب و دخولها إلى العاصمة و أواسط البلاد تصبح حالة البلد كلها تقريباً على درجة واحدة من سوء الحال و تمدد الكوارث و المآسي .
بالعودة إلى حكاية ( الوردة ) اياها , اصبحت الخدمات الأساسية تكاد تكون منعدمة , و على رأسها ( المياه ) المرتبطة في فهم معظم مناطق الجزيرة بالكهرباء , صار الحصول على جركانة ماء صالح للشرب في معظم القرى أمراً عسيراً تهفى له النساء و الاطفال من الفجر و إلى غروب الشمس , هذا في القرى التي تحظى بطاقة شمسية للآبار , لقد لفحت أشعة الشمس اوجه النساء و الأطفال بصورة قاتمه , و مع اغلاق المدارس و الجامعات صار الأطفال و الشباب في وضع صعب و هم يتعاركون و يتعافرون و يعملون في بعض الأعمال الشاقة لتوفير مبلغ زهير لا يفي على كل حال بمطلوبات أقل الأسر انفاقاً , و بالطبع تتولى النساء مسؤولية التدبير اليومي لقوت لا يسد الرمق على كل حال .
إن الحالة المزرية التي يعيش في كنفها إنسان السودان في كل مناطق الحرب , و يخاطبه معاناة النساء و الأطفال مما يدعو اصحاب الضمائر اليقظة في كل انحاء العالم للضغط و استخدام كافة الأساليب لإرغام طرفي الصراع على وقف هذا العبث و التهور و بتوسيع نطاق الحرب لتعطى أغلبية ولايات السودان , يصبح السودان وفق اي تصنيف من أكثر البلدان انعداماً للأمن , و في حالة تستوجب من مجلس الأمن الدولي بصورة خاصة التنبؤ العميق في مآلات هذا الوضع , إذ أن حوالي نصف سكان السودان باتو الأن في عداد النازحين و اللاجئين , هذا مع استمرار عمليات القتل و الإعاقة و حرمان الأغلبية من وصول المساعدات الإنسانية التي تخفف من وطأة الأوضاع , و مع انعدام فرص العمل , وحرمان الموظفين من الرواتب لمدة عام تقريباً , و تعثر خدمات الإتصالات في المناطق التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع , تزداد الأوضاع سوءاً على سوء .
إن اليوم العالمي للمرأة يمر على نساء العالم و رصيفات لهن في السودان يواجهن عين الكارثة و يقفن وحيدات صامدات في وجه الريح العاتية , فهل من نصير ؟! مع التحايا الخاصة لشريكتي اللاجئة و ابنتي وهن بعيدات عني , على أمل جمع الشمل ولا للحرب نعم للسلام .
المصدر: صحيفة التغيير