“أريد النزول من الطائرة”.. بوينغ في “ورطة كبيرة”
كان إد بيرسون مسافرا من سياتل إلى نيوجيرسي في عام 2023، عندما انتهى به الأمر على متن طائرة لم يرغب في السفر عليها أبدا، وهو ما دفعه إلى طلب النزول قائلا لمضيفي الطائرة: “لا أستطيع الخوض في التفاصيل الآن عن السبب، لكنني لم أكن أخطط للسفر بالطائرة ماكس، وأريد النزول من الطائرة”.
وفي وقت لاحق من اليوم، وصل بيرسون إلى نيوجيرسي، بعد أن أعاد موظفو مطار ألاسكا حجزه على طائرة مختلفة، حسب شبكة “سي إن إن” الأميركية، والتي نقلت عنه قوله إن قضاء يوم كامل في المطار كان يستحق العناء لتجنب السفر على متن طائرة ماكس.
ولم يكن بيرسون مسافرا عاديا على متن هذه الرحلة، بل هو شخص لديه الخبرة الكافية بما يتعلق بسلامة الطيران، حيث يتمتع بمنظور فريد ومباشر للطائرة التي صنعتها شركة بوينغ، نظرا إلى أنه يشغل الآن منصب المدير التنفيذي لمؤسسة مجموعة مراقبة الطيران المتخصصة في سلامة الطيران.
كما أنه شغل سابقا منصب ضابط قائد سرب من بين أدوار قيادية أخرى خلال 30 عاما من حياته المهنية في البحرية، ثم 10 سنوات موظفا في بوينغ، بما في ذلك 3 سنوات كمدير أول في دعم الإنتاج في مصنع رينتون الذي يعمل على مشروع طائرات 737 ماكس قبل إطلاقها رسميا.
وبيرسون واحدا من مسافرين عدة لا يريدون ركوب الطائرة التي كانت في قلب حادثتي تحطم مميتتين خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى حادثة وقع 5 يناير الماضي حينما انفجر جزء من جسم طائرة تابعة لشركة ألاسكا الجوية في الجو.
المزيد من الحوادث
وتعرض الطراز السابق من بوينغ، ماكس 8، لحادثين مميتين في عامي 2018 و2019 أسفرا عن مقتل ما مجموعه 346 شخصا، حيث أرجعت التحقيقات الحوادث إلى خلل في نظام “MCAS”، وهو نظام آلي في الطائرة ماكس مصمم لتحقيق الاستقرار في درجة ميل الطائرة، وتجاوز تحكم الطيار يدويا في بعض الظروف.
وأظهرت تقارير منذ يناير الماضي أن العديد من البراغي السائبة والثقوب الخاطئة كانت وراء الحادث الذي وقع قبل عدة أسابيع، وهو ما دفع إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) بإيقاف مؤقت لنحو 171 طائرة من طراز ماكس 9.
وأعقب ذلك جلسات استماع في الكونغرس، وتأخير الإنتاج والتسليم، وتحقيقات فيدرالية متعددة، بما في ذلك تحقيق جنائي. كما فقد سهم بوينغ ربع قيمته هذا العام، مما أدى إلى خسارة أكثر من 40 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.
وبعد أسابيع من حادثة ألاسكا، قال ديفيد كالهون، الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، للمستثمرين: “سوف نتعاون بشكل كامل وشفاف مع إدارة الطيران الفيدرالية. وهذا التدقيق المتزايد، سواء أتى منا أو من جهة تنظيمية أو من أطراف ثالثة، سيجعلنا أفضل.”
وأضاف كالهون: “لقد تسببنا في المشكلة، ونحن نتفهم ذلك. ومهما كانت الاستنتاجات التي يتم التوصل إليها، فإن بوينغ مسؤولة عما حدث”.
تدقيق أميركي يكشف عشرات المشكلات في إنتاج بوينغ 737 ماكس
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تدقيقا لإدارة الطيران الاتحادية الأميركية في عملية إنتاج الطائرات بوينغ 737 ماكس أظهر إخفاقا في 33 من أصل 89 اختبارا.
لكن الأخبار السيئة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أفاد طيارون على متن طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز 737 ماكس في فبراير الماضي أن أجهزة التحكم في الرحلة تعطلت أثناء هبوط الطائرة في نيوارك.
وفي الشهر ذاته، قامت بوينغ بإقالة رئيس برنامج ماكس من منصبه وأجرت تعديلا آخرا على مناصب إدارية عليا، حيث أتت هذه الخطوة في الوقت الذي قال فيه النقاد مرارا وتكرارا إن “الشركة المصنعة للطائرات تعطي الأولوية للأرباح على السلامة”، حسب “سي إن إن”.
وقبل أكثر من أسبوعين، منحت إدارة الطيران الفيدرالية شركة بوينغ 90 يوما للتوصل إلى خطة لمعالجة مشكلات الجودة والسلامة.
رغم ذلك تقول بوينغ لشبكة “سي إن إن”: “كل يوم، تقوم أكثر من 80 شركة طيران بتشغيل حوالي 5000 رحلة جوية مع الأسطول العالمي المكون من 1300 طائرة من طراز 737 ماكس، وتحمل 700 ألف مسافر إلى وجهاتهم بأمان. وتتجاوز موثوقية عائلة طائرات 737 ماكس 99%، وهي متوافقة مع نماذج الطائرات التجارية الأخرى”.
ثاني أسوأ أداء في 2024
واستمرت البداية غير الجيدة لعام 2024 بالنسبة لشركة بوينغ في مارس الجاري، حينما تعرضت الطائرة بوينغ 787 دريملاينر، المتجهة من أستراليا إلى تشيلي عبر نيوزيلندا، إلى مطب هوائي بسبب “حادث فني”، وفق إعلان الشركة المشغلة لها، مما تسبب في نقل 12 راكبا إلى المستشفى، وفق خدمات الطوارئ وشركة الطيران “لاتام”.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، قالت شركة لاتام ومقرها تشيلي إن طائرة 787 دريملاينر بوينغ تعرضت إلى “حدث فني أثناء الرحلة تسبب في حركة قوية”، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.
ونقلت الصحيفة عن مسافر كان يستقل الطائرة حينما وقع الحادث يدعى جوكات، وهو كندي يبلغ من العمر 61 عاماً، قوله إنه بعد الحادث، جاء أحد الطيارين إلى المقصورة وقال إن “لوحة العدادات الخاصة به تحولت إلى اللون الأسود لمدة ثانية أو ثانيتين، قبل أن تضيء مرة أخرى. ولم يكن هناك شيء يمكنني القيام به”.
وقالت بوينغ إنها تعمل على جمع المزيد من المعلومات عن الحادث.
فيما قال بعض الخبراء لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن تحول الأجهزة إلى اللون الأسود ووصف شركة الطيران ذلك بأنه حدث فني يشير إلى أن الاضطرابات الجوية قد لا تكون العامل الرئيسي الذي أدى إلى الحادث المفاجئ.
وقبل أسبوعين، أبلغت إدارة الطيران الفيدرالية عن مشكلات تتعلق بمكافحة الجليد في طرازي 737 ماكس و787 دريملاينر، والتي يمكن أن تتسبب في فقدان المحركات للدفع. وسمحت إدارة الطيران الفيدرالية للطائرات بمواصلة الطيران. وقالت بوينغ وقتها إن المشكلة لا تشكل خطرا مباشرا على السلامة.
ونقلت “سي إن إن” عن إدارة الطيران الفيدرالية قولها إن مشاكل السلامة والجودة التي تواجهها بوينغ تمتد إلى ما هو أبعد من عدم قدرتها على إنتاج الأعمال الإدارية.
“هبوط مفاجئ” وركاب “إلى الأعلى”.. لحظات رعب على متن طائرة بوينغ
وصف أحد ركاب الطائرة التي تعرضت لخلل فني أثناء تحليقها من أستراليا إلى نيوزيلندا، الاثنين، حالة الرعب التي عاشها الركاب، وقال إن قائد الطائرة قال لهم إنه فقط السيطرة عليها لفترة وجيزة
ويوم الاثنين، قال مدير إدارة الطيران الفيدرالية مايك ويتاكر إن الهيئة التنظيمية وجدت مشكلات تتعلق بالجوانب “المهمة حقا” في خط التصنيع والتجميع الخاص بشركة بوينغ.
وأضاف ويتاكر في مؤتمر صحفي: “لم تكن الأمور مجرد مسائل تتعلق بالأعمال الورقية. في بعض الأحيان، يكون الأمر هو الترتيب الذي يتم به إنجاز العمل. وفي بعض الأحيان يكون الأمر يتعلق بإدارة الأدوات”.
وقالت بوينغ إنها تعمل على حل العديد من المشكلات التي حددها ويتاكر. بينما أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية تعليمات إلى صانع الطائرات بتقديم خطة لإصلاح مشكلات الإنتاج بحلول أواخر مايو المقبل.
وأوضحت بوينغ: “استنادًا إلى تدقيق إدارة الطيران الفيدرالية وتخفيضات الجودة لدينا وتقرير لجنة الخبراء الأخير، فإننا نواصل تنفيذ تغييرات فورية وتطوير خطة عمل شاملة لتعزيز السلامة والجودة وبناء ثقة عملائنا وركابهم”، مشيرة إلى أنها “تركز بشكل مباشر على اتخاذ إجراءات مهمة ومثبتة بشفافية في كل منعطف”.
وانخفض سهم بوينغ بنسبة 3% يوم الاثنين بسبب الأخبار المتعلقة برحلة لاتام المرعبة، ووصل التراجع خلال الثلاثاء بنسبة 4.5% أخرى، ليسجل ثاني أسوأ أداء في مؤشر” S&P 500″، بعد سهم تيسلا.
وحسب شبكة “سي إن إن”، فإن البداية الفظيعة لشركة بوينغ حتى عام 2024 ترتبط بما هو أكبر من سعر سهمها، إذ دخلت الشركة العام بسمعة سيئة بالفعل، وأصبحت استعادة ثقة شركات الطيران والمنظمين والركاب أكثر صعوبة مع كل حادث جديد.
المصدر: صحيفة الراكوبة