هل من أفق أبعد؟!. السودانية , اخبار السودان
هل من أفق أبعد؟!.
خالد فضل
حتى الآن تبدو سيناريوهات حرب السودان تدور حول موقفين، أحدهما موقف الجيش الذي يحدد أجندته جماعة المؤتمر الوطني المحظور، وموقف الدعم السريع الذي يبدو في خطابه السياسي أقرب لروح التغيير ومطلوبات الثورة، فيما المفارقة تكمن في أن خطاب الدعم السريع تقابله أفعال مغايرة تماماً، مما يخلق الشكوك الموضوعية حول صدق ذلك الخطاب الدعائي فيما مواقف الجيش تكشف يوماً إثر آخر عن مدى سيادة عقلية وممارسة جماعة إسلاميي المؤتمر الوطني على قراراته، وهنا يصح الرأي السائد من أن هذه الحرب هي في الأساس حرب ضد المواطن السوداني، أحدهما بأجندة مكشوفة تتمثل في عودة جماعة المؤتمر الوطني للسلطة والحكم، والطرف الآخر تحت ستارة “دعم التغيير”.
إن حالة انسداد الآفاق بعد مرور عام على اشتعال الحرب تبدو أكثر وضوحاً، فجميع المبادرات والجهود والمحاولات التي بذلت على مدار العام من أطراف كثيرة في الداخل والخارج من أجل التوصل أوّلاً لاتفاق على وقف إطلاق النار، كل تلك الجهود ذهبت هدراً، إذ لم يتحقق أي اختراق وكثرة المبادرات والمنابر تدل على الفشل أكثر مما تدل على الرغبة في تحقيق السلام..
وللسودانيين تجربة طويلة على مدى حكم الإسلاميين لمدة ثلاثين سنة، حيث صار هنالك ما يشبه المزاد الإقليمي والدولي للمبادرات حول الحرب في السودان، وكان الإسلاميون يتبضعون في تلك المزادات مثلما يحدث الآن من جانب قيادة الجيش تحديداً، إذ نشهد التملص من أي مبادرة جادة وحاسمة تسمى الأشياء بأسمائها، فمنذ الأيام الأولى اقترحت دول الإيقاد بدعم من الاتحاد الأفريقي وقفاً لإطلاق النار، يدعمه فصلٌ تام بين القوات في العاصمة الخرطوم، تم اتهام الإيقاد الوسيّط على رؤوس الأشهاد بواسطة نائب البرهان، مالك عقار، ومساعده ياسر العطا، وكان منبر جدة الذي لم يلتزم به الطرفان، وكانت محاولات لقاء جيبوتي، ومنبر دول الجوار، وطفق البرهان ينشد الحل لدى عبد المجيد تبون في الجزائر، وربما طلب وساطة طهران.
إن الأمر يتطلب الوضوح الشديد والصراحة، فما يطلبه الجيش هو تنفيذ أجندة الإسلاميين، بوأد الثورة والعودة إلى نظام عمر البشير المباد، وهو أمر لا يروق لملايين السودانيين، ممن ثاروا ضد حكم الإسلاميين، أما ما يدعيه حميدتي من ولائه لأجندة التغيير، وركونه للحكم المدني، فهو أمر مشكوك فيه تماماً، فالتغيير الديمقراطي، وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، لم يكن في يوم من الأيام، ضمن أهداف أو أدبيات أو ممارسات قوات الدعم السريع، والتاريخ القريب والممارسات الراهنة تنفى ما يزعمون.
هل من الممكن تحقيق أي من الهدفين المتناقضين بنتيجة الحرب؟ هنا تبدو المفارقة كذلك، فالحرب إما انتهت بانتصار طرف على الآخر في الميدان العسكري فقط، أو انتهت فيما يعرف بتوازن الضعف كما تنبأ من قبل الأستاذ الحاج وراق، وبالتالي ركونهما معاً لتسوية لا تمنحهما ما يريدان، ولكنها لا تسلبهما من كل شئ، ولعل النظر إلى دوافع ومكونات الطرفين، ترجح هذا الخيار، دون سواه، فالإسلاميون ومع تمدد الحرب وطول أمدها، يثبتون وجودهم أكثر وأكثر عبر السيطرة على الولايات التي ما يزال يحتفظ بها الجيش، وهي ولايات شرق وشمال السودان، بصورة أساسية، وبحكم خبرتهم الطويلة في الحكم فإنهم يتمكنون من تسخير كل مقومات السلطة لمصلحتهم، كما يستغلون أدوات الدعاية، مثل منابر المساجد للترويج لما يريدون، يسندهم واقع اجتماعي وقبلي لا تختفي فيه ملامح العداء للمكونات الغالبة في قوات الدعم السريع، إن الإسلاميين في هذا الطور يكتفون بالجزء، ونجد تطبيق ذلك في تجربة قطاع غزة مثلاً.
أما الدعم السريع، فإنه مواجه بأسئلة ومسؤوليات وممارسات ضد حقوق الإنسان في مناطق واسعة من البلاد، خاصة في دارفور، إضافة إلى العدائيات السافرة ضد المواطنين في الخرطوم، والجزيرة تحديداً، وهذه الممارسات تُضعف من حظوظه في القبول الشعبي في الوسط على الأقل ولدى مجموعات واسعة في دارفور، وكردفان، كما أن مقولات دعم الديمقراطية وغيرها، لم تعد ذات جدوى في ظل حرب يعيش تفاصيلها غالبية السودانيين.
إذاً، لابد من النظر إلى أفق أبعد مما هو مطروح الآن، مع التأكيد على عنصر مهم وحاسم، وهو إمكانية الضغط الهائل على الطرفين لقبول منطقة واقعية، ومقبولة، لدى أغلبية السودانيين المتضررين مباشرة من الحرب، مع الأخذ في الاعتبار مطامع ومصالح الأطراف المتعاركة… تُرى هل تتوفر مثل هذه الآلية الضاغطة الآن، أم أنها لا توجد وبالتالى ستذهب كل الجهود هباءاً منثوراً، وتزداد الأوضاع تدهوراً وتعقيداً؟!. هذا هو الأفق الأصلح في تقديري لوقف هذه المأساة الملهاة قبل أن “يصبح الصبح” فلا سودان، ولا سودانيين على أرضهم!.
أوقفوا الحرب يا دعاتها الآن.
المصدر: صحيفة التغيير