اخبار المغرب

تبون يزور باريس .. مناورة سياسية جزائرية أم استمرار للتوازنات الفرنسية؟

بعد تأجيلها لمرات عديدة إثر المد والجزر السياسيين اللذين تعرفهما العلاقات الجزائرية الفرنسية، يبدو أن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس باتت وشيكة؛ فقد تلقى تبون، الثلاثاء، مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطرقا خلالها إلى آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، كما اتفقا على تحديد موعد زيارة رئيس قصر المرادية إلى فرنسا ما بين نهاية شتنبر وبداية أكتوبر المقبلين، حسب ما أفاد به بيان للرئاسة الجزائرية.

ويطرح سياق وتوقيت الإعلان عن الموعد الجديد لهذه الزيارة مجموعة من التساؤلات حول مدى علاقته بالتقارب المغربي الفرنسي وعودة الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس بعد أشهر طويلة من الجمود؛ فيما يرى متتبعون أن الجزائر تحاول بمثل هذه المناورات كبح تطور الموقف الفرنسي حول قضية الصحراء بما يتماشى مع الطرح المغربي، معتبرين أن القيادة الفرنسية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتوضيح مواقفها بشكل لا لبس فيه وبعيدا عن حساباتها وطبيعة التوازنات التي تريد تحقيقها في المنطقة المغاربية.

تشويش  وموقف

قال عمر لمرابط، محلل سياسي نائب عمدة سابق بفرنسا، إن “سياق الإعلان عن توقيت زيارة الرئيس الجزائري المرتقبة إلى فرنسا يندرج في إطار المحاولات الجزائرية لكبح أي تقارب فرنسي مغربي والتشويش على العلاقات بين الرباط وباريس، خاصة في ظل الرسائل السياسية التي تلقتها المملكة المغربية بخصوص ملف الصحراء إثر الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب”.

وأضاف لمرابط، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مناورة سياسية جزائرية”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “الجزائر تريد من فرنسا أن تعتذر عن ماضيها الاستعماري وأن تصطف إلى جانب طرحها في ما يتعلق بملف النزاع حول الصحراء المغربية وأن لا تخطو أية خطوة من شأنها قلب التوازنات السياسية المرتبطة بهذا الملف على غرار خطوات كل من واشنطن ومدريد وبرلين”.

ولفت المحلل السياسي ذاته إلى أن “الرئيس الفرنسي ما زال متشبثا بنهج التوازن في علاقات بلاده مع كل من الجزائر والمغرب؛ غير أن هذا الأخير وضع شروطه وحدد طبيعة المفاتيح التي تقود إلى الشراكة معه، وبالتالي فإن ماكرون عليه أن يعلم جيدا أن أية علاقات جيدة مع الجزائر لن تكون إلا على حساب المملكة المغربية”، معتبرا أن “الرئيس الفرنسي مهووس بتحسين العلاقات مع الجزائر ويريد أن يسجل اسمه في التاريخ كونه الرئيس الذي استطاع طي صفحة الخلافات العميقة بين البلدين؛ لكن هذا بطبيعة الحال سيكون له مقابل في الجزائر، ولا يمكن أن يكون بشكل مجاني”.

وخلص المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “الرئيس الفرنسي في الأخير هو يخدم مصالح بلاده التي يوجد جزء منها في الجزائر والجزء الآخر في المغرب، وبالتالي فهو يعمل في الوقت الحالي على التوفيق ما بين هذه المصالح؛ إلا أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة، إذ إن الرباط أوضحت مواقفها بشكل علني وصريح وما على فرنسا إلا أن تختار”.

عطب إقليمي

البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “زيارة الرئيس الجزائري إلى باريس هي حملة انتخابية رئاسية سابقة لأوانها، حيث سيسعى النظام الجزائر إلى تحويل الزيارة لانتصار إقليمي لمواقف الجزائر العدائية في المنطقة”، موضحا في الوقت ذاته أن “مصالح فرنسا والجزائر تلتقي في نقاط محددة عنوانها تراجع إقليمي فرنسي في إفريقيا وفشل جزائري في فرض الأجندة المرتكزة على الهيمنة الإقليمية، وكذا رغبة البلدين في تحقيق بعض الانتصارات الدبلوماسية اللحظية خدمة لمصالح مرتبطة بالتحديات الداخلية الانتخابية لكلا البلدين”.

وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “الجزائر وفرنسا تبحثان، اليوم، عن موطئ قدم لإعادة الدخول إلى منطقة الساحل والصحراء الإفريقية عبر البحث على التوافق حول مجموعة من الملفات الموضوعة على طاولة المباحثات؛ أهمها ملف الذاكرة وملف الغاز والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة في ظل تراجع هذه العلاقات لصالح شركاء جدد كالصين وروسيا وتركيا وإيطاليا”.

وحول رهانات الجزائر من هذه الزيارة علاقة بملف الصحراء المغربية، أشار المتحدث ذاته إلى أن “نتائج هذه الزيارة لن تؤثر في مسار سيادة المغرب على صحرائه؛ لكن الأكيد ستركز على مسارات مرتبطة بالأمن الإقليمي، حيث أصبحت باريس باعتبارها شريكا تقليديا موثوقا مطالبة أكثر من أي وقت مضى من طرف الرباط بتقديم موقف فرنسي صريح وغير قابل للتأويل في ما يخص السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، موقف يرتكز على العلاقات التاريخية العريقة بين المغرب وفرنسا ويحترم التاريخ المشترك بين الشعبين العريقين”.

في السياق ذاته لفت الخبير ذاته إلى أن “فرنسا مطالبة بموقف سياسي ودبلوماسي صريح لا علاقة له بالاستراتيجيات الجيوسياسية الفرنسية المزمع تنزيلها في منطقة الصحراء الكبرى أو الساحل، ولا يخضع لموازين القوى الداخلية في الميتروبول أو عابر للحظات الانتخابية في فرنسا وغير معني بالتوازنات الإقليمية في غرب المتوسط والساحل الإفريقي ولا علاقة له أيضا بالتوجهات المرحلية للدبلوماسية الفرنسية”.

وخلص إلى أن “التوافق الفرنسي الجزائري لن يكون في أية حال من الأحوال على حساب السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية والمصالح العليا للمغرب الذي يرتكز في الدفاع على هذه المصالح باعتباره حليفا تقليديا ثابتا بالنسبة لفرنسا في القارة الإفريقية”، مسجلا أن “التقارب الفرنسي الجزائري في شروطه الحالية مع النزعة التصادمية للنظام الجزائري يشكل حالة من العطب الإقليمي، ويؤثر على العديد من المبادرات التنموية الجادة التي تخدم شعوب المنطقة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *