هذه الملفات تفرمل التعاون الجزائري الفرنسي
بعد عدة تأجيلات، اتفق الجانبان الجزائري الفرنسي، على موعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، في مؤشر على تحقيق تقدّم في بعض الملفات العالقة، ومنها ملف الذاكرة.
وفي فيفري الماضي، أعلن عن توصل فريق العمل المشترك حول الذاكرة، إلى اتفاق لاسترجاع مليوني وثيقة، إضافة إلى كل الأرشيف المرتبط بالفترة العثمانية ما قبل 1830، وفق ما ذكره رئيس الوفد الجزائري، حسن زغيدي، في تصريحات إعلاميه له. ويلي هذا الاتفاق ما تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي من تفاهمات حول إنشاء مكتبة بحثية مشتركة ومطبوعة أو مكتوبة بخط اليد حول مرحلة القرن التاسع عشر وإنشاء بوابة رقمية، مثل بوابة غاليكا (المكتبة الرقمية التابعة للمكتبة الوطنية الفرنسية)، في انتظار الحسم في قضية استرجاع ممتلكات الأمير عبد القادر التي يحرص الجزائريون عليها بقوة وأهمها سيفه وبرنوسه ومصحفه وخيمته، فيما يبدي الجانب الرسمي الفرنسي معارضة قوية لذلك متحججا بعراقيل قانونية.
مقابل هذا التقدم الرمزي، لم يسجّل أي تحوّل في الموقف الفرنسي بخصوص الإقرار بالمسؤولية عن جرائم الاستعمار، أو الاعتذار عن الجرائم رغم المطالب الجزائرية المتكررة.
وبخلاف التقدم الرمزي في ملف الذاكرة، لا زالت قضايا تنقّل الأشخاص والتعاون الاقتصادي، وكذلك ملفي التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وتعويض الضحايا، تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية. وشكّل ملف تنقّل الأشخاص مصدر خلافات رئيسية بين البلدين، بعد الإجراءات العقابية التي فرضتها فرنسا على الرعايا الجزائريين منذ 2019، بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة بأربع مرات عما كانت عليه سابقا والحد من مجالات نفاذ اتفاقية الهجرة لعام 1968 وسط ضغط من الجانب الفرنسي لمراجعة رابعة لها. وتحوّلت هذه إلى هدف لقوى اليمين الفرنسي في الأشهر الأخيرة، موظّفة إياها لأغراض انتخابية ولابتزاز الحكومة الفرنسية لانتزاع تنازلات في قضية الهجرة، وتوّج ذلك بانخراط الحكومة السابقة في مسار تقييد دخول وإقامة وعمل الأجانب على الأراضي الفرنسية.
ويوجد التبادل الاقتصادي في قائمة المسكوت عنها في العلاقات الثنائية، مع تراجع النفوذ الفرنسي في الجزائر. إذ فقدت باريس وضع الشريك التجاري الأول للجزائر منذ عقود وفقدت شركاتها عقود مجزية، منها قطاعي المياه وتسيير النقل والبناء وتوريد اللحوم الحمراء.
ومع ذلك، لا زالت الجزائر سوق مهمة للبضائع الفرنسية، إذ تحتل الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الإفريقية الشريكة لفرنسا في مجال التجارة حسب إحصائيات وزارة الخارجية الفرنسية، وبلغت قيمة المبادلات 8 مليار أورو في عام 2021.
وسجلت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر انخفاضًا لتبلغ قيمة 3،7 مليار أورو في عام 2021، بينما ارتفعت الواردات الفرنسية من السلع الجزائرية التي تمثّل المحروقات نسبة 91 في المائة منها حسب الخارجية الفرنسية.
وكانت فرنسا تحتل في عام 2020 المرتبة الثانية في قائمة المورّدين إلى الجزائر بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المائة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المائة. وتتصدر فرنسا قائمة المستثمرين الأجانب في الجزائر خارج قطاع المحروقات. وتوفر المؤسسات الفرنسية في الجزائر زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة في 500 منشأة مستقرة في الجزائر، وثمة قرابة ثلاثين شركة مدرجة في قائمة شركات مؤشر كاك 40 (مؤشر البورصة الفرنسية) ناشطة في السوق الجزائرية أو حاضرة فيها.
ملف التجارب النووية
بعد حوالي عشر سنوات من إنشاء فريق عمل مختص في ملف التجارب النووية الفرنسية، لم يتم الإعلان عن أي تقدّم، ورد أن نشاطه توقف، حيث يلمس الجانب الجزائري أي رغبة فرنسية في التجاوب مع مطالبه في كشف خرائط دفن النفايات وتمويل تطهير المواقع الملوّثة بالأشعة النووية، فيما تواصل المحاكم الفرنسية رفض طلبات التعويض المقدّمة من أقارب أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للتجارب النووية التي أجرتها باريس في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين عامي 1960 و1998، وذلك بحجة التقادم.
وقال خبراء بعد تحليل مضمون وثائق فرنسية رُفعت عنها السرية قبل سنوات، إن التداعيات الإشعاعية للتفجيرات النووية، التي أطلق عليها اسم عملية “اليربوع الأزرق”، كانت أبعد بكثير من المدى الذي أُعلن عنه في البداية.
وقالت الدكتورة، فضيلة ملهاق، سابقا لمجلة الإنساني للصليب الأحمر “هذه التفجيرات خلّفت كوارث بشرية وبيئية، ولا تزال المنطقة تعاني تلوث الجو بالإشعاعات النووية وتلوث المياه وتشوهات خلقية للمواليد الجدد، وتفشي الأمراض السرطانية وإعاقات، كما أدت إلى انقراض أنواع من الحيوانات والنَّباتات. ولا تزال تلك التفجيرات تخلّف ضحايا في مناطق الانفجار وضواحيها، ولكن حدود آثارها غير معروفة، فقد خلفت تلك العمليات سحبا معبأة بالمواد المشعّة، انتقلت إلى غاية جنوب أوروبا وتوغّلت في مناطق مجاورة للجزائر”.
قضايا عالقة
ويوجد في قائمة الملفات الخلافية عدم تفاعل السلطات الفرنسية في ملفات ملاحقة رموز الفساد اللاجئين على الأراضي الفرنسية وتعطيل جهود استرجاع الموجودات، حيث تتحجج السلطات الفرنسية باستقلالية القضاء لرفض إعادة الأموال والعقارات المسجلة باسم رموز الحكم السابق الصادرة في حقهم أحكام بالمصادرة، إلى جانب نشاط منشقين وجماعات انفصالية بحرية على أراضيها، ناهيك عن الخلافات التاريخية بخصوص تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.