“ضدًّا في التفاهة”
منذ تسللت خيوط الشبكة العنكبوتية إلى مجتمعاتنا التي لم تكن مستعدة لهذه التحولات التيكنوسوسيولوجية ونحن نلحظ ظواهر جديدة ودخيلة تطفو على سطح سلوكياتنا، وتتخذ طابع السلوك العادي في تطبيع صارخ لشذوذها، ظواهر متناسلة قد تجعل شخصا قادما من زمن السبعينات أو الثمانينات إذا ما سافرنا به إلى هذه الحقبة يقف مذهولا ومذعورا من فرط توغل هذه الأورام السلوكية داخل منظومتنا البشرية، حيث تسود موجة من التفاهة الرقمية وتنخر آخر ما تبقى من منسوب الوقار والحياء داخل جسدنا الاجتماعي والثقافي..
في خضم اللايڨات والڤيديوهات المدرّة للمال على أصحابها توجد سوق معاملات بمبالغ خيالية يجنونها من التفاهة التي يبيعونها هؤلاء “المؤثرون” و”المؤثرات” ولو على حساب كرامتهم (هن)، بل يتمادى بعض الأحيان إلى أكثر غرابة من ذلك، إلى انسلاخ تام عن كل القيم الانسانية، وتجرد من أقدس صفة تميز هذا الآدمي أو هذه الآدمية وهي تلك الكتلة الصغيرة التي اسمها “العقل” ..
ووسط استعمال مزدحم لشبكات التواصل الاجتماعي لا تنفك هذه الأورام في الظهور وفرض سطوتها على تصفحنا، وبين الفينة والأخرى تقتحم خلوتنا مع هذا الجهاز الذي أمسكه وتمسكه ونحن نمر من هنا، هذه الشاشة الصغيرة تفرض علينا المشاهدة ولو تحدينا رفضنا لها، وربما قتامة الوضع الواقع تجعلنا نهرب إلى المواقع، أو ربما فضول ورغبة في الفرجة والفسحة يغطي على مشاهداتنا لهذه الظواهر..
على العموم عندما تجف أنهار الأخلاق، وتتبخر وديان القيم والفضيلة، تنتعش المستنقعات النتنة بالتفاهة وتغزو روائحها الكريهة كل الأمكنة، نشتمّها ونقهقر ونمر لنسقط في تافه آخر أو تافهة أخرى…وهكذا يمر الوقت الرقمي بينهم وبينهن…
وما أكثرهم وما أكثرهن..
وما أحوجنا إلى إعادة تعريف القيم والقدوة …
المصدر: العمق المغربي