حكايات_عجايز.. أنا بدينة
وعيت في هذه الدنيا لأجد نفسي بدينة، منذ طفولتي أتذكر انني كنت طفلة سمينة، وهذه الصفة كانت بمثابة الكابوس الذي أرقني طيلة حياتي، فطالما تعرضت للتنمر بسبب سمنتي وأخي الذي يكبرني كان يعايرني على الدوام بشتمي (يا دبة يا سمينة)، وقد قلت (شتمي) لأن وقعها علي كان قاسيا موجعا مثل الشتيمة، كذلك في المدرسة تعرضت مرارا وتكرارا للسخرية من زميلاتي بسبب سمنتي وربما يكون الأمر عاديا بين الزملاء للكثيرين من البدناء مثلي، ولا يعدو المزاح بين الرفاق، ولكني ومنذ طفولتي الأولى كنت شديدة الحساسية تجاه وزني ولا أقبل الدعابة والمزاح بهذا الخصوص ولا أنسى وأنا في المرحلة المتوسطة مازحتني إحدى المعلمات قائلة لي (تختخ) وهو المغامر السمين بين المغامرين الخمسة وهذه السلسلة من القصص يعرفها أبناء جيلي، بصراحة لم أتقبل المزاح نهائيا وأخبرتها صراحة أنني أرفض أي هزار في هذا الأمر،
اذكر وأنا طفلة انني كنت أفكر جادة، إذا جاءتني ليلة القدر فسأطلب فقط ألا اكون بدينة.
لازمتني هذه العقدة طوال طفولتي وباكورة شبابي حتى وصلت الجامعة، لم أتصالح في يوم من الأيام مع بدانتي ولا استطعت التحرر منها، حاولت اتباع الحميات ولكن كلها كانت محاولات فاشلة وصراحة أعترف بأنني ضعيفة للغاية تمام الحلويات بشتى أنواعها، وحتى الآن وقد بلغت من العمر عتيا، فما زلت أعشق الحلوى بشغف طفلة، وأتتبع أماكن بيع الحلويات والشوكولاتة باهتمام بالغ،
أنا والبدانة عشنا طويلا سويا، ولكنننا لم نتفق ولم نكن أصدقاء في يوم من الأيام، ناصبتها دوما العداء ولم تعتقني هي من ملازمتها لي والتي لا أرغبها بتاتا،
في الجامعة قررت مرة التخلص منها، فشننت عليها حربا ضروسا، حاربتها بحمية قاهرة، امتنعت عن النشويات وقاطعت معشوقتي الحلوى، وصمدت لأربعة أشهر، لأحصل على نتيجة مبهرة للغاية، فقد وصلت إلى الوزن المثالي وطردت عدوتي من حياتي لزمن طويل، ولا أنسى أنني عندما نزلت الجامعة بعد نزول وزني كنت حديث الساعة، وكان الزملاء والزميلات يحضرون لرؤيتي وأصبحت المرجعية رقم واحد فيما يخص الحميات ونزول الوزن،
وبشخصيتي العنيدة صمدت طويلا في الحفاظ على مكتسبات المعركة ضد عدوتي اللدودة (البدانة)
بصراحة لا يعرف هذه المعاناة إلا من عاشها وابتلي بها، لا يعرف أولئك الذين يأكلون ما يشاؤون ولا تزيد أوزانهم وليس من ضمن خططهم للمئة عام القادمة حساب عدد السعرات الحرارية ولا التفكير مطلقا في أي شيء، بل لهم أن يستمتعوا بما تشتهي انفسهم بدون الشعور بالذنب أو تعذيب الضمير، لا يعرف هؤلاء المحظوظون أن هناك أناس مثلهم يستيقظون صباحا وهم يحملون هما يسمي السمنة وينامون بذات الهم،
بالنسبة لي فقد ازداد وزني كثيرا بعد أن تزوجت وأنجبت ولكن، خفت حدة هاجس البدانة إلى حد كبير ، ربما لأنني أعرف أن الكثير من النساء تزداد اوزانهن بعد الزواج، وبتقدم العمر أصبح الأمر أكثر من التنمر من الرفاق بل دخل في لحم الحي وظهور الأمراض المرتبطة بالسمنة وتدهور نمط الحياة لدي للزيادة الكبيرة في وزني،
وأشكر الله الذي أكرمني ولجأت إلى الوسائل الطبية الحديثة لإنزال الوزن الزائد، وتحسنت حالتي الصحية العامة إلى حد كبير،
إلا أن ذكرياتي مع البدانة لم تكن سعيدة صراحة،
عندما أحادث ولدي بألا يترك وزنه يخرج عن السيطرة، يقول لي Wright is just a number
من الجيد أن الأمر لا يهجسه كمثل ما حدث معي.
المصدر: صحيفة الراكوبة