السودان وتشاد.. ضحية عملاء الخارج
تتشابه ظروف البلدين الجارين إلى حد كبير، استقلال ثم انقلابات عسكرية متتالية، وسيطرة للعسكر على الحكم لفترة طويلة، دون القدرة على الوصول إلى حكم مدني ديمقراطي، يحقق طموحات الشعبيين، فمنذ حصولهم على الاستقلال لم يشهد كلا البلدين أي حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني طويل الأمد، على الرغم من غنى البلدين بالموارد الطبيعية، وذلك يعود بشكل أساسي لسيطرة عملاء الخارج على السلطة في البلاد.
مثّلت الثروات الطبيعية في كلا البلدين، إلى جانب موقعهم الجغرافي، نعمة ونقمة على شعوبهم في ذات الوقت، ما جعل البلاد محط أطماع كل الدول الاستعمارية البعيدة والقريبة من القارة السمراء، والتي استباحت السودان وتشاد عبر عملائها، الذين تسلّموا قيادة البلاد، ليشرفوا على نهب ثرواتها، ويقمعوا شعوبها، تاركيهم في حالة فقر مدقع.
حمدوك وماسرا.. عملاء برتبة رئيس وزراء
ما يدعم كل ما ذكرناه أعلاه التشابه الكبير في سيرة حياة وطريقة الدخول بالعمل السياسي بين كل من عبدلله حمدوك رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية للسودان سابقاً، وسيكسيه ماسرا رئيس الحكومة الانتقالية في تشاد حالياً.
حمدوك بوابة واشنطن لسرقة ثروات الشعب السوداني
على الساحة السودانية، وجدت واشنطن في تعطش الشعب السوداني للحرية والتغيير، أيضاً فرصة مواتية للتسلل إلى السودان ونهبه، حيث قدمت على الفور، أحد عملائها بثوب الرجل الوطني، الذي سوف يخلّص للبلاد ويلبي طموحات الشعب السوداني.
هنا ظهر عبد لله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني في الحكومة المؤقتة، الذي تخرج من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، والتي عاش فيها، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة، لتتبناه المخابرات الغربية لاحقاً، وتشرع في تهيئته وتدريبه بشكل جيد، لأداء المهمة المستقبلية، وأتى ذلك، بعد طرده من قبل أحد وزراء حكومة البشير من إحدى المناصب الإدارية التي شغلها سابقاً في السودان بتهم فساد، في ثمانينات القرن الماضي.
تشرّب حمدوك الثقافة الغربية، ودعمته واشنطن والمخابرات الغربية ليشغل مناصب مهمة، في المنظمات الدولية الخاضعة لسيطرتها، حيث عمل حمدوك في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) كمدير إقليمي لأفريقيا والشرق الأوسط من عام 2003 إلى عام 2008، وبحسب بعض المراقبين فإن الولايات المتحدة توظف هذه المؤسسات والمشرفين عليها مثل حمدوك للإطاحة بالحكومات والعبث باستقرارها بأدوات ناعمة.
كما تولى حمدوك منصب نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (UNECA) منذ نوفمبر 2011، ما جعله أحد الأدوات الرئيسية للتدخل الغربي في شؤون الدول الأفريقية من بوابة إدارية ومجتمعية.
تم تقديم حمدوك، لاحقاً على أنه الوجه الديمقراطي الجديد للحكم المدني، والذي سيلبي تطلعات الشعب السوداني، وحظي بدعم أمريكي وغربي كبير عند تسلمه منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، في أغسطس 2019، حتى يؤمن لواشنطن الغطاء لسرقة ثروات الشعب السوداني.
لم يعر حمدوك أي اهتمام للضحايا المدنيين الذين سقطوا خلال التظاهرات ضد حكم العسكر، بل على العكس، لعب خلال فترة حكمه دوراً سلبيا جداً على الساحة السياسية السودانية، وساهم بشكل كبير بتعميق الفجوة بين المكونين المدني والعسكري، مما دفع رئيس المؤتمر المعارض أسامة سعيد آنذاك إلى الدعوة لإجراء تحقيق عادل في مقتل المتظاهرين السلميين خلال أحداث ولاية كسلا وتقديم الجناة للعدالة. وألقى باللوم على رئيس الوزراء حينها عبدلله حمدوك.
واستمرت وتيرة الخلافات السياسية بالتصاعد خلال فترة حكم حمدوك، مما أدى في نهاية المطاف إلى إعلان استقالته من منصبه في أكتوبر 2021 ومغادرته البلاد إلى الامارات العربية المتحدة التي لايزال يقيم فيها حتى اليوم، بينما السودان يعيش حرب مدمرة قضت على حاضر ومستقبل الشعب السوداني.
تأمين دخول واشنطن لتشاد
في سياق متصل ومتشابه، عاد زعيم المعارضة التشادية السابق سيوكسيس ماسرا، من المنفى في نوفمبر الماضي، بعد مصالحته مع حكام تشاد العسكريين، وعينته الحكومة الانتقالية، رئيساً للوزراء، بالتزامن مع ضعف النفوذ الفرنسي، مقابل تنامي الاهتمام الأمريكي في المنطقة.
ماسرا، لم يخف أبدًا علاقته الوثيقة مع سفارة واشنطن وممثلي مجتمع الخبراء الأمريكيين المسؤولين عن الشؤون الأفريقية، كما أنه وفقاً لمصادر إعلامية ومحلية تشادية، أقام في الولايات المتحدة الأمريكية فترة من الزمن، ودرس فيها، وتم تجنيده وتدريبه على تقنيات الإطاحة بالحكومات، وإسقاط الأنظمة من خلال “الثورات الملونة”.
كما أكدت كثير من التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات بأن واشنطن وجدت ضالتها في ماسرا الذي عاد بوجه ديمقراطي شاب، يخفي ورائه كل أطماع واشنطن في البلاد، حيث سيوفر لها الدخول لتشاد بطريقة غير مباشرة. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن واشنطن، تخطط لتزويد بعض الجماعات المتمردة بالأسلحة للإطاحة بالرئيس محمد ادريس ديبي. وعراب هذا المخطط، وقائده، سوف يكون ماسرا.
المصدر: صحيفة الراكوبة