المجلس الأعلى للحسابات.. الوقيعة بالفضائح
في خطاب افتتاح البرلمان 2018، بدا الملك محمد السادس حريصا على النهوض بمالية الأحزاب السياسية، تحقيقا لالتزامات رئيس الدولة تجاه الدستور، والمجتمع، والأحزاب السياسية، وهو ما تمت ترجمته في المنحة المالية المخصصة للدراسات.
مثلت المنحة المالية الإضافية التي خصصتها الحكومة للأحزاب بناء على الأمر الملكي، موضوع تقرير خاص من المجلس الأعلى للحسابات، “حول حسابات الأحزاب السياسية بخصوص طرق صرف الدعم العمومي الخاص بإنجاز المهام والدراسات”.
وفق القانون فإن المجلس الأعلى للحسابات مسؤول عن تتبع صرف الأحزاب والمؤسسات للمال العمومي، غير أن تقريره الأخير حول صرف دعم الدراسات يكشف فضائح تستوجب محاسبة القائمين على شؤون المجلس.
أولى الفضائح؛ تجاوز المجلس الأعلى للحسابات السلطة التشريعية (برلمان)، سواء عبر القانون التنظيمي للأحزاب السياسية كما جرى تعديله وتتميمه في أبريل 2021، خاصة المادة 32 منه، كما تجاوز السلطة التنفيذية، سواء المرسوم المتعلق بتحديد كيفيات توزيع الدعم الممنوح للأحزاب السياسية وطرق صرفه، والسلطة التنظيمية، من خلال القرار المشترك المتعلق بالمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية، هذه السلطات لم تحدد أي وجه للصرف، فمن أين أتى المجلس بحق توجيه اللوم للأحزاب؟
الفضيحة الثانية، تكمن في أن المجلس عاد بعد أن انتهى من توبيخ الأحزاب إلى ما يشبه الرشد، وهو يقر ابتداء من الصفحة 48 (صفحة 50 كما تظهر) في الفقرة رقم 4 حين يعلن بعنوان كبير: “الحاجة إلى ملاءمة واستكمال الإطار القانوني المتعلق بالدعم السنوي الإضافي”.
بل إن المجلس في الفقرة الأولى من الصفحة 50 (52)، يقول “لم يتم تحديد البيانات التي يجب أن تتضمنها طلبات الاستفادة من الدعم السنوي الإضافي، لا سيما تلك المتعلقة بموضوع البحث أو المهمة أو الدراسة ونوعية الكفاءات التي سيعهد لها القيام بهذه الدراسات والميزانية المتوقعة لكل منها والمخرجات المنتظرة منها والأثر المتوقع منها على تجويد العمل الحزبي”.
بالإضافة إلى أن المجلس الأعلى للحسابات، وعلى امتداد ثلاث صفحات يعترف بأن الأحزاب السياسية مارست حقها في صرف المال العمومي، دون أن تخالف نصوص القانون لأن هذا القانون “غير موجود” أصلا، فلماذا هذا الاستهداف؟
الفضيحة الثالثة، منذ تعيين زينب العدوي على رأس مجلس الحسابات، أصبحت تقاريره السنوية “باردة”، وذلك فيما سمي بـ”المنهجية الجديدة” لعمل المؤسسة، حيث أصبح ملموسا عدم نشر المجلس تفاصيل “التهم” و”الملاحظات السلبية” عن المؤسسات موضوع البحث للعموم.
في هذا التقرير سجل المجلس الأعلى للحسابات، أن “الأحرار”، و “البام”، و”الاستقلال”، “لم تدل بتقارير ومخرجات الدراسات المنجزة”، وهو ما التزم معه المجلس “الحياد السلبي” و”الصمت المتواطئ”، فيما مقابل جلد حزب الاتحاد الاشتراكي مثلا.
عند الاتحاد الاشتراكي، انطلق لسان المجلس، وتحول إلى أستاذ مناهج وهو يقرع حزب “القوات الشعبية”، حين حدد ثمان ملاحظات منهجية حول الدراسات التي أعدها الحزب، أدناها “صياغة الإشكالية والفرضيات الأولية”، فكيف استقام هذا التباين؟
الفضيحة الرابعة، تتمثل في التشهير كحالة الوزير السابق مصطفى الخلفي، حيث نفى حزب العدالة والتنمية “نفيا قاطعا أن يكون مصطفى الخلفي قد تسلم أي مقابل عن هذه الدراسة العلمية الرصينة التي أنجزها بصفة تطوعية، وهو ما يتعين على المجلس استدراكه وتصحيحه لرفع الإساءة التي نجمت عن هذه المعلومة الخاطئة”.
مؤسسة دستورية للرقابة المالية، وواحدة من أهم مؤسسات الحكامة، تشهر بوزير سابق، بناء على معلومات “خاطئة”، وتقول إن مصطفى الخلفي حصل على مبلغ 14 ألف درهم من حزبه نظير دراسة علمية! فلماذا؟ ولأي هدف؟
الفضيحة الخامسة، المجلس وهو يتوفر على جميع الوثائق التي سلمتها الأحزاب السياسية، والتي تفيد بتوصلها بالدعم “في بداية شهر نونبر 2022″، فيما “طلب منها صرفه قبل متم شهر دجنبر 2022”.
لقد وضع المجلس “شروط الخُزَيْرات” على الأحزاب لكيفية تدبير الدعم الإضافي المخصص للمهام والدراسات، لكنه أغمض العين عن تاريخ وصول المال إلى الأحزاب، ولا ما طلبته الداخلية (سلطة الوصاية) كموعد أقصى لصرف هذا المال، فلأي غاية؟ وما المرامي؟
عبر التاريخ، كلما طالت أعمار أنظمة الحكم، بالقدر الذي تزداد فيه قدرات الفاعلين على الخائفين من المستقبل، على الوقيعة بين الحاكم وبين من يظهر “العطف” عليهم وتجاههم، كما أن هذا التاريخ علمنا أن الوقيعة “فن” و”صنعة”، وليس مجرد “رغبة شعبوية”، كما هو الحال مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول طرق صرف الأحزاب السياسية للمال العمومي عبر المهام والدراسات.
بغض النظر عن الملاحظات على طرق الصرف، سواء تعلق الأمر بالكيفية، والشفافية، والغاية من هذه المهام والدراسات، فإننا بحاجة ماسة إلى التوقف عند سلوك المجلس الأعلى للحسابات، الذي تصرف باعتباره معارضا يقوم بالتشهير بالأحزاب السياسية، وليس هيئة مستقلة محايدة تؤدي خدمة لفائدة المجتمع ومن أجل حمايته، والقيام بعمل غير محترف وهو يسعى لوقيعة جديدة بين الأحزاب والملك من جهة، وبين الأحزاب والمجتمع وهو الأخطر.
المصدر: العمق المغربي