خبراء يعزون “الموظفين الأشباح” إلى هشاشة الإرادة السياسية في المغرب
لا يريد نقاش “الموظفين العموميين الأشباح” أن يخفّ أو ينتهي أمام المعطيات المتواترة والمثيرة التي يتم الكشف عنها كل مرة. آخر “صرخة” حول الموضوع تلك التي خرجت من العاصمة الاقتصادية للمملكة، تقول بأن “رؤساء مقاطعات المدينة يشكون غياب الموظفين عن العمل؛ الأمر الذي يدخلهم في خانة الموظفين الأشباح”، لتلتحق العاصمة الاقتصادية بنظيرتها الإدارية التي سبق أثارت العمدة المستقيلة أسماء غلالو النقاش بشأنه “قبل أن تتراجع عنه”.
“ملف ثقيل” يتجَذرُ في “بنية إدارية فاسدة يمكن أن تنقلب ضد كل من يقرب منها أو يهدد مصالحها”، وفق تعبير محللين؛ الأمر الذي بات يستدعي في ظل “مغرب 2024” قرارا سياسيا مبنيا على “الرغبة” في طي الموضوع بشكل نهائي، لكونه أساء إلى “صورة الإدارة”. فما “يعيبه” الأكاديميون الذين تواصلت معهم هسبريس بهذا الخصوص على السلطة العمومية أنها “ظلت تفتقد لإرادة حقيقية لرسم معالم إدارة عصرية غير بيروقراطية لا مكان فيها للأشباح”.
“بنية إدارية فاسدة”
الأكاديمي والمحلل محمد شقير ربط “وجود أعداد غفيرة من ‘الموظفين الأشباح’ بالإدارة المغربية، على المستوى المركزي والجهوي والمحلي، بتغلغُل الفساد في بنية الإدارة المغربية”، معتبرا أن “حُماة هذا الفساد لهم من القوة ما يمكن أن يعارض أي تحرك يهدد هذه القلعة التي يختبئ داخلها الأشباح الذين يستفيدون من امتيازات ومن ريع، بلا أي مقابل وظيفي، ويتقاضون أجورا بشكل منتظم”.
شقير أفاد، ضمن شروحات قدمها لهسبريس، أن “الموظف الشبح هو مشكلة إدارية مطروحة منذ فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، عندما تم إدماج مجموعة من الصحراويين حينها في الإدارة كهدية. ومنذ ذلك الحين، بدأت الظاهرة تتراكم، إلى أن صارت هذه وسيلة للإدارة والسلطة لمكافأة المقربين والمتزلفين بهذه الوظائف”، وأضاف:
“اليوم، توجد صعوبة لتحديد أرقام الأشباح على مستوى التراب الوطني، وبالتالي صعوبة مواجهتها”.
وأوضح المتحدث عينه أن “استقلال ميزانية الجماعات المحلية تعطل كذلك رصد الظاهرة ومحاصرتها”، لافتا إلى “جر الموضوع كل مرة إلى الواجهة في إطار مُزايدات وصراعات سياسية؛ لكن الحماس يصطدم بممانعة ومقاومة شرسة من طرف مجموعة من المكونات على المستويين المحلي وأيضا المركزية، وهذا ما حدث للعمدة غلالو”، وزاد: “حل المسألة هو القطع مستقبلا مع أي توظيف غير قانوني استثمارا للمناخ السائد في الوقت الحالي”.
وأشار الأكاديمي المغربي إلى “استحالة القضاء على الظاهرة دفعة واحدة؛ بل سيتطلب الأمر التريث حتى تنضج الأرضية، وتنتهي الوجوه الحالية بالوفاة أو التقاعد”، خالصا إلى “أهمية الرقمنة في هذا المسار أيضا، لكي ننظم الإدارة وننظفها من براثن الفساد العالقة في جذورها”، وأوضح: “هذا ممكن في ظل مستجدات محاربة الفساد الذي شكل نقطة سوداء في سجل المغرب، والذي يتعاطى معه الآن بالكثير من الحزم والجدية”.
“غياب الإرادة السياسية”
عبد الحميد بنخطاب، أكاديمي أستاذ العلوم السياسية، قال إن “نظام الموظفين الأشباح هو نسق متكامل لا يمكنُ تعميمه؛ ولكنه متجذر في أعماق الإدارة المغربية، توارثناه منذ الاستقلال”، موضحا أن “هناك عددا مهما من الموظفين نظرا لحصولهم على امتيازات معينة عائلية أو سياسية أو اجتماعية، فقد استمروا في وظائف لا يستحقونها؛ لكنهم ظلوا بمنأى عن المحاسبة وبمنأى عن العقاب، وهذا ما يعضد المحسوبية”.
وأشار بنخطاب، في حديث إلى هسبريس، إلى “ضلوع مثل هذه الظواهر في تخريب المزيد من ثقة المواطنين في الإدارة وتهشيم صورة السلطة؛ لأن الدولة بإمكانها استئصال هذه الظاهرة بسهولة من خلال تفعيل المساطر القانونية المعمول بها في حق الموظفين في وضعية نشاز”، وأضاف: “هناك غياب حقيقي للإرادة السياسية تحديدا في هذا الموضوع، فالإرادة هي المدخل الرئيسي نحو إعمال مبادئ دولة الحق والقانون والمؤسسات”.
ورفض المتحدث عينه أن “نتحدث اليوم عن وظائف غير مستحقة أو أُجراء لا يلتحقون بمقرات العمل بالإدارة إطلاقا بقدر ما يتعين أن نتحدث عن إعمال العقل الاستراتيجي للدولة والتعامل مع تحطيم منطق الريع أينما كان”، داعيا إلى “تحريك الرقابة الكافية وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ لأننا أمام عمل فساد يستوطن الإدارة ويتخذ من التدبير الترابي رهينة”، وزاد: “هذا زمن الحكامة الجيدة، حيث يتعين أن نشارك جميعا في القضاء على كل أشكال الزبونية والمحسوبية”.
المصدر: هسبريس