هذه خسائر الاقتصاد المغربي جراء المسار التصاعدي لرواج الأوراق النقدية

واصل رواج الأوراق النقدية “الكاش” مساره التصاعدي خلال 2024، وفاقم حجم الأضرار التي يسببها للاقتصاد المغربي، والتي تصل قيمتها حسب تقديرات الخبراء إلى 7 مليارات درهم سنويا، أي 700 مليار سنتيم. يتعلق الأمر بآفة اقتصادية تشكل ضغطا متزايدا على السيولة البنكية، وتتغذى على تفشي أنشطة القطاع غير المهيكل وتأخر الوعي المجتمعي وقصور مشاريع المعاملات الرقمية.
وبالأرقام، قفزت قيمة رواج الأوراق النقدية إلى 393.1 مليار درهم متم يناير الماضي، بارتفاع نسبته 10.2 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية؛ ما يمثل زيادة بقيمة 36.3 مليارات درهم، في الوقت الذي يظهر تطور مستوى النزيف النقدي من خلال الانتقال من “إحداث نقدي” بلغ 168 مليار درهم بين 2017 و2019 إلى 314 مليار درهم خلال الفترة 20202022، علما أن 95 في المائة من هذه الزيادة يفسرها الجزء السائل من الكتلة النقدية.
وعجزت السياسة التقييدية لبنك المغرب عن امتصاص النزيف النقدي الذي عانى منه النظام الاقتصادي منذ تفشي جائحة كورونا؛ فيما حذر خبراء اقتصاديون من خطر توقعات بتسبب هذا النزيف في فقاعة بأسعار الأصول، خصوصا العقارات.
ضغط على السيولة
أكد محمد موساوي، خبير في الهندسة المالية، أن التضخم في المغرب يمكن أن يصبح نقديا بحتا خلال الفترة المقبلة، موضحا بالقول إنه “لفهم هذه الظاهرة، علينا العودة إلى 2020 والجائحة التي كان لها عواقب عديدة على عادات الاستهلاك والادخار لدى المغاربة، دون إغفال مساهمة الارتفاع الكبير لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وانخفاض أسعار الفائدة على المدخرات في هذه الظاهرة”.
وتابع موساوي: “”تسييل” العرض النقدي يجعل الموارد البنكية أكثر تقلبا”، مشيرا إلى قيود تدبير حصيلة البنوك المالية، التي تتطلب تمويل قروض طويلة الأجل بموارد مستقرة، مضيفا بالقول: “يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى مخاطر ميزانياتية للبنوك، نظرا لكثرة الالتزامات متوسطة وطويلة الأجل، لا سيما في القروض العقارية”.
وأوضح الخبير في الهندسة المالية أن بنك المغرب حاول التعامل مع هذا الوضع من خلال رفع معدل الفائدة الرئيسي، الذي من المفترض أن يكون له من الناحية النظرية تأثير على مردودية المدخرات؛ لكن في الواقع زادت البنوك معدلات الفائدة على الودائع بشكل هامشي فقط منذ شتنبر 2022، ورفعت المعدلات المرتبطة بالودائع لأجل 6 أشهر بمقدار 32 نقطة على الأساس فقط، وأسعار الفائدة لمدة 12 شهرًا بمقدار 53 نقطة على الأساس، بينما ارتفع معدل الفائدة الرئيسي بمقدار 150 نقطة على الأساس.
القطاع غير المهيكل
تكسرت الجهود التي بذلتها السلطات المالية في استغلال فترة تفشي جائحة كورونا من أجل جعل المغرب اقتصادا قائما على “الصفر النقدي”، حيث زاد في المقابل تداول العملة النقدية بمقدار الثلث منذ تفشي الجائحة ليسجل رقما قياسيا.
وبهذا الخصوص، اعتبر محسن معروفي، متخصص في المعاملات البنكية ووسائل الأداء، أن زيادة حجم التداول الائتماني بنحو 50 مليار درهم في 2020 و33.6 في 2022 مقابل متوسط 17 مليار درهم مسجلة خلال الفترة 20152019 مصدر نمو للقطاع غير المهيكل وسوق الصرف الموازية.
وأضاف معروفي أن الزيادة في الكتلة النقدية الرائجة بمعدل أعلى بكثير من نمو الناتج الداخلي الخام الحقيقي يمكن أن تمثل مصدر تضخم من النوع النقدي على المديين المتوسط والطويل، موضحا أن الإشارات الأولى بدأت في الظهور؛ فقد سجلت خزائن المقاولات نموا في مدخراتها، بينما لوحظ تدهور في مدخرات الأسر.
وتوقع المصدر ذاته أن هذا الوضع سيؤدي إلى تحويل هذه المدخرات من المقاولات إلى أصحاب رأس المال، الذين بدورهم سوف يغذون الفقاعات المالية في الأصول الحقيقية، خصوصا العقارات.
وتمثل الكتلة النقدية، حاليا، أكثر من 133 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي (136 في المائة في 2020)؛ وهو وضع لا يمكن تحمله على المدى الطويل، حسب المتخصص في المعاملات البنكية ووسائل الأداء، حيث تجب زيادة قيمة السلع لامتصاص هذه السيولة، علما أنه على مدى تاريخ المالية العمومية المغربية ظلت الكتلة النقدية تحت 120 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
المصدر: هسبريس