تفكيك الجيش! حلم الجعان عيش
عثمان قسم السيد
الحقّ في التفكير ثابت ومطلق، ولا سلطان على العقل المفكّر سوى ضمير صاحب هذا العقل. ولأن الأفكار ليست كلها حسنة وجيدة وصائبة وحصيفة، فإن السيئ منها يتعيّن الجهر بمناهضته ومعارضته وتفنيده، بالطبع على قاعدة الحجة بالحجة والدليل بالدليل وليس قسراً وقهراً.
هذه كانت المقدمة للمقال أعلاه محاولة البعض القلة وأحزاب الفكة والنغمة وسيدى وسيدك !!
فكرة حلّ الجيش السودانى الحالي ليست فقط أكثر سوءاً من قرارات حكومة قحت كأحزاب اليسار واليمين والأحزاب التقليدية وبعض الحركات المسلحة المناهضة للإسلاميين برمّتها غداة سقوط عمر البشير ونظامه، وإنما هي فكرة خرقاء للغاية، وبخاصة في الظرف الخطير الراهن.
منذ استقلال السودان 1956 لم تكن هناك مليشيات وتشكيلات قبلية و جنجويدية ( الدعم السريع ) التي تحتل الآن ثلث مساحة البلاد وتهدد باحتلال المزيد، فيما كان هناك أكثر من 50 ألفاً من نخبة الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة وسواها ألتي تم حلها وتفكيكها بإيذاع قحت و الهالك حميدتى لصانعه البرهان ، مع ذلك تبيّن لاحقاً أن القرار بحلّ هذه القوات بقضّه وقضيضه لم يكن حسناً ولا جيداً ولا صائباً ولا حصيفاً.. كان سيئاً، وكانت كلفته باهظة للغاية، مئات الآلاف قتلى ومصابون، وعشرات المليارات من الدولارات خسائر مادية.
“الجيش السودانى والمؤسسة العسكرية على قدر المهمة المُكلف بها و على قدر المسؤولية الوطنية المُناطة به.. هذا ما ظهر وبدا وثبت المرة تلو الأخرى”
إذا نظرنا بمنظور شامل للجيش السودانى نجد أن العيب ليس في جنوده وضباطه الصغار بل في قياداته، وبالذات القيادات العليا التي جعلت منه مؤسسة للفساد والمحسوبية وليست للقتال في أوقات الشدّة والمحن. لم يُبنَ الجيش على أسس صحيحة، والأسس الصحيحة هي: الكفاءة والمهنية والوطنية. الحكومات السابقة، والقيادات العامة السابقة للقوات المسلحة، وهم قيادة واحدة، هم المسؤولين عن ذلك.
التعيينات وتكليف المهام والمسؤوليات كانت تجري طوال ال60 عاما وفق الأهواء والرغبات والمصالح الشخصية والحزبية، وهذا ما يفسّر الخرق المتواصل على مدى تلك السنوات لأحكام الدستور، التي تقضي بتقديم كشوفات أسماء القيادات العسكرية والأمنية ومثولهم شخصيا على البرلمان للمصادقة عليها ولكن يتم تعينهم كما ذكرت سابقا حسب الولاءات الحزبية والشخصية!!
زوبعة حلّ الجيش السوداني الحالي سيعني فتح أبواب الخرطوم، ومن بعدها سائر مدن الوسط والجنوب والشمال والغرب، على مصاريعها أمام المتربصين وأعداء الوطن ، أو أقله صوملة السودان بجعله تحت “رحمة” المليشيات، المتفاقم عددها والمتصارعة على كل شيء، ليتحوّل إلى دويلات مشتتة متجزئة ” خطة تفكيك وحدة السودان”
بالإضافة إلى بدايات دخول الجيش بالسياسة السودانية هى بإيذاع الأحزاب بأول انقلاب عسكرى 17 نوفمبر 1958م ثم تلتها انقلابات متواصلة ضد الأنظمة الديمقراطية والحزبية بالسودان وكل هذه الانقلابات تمت بضباط ينتمون إلى تنظيمات سياسية كعمر البشير ( المؤتمر الوطنى) وجعفر النميرى( الحزب الشيوعي استعان به ) وهاشم العطا ( الحزب الشيوعي) وغيرهم
منذ حصوله على الاستقلال عام 1956، شهد السودان سلسلة طويلة من الانقلابات، بلغ مجموعها حوالي 20 محاولة انقلابية، نجحت 7 منها. وهذا يجعل السودان الدولة الإفريقية التي شهدت أكبر عدد من محاولات الانقلاب ويحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد بوليفيا التي سجلت 23 محاولة انقلاب منذ عام 1950.
العمل الحسن والجيد والصائب والحصيف هو ما كانت الحكومات السابقة كلها، والطبقة السياسية برمتها، مُطالبةً به، قبل أن تجتاحنا مليشيا الدعم السريع ” الجنجويد” وبعدما حصل الاجتياح، وهو إعادة هيكلة الجيش والمؤسسة الأمنية كلها استناداً إلى الأسس الصحيحة، وإنجاز هذه المهمة بنجاح يتطلّب هيكلة النظام السياسي والعملية السياسية جملةً وتفصيلاً، فخراب المؤسسة العسكرية والأمنية من خراب النظام السياسي القائم، وفساد قيادات الجيش والمؤسسة الأمنية هو من فساد الطبقة السياسية.
فكرة ّ حل الجيش تنطوي على طعن في وطنية السودانيين جميعاً فيما المطعون، أو في الأقل المشكوك، في وطنيتهم هم أعضاء الطبقة السياسية المتنفذة والأحزاب والحركات ، التي يقدّم كل يوم يمرّ دليلاً جديداً على أنها غير مؤهلة حتى لإدارة أصغر ناحية من نواحي البلاد.
[email protected]المصدر: صحيفة الراكوبة