آبار جماعية بالطاقة الشمسية.. مبادرة تضامنية تواجه الجفاف لإحياء واحات درعة من جديد
تعاني مختلف مناطق واحة درعة بإقليم زاكورة من جفاف حاد تسبب في هلاك آلاف الأشجار وجفاف الآبار، وتوقف العديد من الفلاحين عن حرث وزراعة حقولهم، واضطر كثير منهم للهجرة إلى المدن بحثا عن مصادر رزقهم ، غير أن سكان بعض الدواوير في جماعة أفرا، أنجزوا مبادرة فريدة للتغلب على آثار الجفاف وندرة المياه.
لقد شيد ساكنة المنطقة هناك ثلاثة آبار جماعية مزودة بالطاقة الشمسية، بإمكانياتهم الذاتية وبمساهمات تطوعية للسكان، يستفيد منها أزيد من 120 فلاحا، تتوزع حقولهم على خمسة دواوير، هي؛ أيت عبد الله، أيت واحي، زاوية سيدي احمد،أيت يوسف، ودوار أيت ساكت.
مبادرة أحيت الأرض الممات
في تصريح لجريدة “العمق” المغربي، أكد أحمد تازاريني، فلاح في الثلاثينات في عمره بدوار أيت عبد الله، أن هذه المبادرة من إنجاز السكان بإمكانياتهم البسيطة المتواضعة ونجح المشروع بفضل تعاونهم وتضامنهم.
كما أن هذه المبادرة حققت وفق تازاريني نتائج إيجابية باهرة انعكست على تحسين وضعيتهم الاجتماعية وتحسين الدخل من نشاطهم الفلاحي، بعد إعادة الحياة إلى الحقول التي كانت مهجورة وجرداء، وجعلت الفلاحون والسكان يقبلون من جديد على الاشتغال وإعادة زرع الحقول وغرس أشجار جديدة.
جنة حاربت الهجرة إلى المدن
يذهب مولاي الحسن الإدريسي، وهو يتذكر أوضاع واحة درعة خلال العقود المنصرمة، إذ يصفها بأنها كانت مثل الجنة فوق الأرض، وأنها تتوفر على مختلف أنواع الأشجار من نخيل وتفاح ورمان وغيرها، وتجود بخيراتها لسكانها، التي تكفيهم لتلبية حاجيات الأسر المعيشية والإنفاق على أبنائهم ودراستهم.
يضيف مولاي الحسين، وهو من ساكنة دوار أيت عبد الله، في حديثه لجريدة “العمق”، أن في ذلك الوقت كانت الهجرة إلى المدن قليلة ونادرة حيث ينعم الشباب والسكان بالراحة والاستقرار.
لكن بعد توالي سنوات الجفاف على المنطقة، يقول ذلك مولاي الحسين ويضيف: جعل الفلاحين والسكان يهجرون حقولهم ومنطقتهم للبحث عن موارد رزق في المدن وخارج أرض الوطن.
واسترسل أن السكان أحسوا بالحسرة والأسف بعد هلاك وإتلاف آلاف أشجار النخيل بسبب حريق شب في حقولهم منذ ثلاث سنوات.غير أن مبادرة الآبار الجماعية ساهمت في إحياء الحقول وعودة الشباب للاشتغال فيها.
ميلاد فكرة
فكرة مشروع المبادرة بدأت خلال زيارة فلاحي المنطقة لبعض المعارض والملتقيات والتظاهرات الجهوية والوطنية والدولية، واطلعوا على تجارب ومشاريع فلاحية ناجحة في العديد من مناطق المغرب في مجالات زراعة الأصناف الجيدة من النخيل والخضروات وتربية المواشي والدواجن.
كما كانت هذه الملتقيات فرصة ولادة للفكرة، وللبحث عن اعتماد تقنيات حديثة وعصرية في المجال الفلاحي من أجل الاقتصاد في استعمال المياه وكذلك التقليص من النفقات والمصاريف والزيادة في الإنتاج مع تحسين جودته، حينها أدرك فلاحوا المنطقة أن النشاط الفلاحي بإمكانه أن يشكل رافعة للتنمية وتشجيع الاستقرار.
في بداية تنفيذ المشروع واجهتهم عدة صعوبات خاصة في البحث عن التمويل، لكن أهمية المشروع وأهدافه جعل أغلب الفلاحين وكذلك أبناء المنطقة في مختلف المدن المغربية وأفراد الجالية خارج أرض الوطن، يتحمسون للمساهمة المادية في المشروع افتخارا واعتزازا بمنطقتهم.
وقرر الجميع استصلاح الحقول وإعادة إحيائها، وشرعوا في حفر البئر الأول وتزويده بمحرك يشتغل بالغاز كتجربة أولى ولقيت ارتياحا وإعجابا لدى الفلاحين والمساهمين و قرروا لاحقا توسيع المبادرة ودعمها بحفر بئرين آخرين وتزويد الآبار الثلاثة بنظام الضخ بواسطة الطاقة الشمسية.
بعد حوالي ثلاثين سنة من الإهمال تحولت الحقول المهجورة إلى مساحات خضراء تسر الناظرين بعد زراعتها بالحبوب والخضروات وغرس مختلف الأشجار، مما مكن العديد من الأسر من تحقيق اكتفائها الذاتي في الحبوب والخضروات والتبن وعلف الماشية، وشرعت بعض الأسر والأرامل في إحداث مشاريع صغيرة في تربية المواشي والدواجن.
تكلفة منخفضة وحاجة للانتشار
ساهمت المبادرة في توفير مياه السقي وبتكلفة منخفضة، حيث كانت حصة واحدة لسقي حقول أحد الفلاحين تكلفه سابقا أزيد من 200 درهم من الكازوال وبعد إحداث الآبار الجماعية المزودة بنظام الطاقة الشمسية لا تتعدى تكلفة الحصة الواحدة 100 درهم، ويخصص جزء من مداخل المشروع لمصاريف التسيير والصيانة.
ويسعى الفلاحون إلى البحث عن دعم للمشروع لتوسيع المبادرة لتشمل مساحات أخرى من حقول جماعة أفرا بواحة درعة للتغلب على الجفاف الذي تشهده المنطقة وتأثير الحريق الذي تسبب في إتلاف أزيد من 6 آلاف نخلة.
كما يهدفون أيضا إلى البحث عن إحداث مشاريع فلاحية أخرى ذات جودة ومردودية عالية مثل توفير أغراس أشجار النخيل من النوع الجيد والمقاومة لمرض البيوض ،وتوفير سلالات جيدة من الماشية مع تمكين الفلاحين من الاستفادة من دورات تكوينية ومواكبتهم لتسييرها، إضافة إلى توفير البذور المختارة الجيدة والأسمدة بأثمنة في متناولهم لتقليص النفقات والمصاريف.
المصدر: العمق المغربي