أكاديميون يراهنون على تنسيق مغاربي أمام تداعيات الانقلابات في الساحل
تطرقت جامعة التنمية الاجتماعية في دورتها الشتوية، المنظمة من طرف مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، يومي الجمعة والسبت الماضيين، إلى موضوع “أزمات المنطقة المغاربية”، وعلى الخصوص ظاهرة الانقلابات العسكرية بالساحل الإفريقي، وتداعياتها على منظومة الدولة بالمنطقة المغاربية.
أهمية التنسيق المغاربي
هذا المحور قدمه عبد الواحد أولاد مولود، أستاذ القانون العام بجامعة القاضي عياض بمراكش، وأبرز فيه أن “آفة الانقلابات تؤثر بالفعل على الدول المغاربية”.
وقال أولاد مولود ضمن مداخلته إنه من خلال “قراءة كرونولوجية لظاهرة الانقلابات في الساحل الإفريقي، أي منذ الستينات من القرن الماضي، سنرى أنها (الانقلابات) تستحوذ على حصة الأسد في القارة السمراء”، مشيرا إلى أنه في “السنوات الأخيرة، عرفت المنطقة تزايدا كبيرا لهاته الظاهرة”.
وأبرز المتحدث أن الانقلابات تسفر عن نتائج تنقسم بين ما هو مباشر، يتمثل في وجود قتلى وجرحى وحروب أهلية، وبين ما هو غير مباشر، يتمثل في شروخ مفهوم الدولة في الساحل بما يؤثر على المحيط المغاربي.
وشرح أستاذ القانون العام هذا الشق بأن “انقلاب مالي أجج أزمة الطوارق، كما عزز دور الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء، حيث بدأ يتقوى تنظيم القاعدة، وظهرت فروع جديدة لتنظيم داعش”، موضحا أن “الإرهاب ليس النتيجة الوحيدة” للانقلابات.
وزارد أن من نتائج الانقلابات العسكرية أيضا، تنامي الهجرة السرية، واللجوء، واندلاع أزمات اقتصادية واجتماعية، موردا أن “مؤشر الإرهاب الأخير يبرز بوضوح أن غالبية الوفيات في منطقة الساحل بفعل الأعمال الإرهابية”، وأن “الدول المغاربية، خاصة موريتانيا والجزائر وليبيا، تأثرت بهذا الوضع بحكم وجود خط تماس مع دول الساحل”.
واعتبر أولاد مولود أن “هذا الوضع يسمح بدخول قوى دولية في منطقة الساحل، سواء من خلال المبادرة الأمريكية أو الفرنسية أو الروسية، وهو ما أثر أيضا على الدول المغاربية، التي تأزم وضعها في ظل غياب التنسيق”.
وفي ظل هذا الوضع، شدد المتحدث سالف الذكر على أن “غياب التنسيق بين الدول المغاربية يسمح بالتدخل الأجنبي في منطقة الساحل، كما أن هاته الدول تأخذ منفردة مبادرات أحادية”، مؤكدا أن “أجندات الدول الأجنبية في الساحل تغيب خصوصية الشعوب الساحلية، وتلعب على وتر المصلحة”.
وأجمل قائلا: “الوقت قد حان لأن تتغلب الدول المغاربية على كل مشاكلها وأزماتها، وتنحو منحى التنسيق المشترك لمحاربة هاته التهديدات المقلقة”.
مواجهة تداعيات الهجرة
اعتبر الأكاديمي أبولاه البشير، في مداخلة بعنوان “هجرة الأزمات وأثرها على الأمن الإنساني المغاربي”، أن “توحيد الجهود بين الدول المغاربية لمواجهة تداعيات هجرة الأزمات، يمكن أن يكون محركا لتفعيل الوحدة في المغرب الكبير”.
وأضاف البشير، ضمن معرض حديثه، أن “التجربة الأوروبية مثال مهم، حيث إن هاته الوحدة القوية اليوم خرجت من رحم المعاناة والحروب الشاملة، إذ قررت أوروبا تجاوز خلافاتها لبناء نموذج رائد”.
وشدد المتحدث على أن “أوروبا هي درس مهم للدول المغاربية، فهاته المنطقة تقع في قلب الهجرة الدولية، وفي الشريط الفاصل بين بلدان المصدر وأوطان الاستقبال”.
“الهجرة حاليا في المنطقة المغاربية تمتاز بالعشوائية، الأمر الذي يؤثر بالفعل على شعوب المنطقة، كما أن دول المغرب الكبير لا تتوفر فعلا على رؤية واضحة لحجم وتأثير هذا التهديد”، يتابع البشير، موضحا أن “هذا الأمر يطرح إشكاليات مهمة حول أسباب غياب التنسيق المغاربي في هذا الصدد”.
بهذا الخصوص، تحدث الأكاديمي ذاته عن “تحول عميق لظاهرة الهجرة بسبب تنامي الحروب في دول المنشأ، خاصة في منطقة الساحل، حيث أصبحت هاته الدول هشة، وتعرف أيضا تدنيا كبيرا في مستويات الأمن الإنساني، مما يؤثر على المنطقة المغاربية، خاصة على المستوى الأمني، حيث تنتشر الجريمة المنظمة، وإمكانية تسلل العناصر الخطيرة المنتمية للجماعات المسلحة والإرهابية”.
واستطرد أبولاه قائلا: “يمكن للهجرة أن تشكل اصطدامات بين الشعوب والوفود المهاجرة كما حدث في مدينة صفاقس التونسية، وتداعيات صحية على الأمن العام”، مبينا أن “وجود تنسيق بين الدول المغاربية سيمكن من تقوية ملفها التفاوضي مع دول الاستقبال، وأيضا تعزيز مسؤوليتها أمام دول المنشأ”.
المصدر: هسبريس