4 قصص ملهمة تنتصر للأمل العربي
لم يكن يتخيل الكثيرون ممن يعرفون العراقي الدكتور محمد النجار (37 عاماً)، أن فقدانه لساقه في عام 2014، سيكون بادرة أمل لكثير من مبتوري الأطراف في العراق، بعد أن حول النجار، المستطيل الأخضر، إلى دافع قوي يجدد عبره الأمل ويستعيد به الثقة بالنفس والحلم بحياة جديدة بعد أن وضعت الحرب في العراق أوزارها.
بدأت الحكاية الملهمة لصانع الأمل العراقي بعد أن فقد ساقه نتيجة تطوعه للقتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث أصيب برصاصة في ساقه نتجت عنها مضاعفات عرضت حياته للخطر، وأدخلته في غيبوبة لأكثر من شهرين، لكنه ما إن استفاق حتى قرر أن يخلق لنفسه فسحة من الأمل مهما ضاقت به الأماكن، حيث قرر تحويل هذا الحادث المفجع إلى ذكريات بعيدة، والانطلاق في مجال العمل الإنساني الذي اتخذه أسلوب حياة ومنهج عمل، وبوصلة ترشده إلى طريق الأمل.
لم يستسلم النجار وبدأ مرحلة التعافي وعاد إلى عمله في وزارة النفط العراقية، وتمكن من الحصول على بعثة لدراسة الدكتوراه في لندن، بعد أن تكيف مع الطرف الاصطناعي الذي تم تركيبه له وبدأ بالعودة للمشي وأداء أعماله اليومية والاهتمام بأسرته.
ورغم انشغال النجار بدراسة الدكتوراه في القانون في بريطانيا عام 2016، إلا أنه لم يفقد يوماً شغفه بكرة القدم، حيث كان يحلم بأن يكون لاعباً يترك بصمة وذكريات لدى الجماهير، إلا أن تنظيم «داعش» الإرهابي أجهض هذا الحلم، لكنه عاد إليه مرة أخرى بعد أن علم أن هناك فريقاً لمبتوري الأطراف في مدينة بورتسموث البريطانية التي يدرس فيها ويحمل الاسم نفسه، فكتب إليهم، وأراد الانضمام إليه، وهو ما حدث بعد ذلك.
بعد أن تحقق حلمه وعاد إليه شغفه، وأصبح جزءاً من فريق بورتسموث، شارك معه في الكثير من المباريات على مدار أربع سنوات هي مرحلة دراسته ببريطانيا، ومن هناك حاول وضع نواة لفريق عراقي من مبتوري الساق، لكن هذه الفرصة لم تحن إلا بعد عودته إلى بغداد.
تمكن صانع الأمل العراقي مع فريق بورتسموث من الحصول على كأس دوري إنجلترا في عام 2018، وقد ازدادت شهرته بين العرب والعراقيين في مدينة بورتسموث بعد حصوله على لقب أفضل لاعب في النادي عام 2019، الأمر الذي حفزه أكثر على نقل التجربة إلى وطنه، بعد أن أعادت له كرة القدم ثقته بنفسه ولياقته البدنية.
لم يكن الأمر سهلاً على صانع الأمل العراقي في بادئ الأمر، لأنه لم يتمكن من إيجاد الأشخاص المطلوبين، حتى قرر أن يكلف زميلاً له، يعمل على صناعة الأطراف الاصطناعية، لنشر الخبر والبحث عن لاعبين، وبالفعل بعد اختبارات عديدة للمتقدمين، اختار نحو 50 لاعباً سبق وأن مارسوا كرة القدم.
خلال هذه الفترة لم يستطع أي من التحديات إيقاف النجار عن خططه، حيث حاول ولأكثر من سنة مع الفريق الذي كانت تراوح أعمار لاعبيه بين 14 و40 عاماً، المشاركة في مباريات ودية دولية عديدة، رغم عدم اعتراف الجهات المعنية في العراق بالفريق في بادئ الأمر، لكن حصوله على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة قدم مبتوري الأطراف سهل المهمة.
ولأن النجار انتهج طريقة العمل بروح الفريق الواحد، نجح الفريق العراقي وخلال عام واحد فقط من مولده في التأهل لكأس العالم لمبتوري الأطراف التي استضافتها تركيا في شهر أكتوبر الماضي، وتمكن من تحقيق ثلاثة انتصارات على منتخبات أوروغواي وإيرلندا وألمانيا، وخسر ثلاثاً أخرى، ووضعت هذه الإنجازات تصنيف فريق العراق لكرة القدم لمبتوري الأطراف في الترتيب الـ19 عالمياً من أصل 70 فريقاً، على الرغم من حداثة التجربة العراقية والتنافس مع فرق لها باع طويل في اللعبة.
بالطبع، لم يكن طريق النجار في هذه الفترة مفروشاً بالورود، بل عمل على إعادة الروح إلى هذه الشريحة المثخنة بالجراح، بعد أن فقد بعضهم الشغف في الحياة وتملكه اليأس، لكنه كان يؤكد لهم دوماً أنهم كما ضحوا بجزء من أجسادهم من أجل الحفاظ على وحدة وأمن العراق سيضحون مرة أخرى، ومرات من أجل رفع اسم دولتهم في المحافل العالمية.
ولم يكتفِ النجار ببث الحماس بين فريق العراق، بل تكفل في بداية الأمر بنفقات الفريق من تأجير ملاعب، وشراء الزي الرسمي، لكن وبمرور الوقت وجد رعاة يودون مساعدة الفريق في خطواته، التي ألهمت عدداً من الأندية العراقية ودفعتها إلى تكوين فرق محلية لكرة القدم لمبتوري الساق.
مواقع التواصل.. بوابة للعطاء
حوّل صانع الأمل المغربي أمين إمنير حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى بوابة جديدة للعطاء، بهدف تحسين نوعية الحياة والارتقاء بالمستوى المعيشي للأسر الأقل حظاً في المملكة المغربية، ورغم إيمانه بأن هذا الطريق ليس سهلاً، لكنه لم ييأس وأصرّ على مواصلة صناعة الأمل، حيث يؤكد دوماً أنه نذر حياته لمساعدة أبناء بلده.
تبنّى صانع الأمل المغربي رئيس جمعية أفتاس للتنمية والتعاون، الكثير من المبادرات والحملات الإنسانية التي تسعى إلى التخفيف من معاناة أبناء وطنه، حيث يقوم بتنظيم العديد من الحملات الإغاثية لتوزيع المساعدات على المحتاجين في المملكة المغربية، إذ تشمل هذه المساعدات الإغاثية توزيع الأضاحي والسلال الغذائية وحفر الآبار وبناء الجسور وغيرها من أعمال الخير.
لا يكل صانع الأمل أمين إمنير ولا يمل في العمل على توفير المساعدات المالية من فاعلي الخير في أنحاء البلاد كافة، من أجل استخدامها في توزيع المواد الغذائية للمحتاجين وحفر الآبار في المناطق النائية والقرى، وحتى تأمين المساعدات الطبية والأدوية وإجراء العمليات المجانية للمرضى وكبار السن، وغيرها من الأمور.
ويحرص إمنير على توثيق نشاطاته الإنسانية كافة عبر قناته «فيسبوكي» على يوتيوب، من أجل تحفيز الآخرين للسير على دروب العطاء، ونشر ثقافة العمل الإنساني عبر نقل صور بسيطة وعفوية من المبادرات الإنسانية التي تعمل عليها جمعيته، والتي استفاد منها أكثر من 150 ألف شخص في مختلف مدن المملكة المغربية.
وحققت جمعية أفتاس للتنمية والتعاون، عدداً من الإنجازات منها توزيع 800 أضحية على العائلات المحتاجة منذ عام 2020، وحفر أكثر من 100 بئر وتوزيع أكثر من 1000 لوح لإنتاج الطاقة الشمسية، وتوزيع أكثر من 4500 سلة غذائية على الأسر المحتاجة والأرامل والأيتام، وتشييد جسر فوق واد لفك العزلة عن ثلاث مناطق تتعرض لفيضانات، وإجراء 217 عملية جراحية خلال 2023، وزراعة 2800 شجرة مثمرة.
أم اليتيمات
تجسد تجربة المصرية فتحية المحمود الملقبة بـ«أم اليتيمات» و«ماما فتحية»، نموذجاً ملهماً لاحتضان الأمل وتنشئته في مراحل تكوينه الأولى، من منطلق إيمانها بأن تعهد رعاية صناعة الأمل منذ مرحلة الطفولة يثمر عطاء في الكِبر، الأمر الذي دفعها لاستقبال 34 طفلة يتيمة في بيتها، لتكتب منذ عام 2005 فصول قصة سيدة ملهمة ونموذجاً لجنود الخير الذين وهبوا حياتهم لخدمة الفئات الأقل حظاً.
تزوجت فتحية المحمود، قبل 30 عاماً، ولكنها لم تُرزق بأطفال، ورغم أنه كان حلمها الوحيد إلا أنها رضيت بقضاء الله وقدره، لكن وأمام رغبتها الكبيرة هي وزوجها في سماع كلمة «ماما وبابا»، قررا تبني 34 فتاة، والإشراف على رعايتهن وتعليمهن وتربيتهن، معتمدين في ذلك على مدخراتهما التي جمعاها من رحلة عمل طويلة في بلاد الغربة.
بدأت حكاية «ماما فتحية» التي أسست جمعية لمسة أمل لرعاية الأيتام، للاعتناء بالفتيات، أثناء وجودها في عزاء صديقتها، حيث شاهدت ابنتها وهي تجتهد في الدعاء لها، وهنا تبادر إلى ذهنها سؤال «من سيدعو لي بعد وفاتي؟!»، فوجدت أن هناك الكثير من الأطفال الأيتام بلا مأوى، ولا توجد دور كافية تحتويهم وتعتني بهم، وتمنحهم الاهتمام اللازم والحضن الدافئ لتخرج من داخلهم مواهب وطاقات تجعلهم مميزين بين أقرانهم في المجتمع، وتحقق لهم التوازن بين حالتهم النفسية والاجتماعية، فقررت البحث عن أطفال لكي تتبناهم.
ورغم أن مسؤولية تربية 34 فتاة بعضهن وصل إلى مرحلة سنية تحتاج إلى رعاية خاصة، أمر ليس بالهين ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، إلا أنها تجد في تلك المسؤولية الثقيلة متعة خاصة، حيث تحرص على القيام بكل واجباتها تجاه بناتها بكل شغف ودقة.
تعمل «ماما فتحية» على غرس ثقافة العطاء في بناتها الـ34 من منطلق إيمانها بأن كل جهد شخصي يبذل في العطاء وفعل الخير سيحدث فرقاً كبيراً في حياة المجتمعات والمحتاجين، وسيعود على فاعله بسعادة غامرة لا تعادلها كنوز العالم، وهو ما كان دافعاً وحافزاً لها على امتلاك المعرفة بشؤون التربية وتفاصيلها، وكيفية تقديم الرعاية المناسبة لهؤلاء البنات في البداية، الأمر الذي ساعدها على تجاوز الكثير من الضغوط النفسية والتحديات، حيث تعلمت من التجربة لدرجة أكسبتها القدرة على فهم احتياجات بناتها فقط من نظرة عين. يبدأ يوم «ماما فتحية» بعد صلاة الفجر، بعد أن قررت أن تكون هي وزوجها
فقط المسؤولان عن تربية بناتهما، وذلك بعد أيام وليالٍ من التدقيق قضياها في اختيار من يتولى شؤون البنات، وكذلك مديرات للمنزل، والأمهات البديلات، حيث انتهت رحلة البحث إلى قناعة شخصية من جانبهما بأنه لن يعتني أحد ببناتهما بالشكل الكافي غيرهما، فتوليا في مقر «لمسة أمل» تفاصيل تربية الفتيات كافة.
لم تكتفِ «ماما فتحية» بتأسيس جمعية لمسة أمل لرعاية الأيتام، بل عملت هي وزوجها على تكريس جهودهما لتحسين الرعاية الصحية للأيتام وأصحاب الهمم، عبر إنشاء مستشفى مجاني في منطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة يوفر الرعاية الصحية لهذه الفئات.
ماما المحاربين الصغار
لم تكن تعرف صانعة الأمل العراقية الدكتورة الصيدلانية تالا الخليل، أن اللحظة التي تطلب فيها إحدى الأمهات مساعدتها لإقناع طفلها بتناول طعامه وعلاجه، ستكون فارقة في مسيرة حياتها، فبعد أن تعلمت في دراستها خلط المركبات للحصول على دواء يعالج أوجاع البشر، أدركت أنها منذ هذه اللحظة أن عليها تعلم خلط أنواع أخرى من المركبات التي تعالج أرواح من أطلقت عليهم اسم المحاربين من الأطفال أصحاب الهمم، حيث كتبت معهم فصول قصة ملهمة بدأتها بتأسيس «أكاديمية المحاربين» في البصرة، وهي مؤسسة مجانية لرعاية ومساعدة الأطفال من أصحاب الهمم في العراق.
استهلت تالا الخليل رحلتها مع عالم صناعة الأمل في عام 2015، عندما خصصت «كرفاناً» في مستشفى الأطفال التخصصي في البصرة لاستقبال مرضى السرطان من الأطفال لغرس الأمل وتجاوز الكثير من التحديات التي أبرزها عدم قدرتهم على استكمال الدراسة، أو الاندماج في المجتمع، أو حتى إيجاد مساحة أمل لحياتهم؛ لأنهم محاطون فقط بالمرض والدواء، وجدران المستشفى الصماء، فكان هذا «الكرفان» بمثابة فسحة جديدة، أعادت إلى قلوبهم الأمل، ومن هنا جاءتها فكرة تأسيس مشروع الأكاديمية.
جاءت فكرة الأكاديمية بعد أن تعرضت صانعة الأمل تالا الخليل لصدمة، نتيجة طلب إحدى الأمهات إقناع طفلها بتناول علاجه، وبعد محاولات عديدة منها دون استجابة، أبلغتها الأم أن طفلها صاحب همة أصم، الأمر الذي سيطر على تفكيرها وطرح لديها الكثير من التساؤلات التي بحثت عن إجابات لها، والتي مثلت لها في الوقت نفسه حافزاً بأن تنشئ مؤسسة متخصصة لعلاج أصحاب الهمم وكان ذلك في عام 2018، والآن ترعى وبمجهود شخصي منها أكثر من 200 طفل من مصابي متلازمة داون والسرطان.
نجحت تالا الخليل في الحصول على دعم من البنك المركزي العراقي، لتوفير مبنى مؤثث بشكل متكامل لمدة ثلاث سنوات، حيث انطلقت الأكاديمية في البداية بـ100 محارب من المرضى وأصحاب الهمم، تسعى إلى إعدادهم لمواجهة تحديات الحياة بكل ثقة في النفس.
ولم يكن الطريق سهلاً أمام تالا الخليل التي واجهت الكثير من التحديات، والتي تمكنت من التغلب عليها، حتى توفر لمنتسبي الأكاديمية من الأطفال الذين ينادونها بـ«ماما» مقراً آمناً وظروفاً صحية ونفسية جيدة، الأمر الذي ساعدها على سرعة اكتشاف مهاراتهم والتركيز عليها، وتطويرها، من أجل وضعهم على الطريق الصحيح.
تعمل صانعة الأمل تالا الخليل على تقديم الدعم النفسي للأطفال لإيمانها بأن هذا الدعم يرفع نسبة الشفاء، وأنّ للحالة النفسية الجيّدة كبير الأثر في تقوية جهاز المناعة، ومقاومة هذا المرض الشرس، ومن أجل ذلك استخدمت الفنون لرفع مناعة الأطفال المصابين بالسرطان أو متلازمة داون.
معايير وشروط
سجلت الدورة الرابعة من مبادرة «صناع الأمل» التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، أكثر من 58 ألف مشاركة.
وتوزعت مبادرات ومشروعات «صناع الأمل» على قطاعات ومحاور متعددة، إذ تصدرت المبادرات المعنية بخدمة المجتمع العدد الأكبر من المشاركات بـ14.060 مشاركة، تلتها مبادرات المساعدات الإنسانية والإغاثية بـ12.726 مشاركة، ثم نشر التعليم والمعرفة بـ6311 مشاركة، ومبادرات تمكين الشباب بـ5303 مشاركات، والقصص الملهمة بـ5018 مشاركة، ومبادرات الصحة ومكافحة الأمراض بـ3505 مشاركات، والثقافة والفنون بـ2592 مشاركة، ومجالات أخرى بـ8784 مشاركة.
وخضعت الترشيحات كافة لعملية فرز وتقييم، وفق معايير وشروط حكمت اختيار صناع الأمل المؤهلين للقب.
• العراقية تالا الخليل تداوي أرواح أطفال متلازمة داون والمصابين بالسرطان.
• العراقي محمد النجار يعيد الأمل لمبتوري الأطراف من ضحايا الحروب.
• المغربي أمين إمنير يحوّل مواقع التواصل الاجتماعي لبوابة جديدة من العطاء.
• المصرية فتحية المحمود تنتزع بجدارة لقب «أم اليتيمات».
المصدر: الإمارات اليوم