اخبار السودان

إتفاق المنامة (مبادئ التسوية بين الجنجويد والحركة الإسلامية)

د. أحمد عثمان عمر المحامي

(1)

مازلنا في إطار مفارقات الحرب وتراجيدياها وكوميدياها السوداء، وفي إطار إصرار طرفي الحرب على تقرير مصير البلاد سلماً أو حرباً، بحيث إنتقلا من الاتفاق على ترتيبات حماية المدنيين بمنبر جدة، إلى مرحلة الاتفاق السياسي الشامل في إتفاق المنامة السري المعلن، والمنكور المعترف بنتائجه ونقاطه الإثنين والعشرين. فبعد مناورات وإنكار من قبل قيادة الجيش المختطفة له لمصلحة الحركة الإسلامية ومن يدعمها من إعلام رسمي وغيره، أصبح إتفاق المنامة حقيقة واقعة تمشي على قدمين، تعكس موقف الطرفين المتحاربين بعيداً عن الدعاية والدعاية المضادة وأدوات التضليل. وهو في جوهره إعادة لهيكلة الدولة بتجاوز نتائج الحرب دون محاسبة ودون معالجة لتداعياتها، بالهروب للأمام عبر تحديد ملامح النظام القادم، توطئة لإقتسام السلطة في مرحلة إنتقالية غير موصوفة أو محددة المعالم، أساسها هيمنة الطرفين المتحاربين عبر تحديد طبيعة الدولة حتى لفترة ما بعد الإنتقال.

(2)

نص الاتفاق على وحدة البلاد، وعلى أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات، وعلى ضرورة معالجة شاملة للأزمات التراكمية ، ووصف الحكم بأنه مدني ديمقراطي عبر انتخابات حرة نزيهة، وعلى دولة تقف على مسافة واحدة من الأديان والثقافات ونظام حكم فيدرالي، وكذلك على بناء جيش واحد مهني وقومي، ضمن للجنجويد والحركات المسلحة مقعداً مريحاً فيه، والأغرب من ذلك أنه نص على تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م في كافة مؤسسات الدولة، مع الإلتزام بالعدل والشفافية ، وعلى عدالة إنتقالية تشمل المحاسبة والحقيقة والمصالحة وجبر الضرر والإصلاحات المؤسسية، وعلى إنتهاج سياسة خارجية متوازنة، وعلى القبض على الفارين من السجون وتيسير مثول المطلوبين من المحكمة الجننائية الدولية، وعلى حوار شامل يستثني فقط المؤتمر الوطني وواجهاته، وعلى رفع المعاناة عن المواطنين ومعالجة الكارثة الإنسانية والإقتصادية وآثارها الاجتماعية.

(3)

والسمات العامة لهذا الاتفاق، أهمها هو تجاهل الحرب وأسبابها و إسهام طرفيها فيها، والجرائم التي إرتكباها أثناءها، وتحميل الأطراف المسئولية والإعتراف بما إرتكبته أياديهما الآثمة، مع تحليل سياسي يوضح طبيعة الأزمة ومسبباتها وسبل معالجتها، ورفض الخروج من المعادلة السياسية والسماح لشعب السودان بتقرير مصيره بنفسه، والإصرار على صناعة مستقبله من نفس القوى التي أذاقته مر العذاب ودمرت دولته. ومن تلك السمات ، مخاطبة جميع القضايا العامة من منظور السلطة التنفيذية السياسية، دون التعرض لفترة الإنتقال ومؤسساته بصفة عامة، ودون تصدي لدور الجماهير فيها عبر مؤسسة تشريعية تمثل إرادة الشعب، مع تغييب متعمد للحديث عن المؤسسات العدلية وخصوصاً القضاء الذي يجب أن يتصدى لموضوع المحاسبة، الذي ورد بشكل خجول ضمن عناصر العدالة الإنتقالية، التي من المستحيل أن تحدث دون حدوث إنتقال مستحيل بوجود الطرفين المتحاربين في المعادلة السياسية، وإبعادهما من جميع مؤسسات السلطة الإنتقالية، بإعتبارهما الجهة الرئيسة التي يجب إخضاعها للعدالة ولمبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

(4)

ومن السمات المهمة التي تعكس مدى التنازلات التي قدمتها الحركة الإسلامية في دلالة واضحة على فشلها في تحقيق أهدافها كاملة من الحرب، قبولها بإعادة القبض على قياداتها الهاربة من العدالة ضمن من سيتم إعادتهم للسجون، مع قبول مثول المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، وقبول تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م، ولكن يجب ملاحظة أن ذلك كله يأتي في إطار إحتواء الثورة، والقبول بهذه الحركة الإجرامية كمقرر لمصير الشعب السوداني عبر واجهة قيادة الجيش المختطف. وهذا تراجع واضح من محاولة تصفية الثورة عبر الحرب، إلى موقع الإحتواء بالمشاركة مع الجنجويد مجدداً، في إنتظار إلتحاق الشق المدني التسووي بهذه التسوية بعد إكمال ورشه النشطة هذه الأيام للإلتحاق بركب هذه التسوية المعيبة مجدداً. وعيبها بالطبع مفضوح، فهي تقوم على تمكين الطرفين المتحاربين من رسملة نتائج الحرب، وتعيد تأهيلهما كطرفين أساسيين في المعادلة السياسية، وتمنع من محاسبتهما على الحرب والجرائم المرتكبة من قبلهما، ويهزم شعار الثورة العظيم ” الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”. فهل سيقبل شعبنا بهذه النتيجة غير العادلة؟ يقيننا أن الإجابة هي لا. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!

24/2/2024م

 

 

Sincerely,

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *