مواقف متضاربة تعكس أزمة داخل قيادة الجيش السوداني
عكست المواقف المتضاربة لقيادة الجيش السوداني حالة من التخبط والارتباك، ففيما يستمر قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في تكرار رفضه لأي سلام أو تسوية قبل انتهاء ما يسميه “تمردا” يقوم نائبه ملك عقار بجولة أفريقية يروج من خلالها لخطة سلام.
وتقول دوائر سودانية إن التضارب الحاصل يعكس عدم امتلاك قيادة الجيش أي تصور أو رؤية واضحة حيال مآلات الصراع الدائر منذ منتصف أبريل الماضي مع الدعم السريع، وسط تصاعد الأصوات الأممية المحذرة من انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.
وتوضح الدوائر أن غياب موقف موحد يعكس عدم مركزية القرار داخل الجيش، وإن كانت بعض الآراء ترى بأن ما يحصل هو عملية تبادل أدوار بين القيادات، بين طرف يتشدد، وآخر يبدي بعضا من المرونة.
وتستشهد تلك الآراء بمواقف نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي الذي تم إيفاده قبل فترة إلى العاصمة البحرينية المنامة لعقد لقاءات مع وفد من الدعم السريع، وظهر حينها الكباشي كرجل سلام قبل أن يعود سريعا إلى عهده ويتوعد باللاسلام، كاشفا عن ارتباط الجيش بالإسلاميين.
نفس الأمر بالنسبة إلى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الذي توجه الأربعاء في جولة أفريقية، متحدثا عن خطة سلام سيجري عرضها قريبا، مهاجما في الآن ذاته الدعم السريع، متهما إياها بأنها أداة بيد قوى تريد احتلال السودان. واستهل عقار جولته بزيارة إلى أوغندا، الأربعاء، رافقه فيها وكيل وزارة الخارجية حسين عوض علي وقادة عسكريون، حيث كان للوفد لقاء مطول مع الرئيس يوري موسفيني.
وقال عقار في تصريح صحفي، إنه اتفق مع موسفيني على “خطة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة”. وأشار إلى أن حكومة السودان راغبة في إنهاء الحرب وتسعى إلى تحقيق هذا الهدف.
ولم يفوت نائب البرهان فرصة مهاجمة الدعم السريع قائلا إن الحرب الحالية تُعتبر حربا استعمارية استهدفت المواطنين السودانيين، مبديًا امتعاضه مما وصفه بحملة لتسويق أن الصراع الذي تخوضه الدعم هو من أجل الديمقراطية.
واعتبر الباحث والمحلل السياسي السوداني محمد تورشين أن التصريحات المتناقضة بين القيادة العسكرية للجيش والقيادة السياسية التي يمثلها عقار في مجلس السيادة تأتي في إطار الصراع وتباين المواقف بين الرؤى التي تدعو إلى الحسم مع قوات الدعم السريع عسكريًا، وبين وجهات نظر أخرى تسعى للتوصل إلى اتفاق أو تسوية سياسية بين الطرفين.
وأضاف تورشين في تصريح لـ”العرب” أن المسألة يمكن قراءتها في أكثر من زاوية، إذ أن التناقض يوظفه الجيش لكسب المزيد من الوقت كي يتسنى له اتخاذ ترتيبات أكثر فاعلية لمساعدته على تنفيذ خطته العسكرية الساعية للانقضاض عسكريا على قوات الدعم السريع، وأن هناك تيارا واسعا داخله بخاصة من المجموعات المستنفرة المساندة له في العمليات الميدانية تدعم هذا التوجه، وهو ما تترجمه تصريحات البرهان بشكل مستمر والتي يدعو فيها لمواصلة القتال. وكان البرهان صرح خلال زيارة الخميس لولاية كسلا في إطار جولاته الولائية للوحدات العسكرية بأن ما أسماها بمعركة “الكرامة” ستنتهي بدحر التمرد وهزيمته نهائيا.
وقال إن القوات المسلحة لبلاده تتقدم في كافة المحاور وقريباً ستلتقي كل القوات في كل شبر من أرض الوطن، لكن متابعين يشككون فعلا في حقيقة التقدم ويعتبرون أن تصريحاته تندرج في بروبغندا دعائية للحفاظ على تماسك الجيش، لاسيما في ظل تنامي تيار داخل المؤسسة العسكرية يميل إلى التفاوض.
وأكد المحلل السوداني تورشين أن هناك بعض التيارات داخل الجيش لديها رغبة في الوصول إلى تسوية سياسية يروج لها مالك عقار حاليًا وظهرت من خلال مشاركة الفريق شمس الدين الكباشي في مفاوضات المنامة مع وفد من الدعم السريع، وأن تلك التحركات تهدف للتأكيد على أن الجيش لديه الرغبة في أن يدخل في مباحثات سلام مع الدعم السريع مع الأخذ في الاعتبار لأن تُفضي تلك المفاوضات إلى انتيجة مرضية، وفي حال فشل تحقيق الهدف سوف يكون الارتكان إلى خيار الحرب من جديد.
العرب اللندنية
المصدر: صحيفة الراكوبة