ما عشته في غزة هو الأسوء طيلة 25 عاما من تجربتي بمناطق الحروب
بعد شهر قضاه داخل “جحيم” غزة، وتحت القصف والقتل والدماء والأشلاء، خرج زهير الهنا، الطبيب المغربي المتخصص في الجراحة النسائية والتوليد، من القطاع المنكوب، راويًا مشاهد مروعة عاشها مع المدنيين الجرحى والجوعى والنازحين.
الطبيب المغربي الذي يكرس حياته للعمل الإغاثي التطوعي في عدد من بلدان العالم التي تعرف حروبا وأزمات، أمضى زهاء شهر متطوعا في علاج الحوامل والأطفال الرضع داخل مستشفيات مدينة رفح، خاصة مستشفى الأم والطفل، حيث أشرف على عدد كبير من العمليات الجراحية والولادة.
كشف الطبيب الهنا لجريدة “العمق”، أنه بعد شهر في غزة، طُلب منه أخيرا الخروج من القطاع، مشيرا إلى أن ما عاشه في القطاع كان الأسوء طيلة 25 عاما من تجربته في مناطق الحروب النزاعات، معتبرا أن ما يقع في غزة سيبقى وصمة عار إلى الأبد.
يقول الطبيب المغربي: “مر شهر بسرعة، وشعرت في الأيام الأخيرة بأني لم أفعل الشيء الكثير، ولازالت لدي عدد من الأشياء التي لم أفعلها والتي تتحدى الواجب الطبي. فالناس في حاجة لكل شيء من الأكل والمأوى والملابس، ناهيك عن احتياجهم للماء والاستحمام وحليب الرضع وحفاظات الصغار”.
وأوضح أن زميله الدكتور “باسكال” كان يود كذلك أن يمدد معه فترة الإقامة في جنوب غزة، “لأنه أحس بنفس الشعور وتألم لآلام الناس وفرح بفرح الأطفال” وفق تعبيره.
وأضاف الهنا: “لا أستطيع أن أصف لكم شعوري وأنا في فندق بالقاهرة في أمان، لا أسمع رنين الطائرة بدون طيار ولا دوي القصف، ولا أحس أنه من الممكن أن تقصف سيارة الإسعاف التي تنقلني يوميا بين المستشفيات، وأن تقصف سيارة أو شخص بجانبي وأكون ضحية مباشرة أو غير مباشرة، لا يمكن أن أصف معنى الأمان لمن لم يعش الرعب والخوف”.
الهنا الذي نسقت جمعية “رحمة حول العالم” عملية دخوله رفقة أطباء آخرين، وهي التي طلبت منهم الخروج خوفا على حياتهم، أضاف في حديثه للجريدة: “لا أريد الكلام عن النصف مليون غزاوي المحاصرين في الشمال، والذي يعاني كل الويلات، بما فيها الجوع”.
وتابع قوله: “ودعنا الكبار والصغار كما استقبلونا أو أشد حرارة، بالأحضان وابتسامات الأطفال العفوية والبريئة”، مردفا: “أكتب هاته الكلمات وينتابني شعور بالأسى والتقصير، يتعصر قلبي وتغمرني أحاسيس مختلفة يصعب علي التعبير عنها”.
واسترسل قائلا: “سأعود لتطمئن والدتي وأحضن أبنائي ثم أعمل بكل وسعي لأخبر من يريد أن يسمع بما هو أصلا يعلمه. فنحن الأطباء، بعد العمل، نشهد بما نرى حتى نساهم، كل حسب قدرته، في إيقاف العدوان وإيجاد حلول للمدنيين العزل”.
وختم قوله: “منذ 25 سنة وأنا أجوب أماكن النزاعات والحروب، إن ما يعيشه الناس في غزة هو أسوء ما عايشته، هذا ولم نتمكن بعد من الذهاب للشمال. ما يقع بهاته الأرض وتحت أنظار العالم سيبقى وصمة عار للأبد، وسينتج آثارا لا يعلمها إلا الله”.
وكان الهنا قد كشف في تصريح سابق لجريدة “العمق”، عن مشاهد مروعة لما يحدث داخل مستشفيات مدينة رفح جنوب قطاع غزة، داعيا إلى إقامة ممر آمن لإنقاذ أرواح المدنيين والمصابين.
وقال في تصريحه للجريدة، يوم 16 فبراير الجاري، إن هناك حوالي 50 ألف حالة حمل في القطاع، لافتا إلى أن الولادات الطبيعية في هذا المشفى تتراوح ما بين 15 إلى 20 حالة في اليوم، في حين أصبحت بعد الحرب ما بين 70 إلى 80 حالة ولادة.
وأبرز لهنا أن العمليات القيصرية المرتبطة بالولادة، انتقلت من 3 إلى 4 قبل الحرب، لتصبح اليوم ما بين 20 إلى 30 عملية، مسجلا ارتفاعا كبيرا في نسبة الإجهاض والولادة المبكرة وتسمم الحوامل ولادة الأطفال الخدج.
وأشار إلى أن هذا الوضع يتسبب في ارتفاع العمليات القيصرية، رغم جهود الأطباء وانضمام أطقم طبية أخرى من مستشفيات الشفاء وناصر والمحافظة الوسطى لمساعدة أطقم الجنوب في رفح.
وتابع قوله: “لكن المساحة هنا لا تسمح، نتوفر على قاعتين للعمليات الجراحية فقط وقسم لرعاية الخدم يضم 11 سريرا”، مسجلا ارتفاعا في عدد وفيات الخدج والأمهات الحاملات بسبب ظروف الحرب.
وكشف المتحدث أن الولادات تمر بطريقة سريعة، حيث تخرج النساء بعد 6 ساعات فقط من الولادة، فيما تخرجن من العمليات القيصرية بعد 24 ساعة فقط، وأكثرهم يعدن إلى الخيم.
وأردف قائلا: “مما زاد الأمور صعوبة، الهجوم النفسي قبل العملي على رفح، الناس هنا في حالة ارتباك ولا يعرفون إلى أين يذهبون، هل إلى المحافظة الوسطى أم إلى البحر، الكل يبحث عن خيمة ومكان آمن، ولكن مع الأسف ليس هناك مكان آمن”.
ورصد الطبيب المغربي أن هناك 150 شهيدا كل يوم تقريبا في القطاع المحاصر، مشددا على ضرورة توقف الحرب لكي يأخذ السكان أنفاسهم رغم أن القطاع مدمر، خاتما قوله: “نتمنى ممرا آمنا حتى يتسنى للناس حماية أنفسهم وأبنائهم”.
ولهنا معروف بتدخلاته السريعة في مناطق الحروب والكوارث والأزمات لإنقاذ أرواح المرضى، حيث عمل طبيبا متطوعا في عدد من دول العالم، خاصة قطاع غزة وسوريا وأفغانستان واليمن والعراق.
فالطبيب المغربي الذي درس في المغرب وعمل في فرنسا متخصصا في الجراحة النسائية، وأستاذا مساعدا بجامعة باريس، له تجربة تزيد عن 25 سنة في إنقاذ أرواح المدنيين في ساحات الحروب والكوارث والأزمات.
المصدر: العمق المغربي