تواتر محاكمات “مؤثرين ويوتوبرز” .. محاولة ضبطٍ أم انتهاك لحرية التعبير؟
تعيش الساحة الوطنية على إيقاع عدد من المحاكمات التي تطال مجموعة من “اليوتوبرز” الذين يحظون بمتابعة واسعة من طرف المغاربة، وذلك بعد تقديم شكايات ودعاوى ضدهم أمام القضاء بسبب “التشهير” و”المس بالحياة الشخصية”، من مواطنين يجعلون منهم مواضيع للفيديوهات التي ينشرونها في قنواتهم الخاصة، وتدر عليهم مبالغ مالية مهمة.
وفي فصل جديد من فصول هذه القضية بالمغرب، قضت المحكمة الابتدائية بأكادير، بحر الأسبوع الجاري، بمؤاخذة “اليوتوبر” محمد رضا طاوجني من أجل ما نسب إليه، وحكمت عليه بسنتين حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة قدرها 20 ألف درهم، وأداء درهم لفائدة المطالب بالحق المدني.
وتوبع طاوجني بتهم انتحال مهنة ينظمها القانون، وإهانة موظف عمومي، وحالة العود في بث ادعاءات ووقائع كاذبة من شأنها المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم؛ إضافة إلى تهمة تسجيل وبث صور شخص دون موافقته، وهي الأفعال التي يقترفها الكثير من أصحاب القنوات النشطة على موقع “يوتيوب”.
في تعليقه على الموضوع، يرى الحقوقي عادل تشيكيطو أن المغاربة “سواسية أمام القانون، وليس هناك أي مواطن محصن ضده، سواء كان صحافيا أو حقوقيا أو ناشطا من مجالات التعبير عن الرأي”، مؤكدا أنه “لا يجب أن تتخذ هذه المجالات ذريعة لتحصين شخص معين وعزله ليبقى خارج القانون”.
وأضاف تشيكيطو، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لا يمكن لأي شخص أن يتخذ الصحافة منصة للتشهير بالمواطنين، ولا يمكن أن ندافع عنه كمنظمات حقوقية”، مشددا على أن “هؤلاء الأشخاص يفترض أن يمتثلوا للقانون، وإن كنا نعتبر أن هذا القانون فيه مقتضيات نرفضها، ولكن ليس لنا الحق في ارتكاب سلوك خارجه”.
وأورد الحقوقي ذاته: “في المقابل هناك مجموعة من المواطنين يعبرون عن رأيهم ويتم الانتقام منهم عبر متابعتهم في قضايا بعيدة عن قضايا الرأي والتعبير”، لافتا إلى أن “الساحة الحقوقية فيها عدد من الأمثلة لأشخاص ينشطون في مجال التعبير، يتابعون في قضايا تتعلق بالحق العام”، ومتسائلا: “هل هذه صدفة؟”.
وزاد المتحدث موضحا أن “الذي يحرض على هذه المقاربة يغامر بالصورة الحقوقية للبلاد، والصورة التي تريد أن تقدمها الدولة أمام الرأي العام الوطني والدولي”، مشددا على ضرورة العمل على محاكمة المتهمين في قضايا التعبير بقانون الصحافة والنشر وليس بالقانون الجنائي.
من جهته، أفاد المحلل السياسي سعيد بركنان بأن “الدولة تعمل من خلال هذه القضايا والملفات على إعادة تصحيح المسار في التعاطي مع الشبكات والجرائم التي تعج بها”، مسجلا أن “هذا الأمر انتقائي وإلا سنكون أمام آلاف القضايا اليومية المتعلقة بالاتجار بالبشر والسب والقذف والتحريض على الفساد والتشجيع على المثلية وغيرها”.
وأضاف بركنان أن “عدم حرص الدولة على فتح جميع القضايا التي تثار في وسائل التواصل وقنوات ‘يوتيوب’ الخاصة يرجع أساسا إلى الكلفة المالية التي يتطلبها التحكم في هذا النوع من القضايا”.
واعتبر المحلل السياسي ذاته أن “الدولة بفتحها هذه القضايا والملفات لا تضيق لا على حرية التعبير، وإنما تعيد إصلاح بعض الأخطاء في التشريع القانوني، حتى انفلت الأمر في الشبكات الرقمية والقنوات الخاصة”، مبينا أن الضربات التي وصفها بـ”الانتقائية” محاولة لضبط ملفات وقضايا تحظى باهتمام الرأي العام.
كما سجل بركنان أن “المغرب حتى لو ضاعف المحاكم الموجودة من أجل متابعة المخالفات التي يعرفها الفضاء الرقمي والقطاع السمعي البصري الخاص فلن يستطيع مواكبتها، لأن القضايا بالآلاف يوميا”.
وشدد المحلل ذاته على أن “هذا الموضوع يحتاج إلى جرأة سياسية في التعامل معه، وهي المسألة التي يفتقد إليها المشرع المغربي”، موضحا أن “التلويح بفرض الضرائب في وقت سابق لم يجد طريقه إلى التنفيذ”.
وأشار المتحدث إلى أن “ما يوسع دائرة صناعة المحتوى وقنوات ‘يوتيوب’ هو أنها مدرة للدخل، وتمثل هاجسا لصناعة الجريمة”، مؤكدا أن “الحكومة مطالبة بفرض ضرائب على مداخيلها وتحتاج إلى جرأة سياسية”.
واستدرك بركنان: “بعض القطاعات الحكومية اعتمدت على مجموعة من المؤثرين بدلا من الجرائد الوطنية من أجل الإشهار والترويج لبعض المشاريع أو الملفات”، مؤكدا أن “هذا الخطأ ساهم في الترويج لهذا التوجه”، ومجددا التذكير بأن “إيقاف هذا الأمر يتطلب جرأة من السياسيين”.
المصدر: هسبريس