“جوع وسوء تغذية”.. شبح الموت يحوم حول نازحي مخيمات دارفور
فقدت “فانية أبكر علي”، أحد أطفالها بسبب الجوع في مخيم “كلمة” للنازحين بولاية جنوب دارفور، بينما يعاني اثنان من إخوته الآخرين من سوء التغذية الحاد الناتج عن الجوع الذي يضرب مخيمات النزوح في الإقليم المضطرب غربي السودان، خاصة مخيمات جنوب وشمال دارفور.
يتعين على، “فانية” البالغة نحو (53) عاماً، الحصول على الغذاء لإطعام أطفالها الست الذين تدهورت صحتهم، وذلك في ظل صعوبة الحصول على الغذاء؛ بسبب تداعيات الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع على النازحين في دارفور.
ومع استمرار القتال في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى، ترتفع صيحات طلب الاستغاثة بسبب الجوع في مخيمات النازحين، وسط تحذيرات المنظمات الإنسانية الدولية من وضع غذائي كارثي.
تقول “فانية” التي تقيم بمخيم “كلمة” أكبر مخيمات النازحين بجنوب دارفور، في مقابلة مع (عاين) إنهم “يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم تتكون من طحين الذرة وماء والملح في أغلب الأحيان”. وأشارت إلى أنها كانت تعمل في صنع الطوب والفحم، إلا أن عملها توقف بسبب الحرب، وبجانب ذلك توقفت معه المعينات المالية والغذاء الذي كانت تقدمه لهم المنظمات الإنسانية.
وباتت فانية، واحد من بين آلاف النازحين والنازحات المحاصرين؛ بسبب حرب السودان بمخيمات النزوح في دارفور، وهم يواجهون شبح الجوع ونقص الغذاء، ويموت أطفالهم أمام أعينهم كل يوم وهم لا يستطيعون فعل شيء.
أرقام صادمة
“حوالي (800) ألف نازح بمخيمات ولاية جنوب دارفور يحاصرهم خطر الجوع وسوء التغذية الحاد، في وقت لا يوجد بريق أمل لوصول أي مساعدات إنسانية في القريب العاجل، جراء المواجهات العسكرية المستمرة بين الطرفين”. يقول مفوض العون الإنساني بولاية جنوب دارفور، صالح عبدالرحمن لـ(عاين).
ويتابع: “معظم حالات الوفاة وسط الأطفال والنساء الحوامل خاصة في مخيم كلمة، ناتجة عن سوء التغذية والأمراض المتعلقة بنقص الغذاء”. ولفت إلى أن المخيمات في حاجة ماسة لغذاء الطوارئ الخاص بالأطفال دون سن الخامسة من أي وقت مضى.
وأشار المسؤول الحكومي، إلى أن منظمات إنسانية رصدت حالات وفاة بسبب سوء التغذية والجوع، تصل إلى (20 29) حالة وفاة شهريا، بمخيم كلمة، وسط مؤشرات تضاعف حالات الوفاة خلال الأشهر القادمة، متوقعاً وصولها إلى 23 حالات وفاة لطفل يومياً خلال شهر فبراير الجاري، إضافة إلى النساء وكبار السن، في وقت لا تزال المخيمات تستقبل نازحين جدداً من المدن بشكل متواصل هرباً من الحرب.
ويواجه نحو مليوني نازح بسبب الحرب السابقة دارفور، بجانب النازحين بسبب الحرب الحالية صعوبة بالغة في الحصول على الغذاء؛ بسبب التداعيات الإنسانية المعقدة التي فرضتها المواجهات المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدن عدة في الإقليم.
والأسبوع قبل الماضي، أظهر آخر تقرير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تلقيهم تقارير عن حالات تعرض أشخاص للموت جوعاً في السودان جراء الكارثة الإنسانية الناجمة عن استمرار القتال، في وقت تضاعفت أعداد الجوعى في ظل توقف المساعدات عن المحتاجين.
- تسببت تسعة أشهر من الصراع والعنف في السودان في حدوث أكبر أزمة نزوح في العالم، مما زاد الضغوط الهائلة في منطقة تعاني ندرة الموارد وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي.
- هناك أكثر من 6 ملايين شخص نازحين داخلياً في جميع ولايات السودان الثماني عشرة. وفر 1.7 مليون شخص إضافي من الصراع إلى تشاد وجنوب السودان.
- بالنظر إلى الطبيعة المطولة للصراع في السودان وآثاره الإقليمية، قام البرنامج بتفعيل عملية توسيع مؤسسية لمواجهة الأزمة الإقليمية في السودان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وفي ظل هذه المرحلة الطارئة، يتم توجيه الدعم المؤسسي الذي يقدمه البرنامج إلى البلدان الثلاثة الأكثر تأثراً بالصراعات المسلحة. الصراعات في السودان وجنوب السودان وتشاد.
- لا تزال القيود التشغيلية وقيود الوصول تعيق الاستجابة الإنسانية وقدرة البرنامج على نقل المساعدة إلى المحتاجين. على الرغم من ذلك، منذ أبريل 2023، دعم برنامج الأغذية العالمي أكثر من 6.5 مليون شخص بالمساعدات الغذائية المنقذة للحياة في السودان، ووصل إلى أكثر من 771,160 شخصًا في تشاد و419,000 شخص في جنوب السودان بالمساعدات المنقذة للحياة.
- هناك حاجة ماسة إلى التمويل الكافي لمواصلة تقديم المساعدة للسكان المتأثرين بالصراع في السودان والدول المجاورة. ويحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 144 مليون دولار لعمليات الاستجابة لأزمة السودان بأكملها و91 مليون دولار لدعم النازحين في تشاد وجنوب السودان للأشهر الستة المقبلة.
المصدر برنامج الأغذية العالم12 فبراير 2024
ومنذ أبريل الماضي، توقفت حصص الغذاء والمبالغ المالية التي كان يقدمها برنامج الأغذية العالمي لنحو مليون نازح منذ حرب العام 2003 بمخيمات دارفور، قبل أن تزداد اعدادهم بعد إندلاع الحرب الجارية بين الطرفين.
وفيات أطفال بمخيم زمزم
وفي ولاية شمال دارفور، قالت منظمة أطباء بلا حدود في السادس من فبراير الجاري، إن طفلاً سودانياً يموت كل ساعتين في معسكر زمزم للنازحين؛ بسبب سوء التغذية الحاد، وأن معدل وفيات الأطفال في المخيم الواقع شمال جنوب مدينة الفاشر عاصمة الولاية وصل إلى 13 طفلاً في اليوم الواحد، مبينة أن ربع الأطفال الذين خضعوا للفحوصات الطبية يعانون سوء التغذية الحاد.
ويستضيف المخيم أكثر من نصف مليون نازح معظمهم فروا من مناطقهم الأصلية بعد اندلاع الصراع المسلح في إقليم دارفور عام 2003، بالإضافة إلى نازحين آخرين جدد من معسكر السلام وبعض أحياء مدينة الفاشر. الذين فروا نتيجة المواجهات الأخيرة التي شهدتها المدينة، واستقروا في المخيم، حيث يواجه هؤلاء النازحون… تحديات عديدة في الحصول على الغذاء والماء والدواء.
ولفت آدم جمعة المقيم بمخيم زمزم للنازحين في ولاية شمال دارفور، إلى ما وصفه بـ الكارثة لجهة أنهم يعتمدون على الإغاثة وآخرين على الزراعة حول المخيم ومنذ اندلاع الحرب فقدوا كل شيء، وهم ينتظرون المعينات، وأنهم استقبلوا نازحين جدد ضعف عدد سكان المخيم.
وقال جمعة لـ(عاين): إن “الأطراف المتصارعة استخدمت المحاصيل كالذرة والدخن سلاح في الحرب، وقيدت حركة دخولهما وخروجهما من وإلى مدن دارفور بحجة تهريب الغذاء إلى خارج الولايات أو ترحيل الغذاء إلى أماكن قوات الجيش؛ مما تسبب في ارتفاع الدخن المحصول الغذائي الأول في دارفور، وتتراوح أسعاره ما بين 90 85 ألف جنيه”.
إلى ذلك، يشير النازح بالمخيم، أبكر آدم لـ(عاين): إلى أن المنظمات والهيئات الدولية توقفت منذ أكثر من أربعة أشهر عن تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين. وأوضح أنهم في السابق كانوا يتلقون مساعدات على شكل مواد غذائية وأدوية ومياه “.. وأضاف: “مؤخراً وصل إلى المخيم نازحون جدد من مدينة الفاشر نتيجة المواجهات المسلحة؛ مما زاد معاناة النازحين”.
عرقلة وصول المساعدات
فيما يتهم مسؤول حكومي بجنوب دارفور الجيش السوداني في مدينة الفاشر بعرقلة إيصال أكثر من 35 ألف جوال دقيق منحة من دولة عربية إلى النازحين بولايات دارفور.
وأشار المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ(عاين)، أن ولايته تسلمت (36) ألف جوال من جملة (40) ألف جوال حصة الولاية من الدقيق بعد خصم (4) ألف جوال من قبل حكومة إقليم دارفور وتخزينها بمخازن “السوبر كامب” اليوناميد سابقا شمال غرب الفاشر تمهيداً لترحيلها إلى محليات الولاية، لكن الجيش في مدينة الفاشر رفض ترحيلها إلى نيالا.
وأضاف: “بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة نيالا أواخر أكتوبر الماضي رفضت أجهزة الأمن خروج أي مواد إغاثية إلى جنوب دارفور وسعينا مع السلطات في بورتسودان بلا جدوى”.
ويتبادل طرفا الحرب في السودان الاتهامات بشأن عرقلة المساعدات الإنسانية. وسط تحذيرات دولية متتابعة من خطر نقص الغذاء الذي يواجه السودانيين. وكان قائد الجيش قال في 11 فبراير الجاري، “أن المتمردين في إشارة لقوات الدعم السريع يقتلون وينهبون ويطلبون من المنظمات الدعم والإغاثة”، الأمر الذي فسر بأنه منع وصول المساعدات لمناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لكن وزارة الخارجية السودانية سارعت إلى نفي منع الحكومة إيصال المساعدة إلى بعض المناطق في البلاد.
وأوضح المسؤول أن الكميات المذكورة وصلت سبتمبر العام الماضي من مدينة بورتسودان عبر 72 شاحنة بحمولة 200 ألف جوال لولايات دارفور الخمس لم يتم توزيع حصص كل الولايات عدا شمال دارفور التي وزعت حصتها للمحليات التابعة لها قبيل انتهاء صلاحية الدقيق أواخر فبراير الحالي.
تحذير
رئيس المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور يعقوب محمد عبدالله “فوري” يحذر من أوضاع غذائية يصفها بالكارثية واقتراب المجاعة بالمخيمات قبل أن يحمل أطراف الحرب والجهات الدولية مسؤولية عدم توصيل الإغاثة إلى الإقليم.
وقال يعقوب في مقابلة مع (عاين): “على الجهات الدولية المسؤولة عن توصيل الإغاثة البحث عن طرق أخرى لتوصيل المساعدات لاسيما دول الجوار عبر تشاد وجنوب السودان ومصر”.
إلى ذلك حذر الناطق الرسمي باسم المنسقية، آدم رجال، من تجاوز الأوضاع في مخيم “كلمة” (18) كيلومتر شرق مدينة “نيالا” عاصمة ولاية جنوب دارفور حد الكارثة الناتجة عن الجوع وسوء التغذية.
وعزا رجال في مقابلة مع (عاين)، تدهور الوضاع إلى تدمير الأسواق وعدم تمكن المزارعين من استزراع الأراضي، بجانب حالة الحصار التي فرضتها الحرب بين الطرفين على مناطق دارفور، مشيرا إلى نفاد كل المواد الغذائية بالمخيمات والمناطق المجاورة.
عاين
المصدر: صحيفة الراكوبة