اخبار السودان

الأصوات الغائبة: الكشف عن محنة قصص الأطفال المنسية في حرب السودان

في متاهة سوق الداير الجنوبي شمال أبيي، حيث نسيج الحياة اليومية منسوج بخيوط من الحيوية  والابتسامات والظلال الوارفة رغم شظف العيش فيها، عثرت على قصة كان لها صدى عميق في داخلي.  لانها تعبر عن رحلتي الممتدة في الحياة، في مكان احبه جدا، بيني وبينه روايات مغامرات وتحديات، انه منطقة أبيي المتنازع عليها بين جنوب وشمال السودان، وهي جسرا للحياة بينهما أن فهموا أشواق  وتطلعات المواطنين فيها، وابطال القصة هم ثمار الغرس الطيب ابنائي في قلوبال ايد هاند ، أبيي ملتقى الأرواح الرائعة والمحبة للحياة، المنشدة للسلام،  إلا أن أقدار الحرب، وطموحات الساسة المحدودة وهواة زرع الفتن، بل ان يجعلوا منها بوتقة وجنة للتواصل اختاروا طريق اخر، كانوا سببا وراء عدم انتعاشها وتطورها، الله يهديهم يارب العالمين. انها مكان يجمع ما بين جمال المكان، وروعة  الإنسان. وفي ظل اصطدام ضجيج التجارة مع صرخات النزوح والصراع الصامتة في تجسيد واضح بصورة لا تصدق لاغنية وردي التي كتبها الدوش والتي يروى ايضا انه لا يحب سماعها ابدا، وكأنما الدوش حاضر في المستقبل حينما قال ” زي صوت طفلة وسط الزحمة منسية”، فتأتي  قصة (آي إم)، الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات، تجسيد عملي لحكايات معاناة  الاطفال الانسانية المنسية، تصور لوحة بألوان الوجع والحزن  للصمود الإنساني وسط الخراب الذي أحدثته الحرب.

بعد طرده من موطنه في كادوقلي عروس الجبال، في قلب ولاية جنوب كردفان، غادرها والرصاص منهمر ، وقدماه الصغيرة تستبق الريح بحثا ع الحياة خوفا من موت محتوم، في ظل حرب لا ترحم أحد. انطلق في رحلة طويلة اختبرت نسيج روحه الهشة. قصته، وهي شهادة مروعة على الجروح الغائرة والندوب التي لا تمحى من الصراع على البراءة والطفولة، تكشف عن الواقع المأساوي الصارخ الذي يواجه الفئات الأكثر ضعفا في السودان، خاصة الأطفال. لقد ولدت رحلة (آي إم) في عصر شابته الاضطرابات المستمرة، في ظل حروب مستدامة مفروضة على الإقليم من عقود مضت. وهي تذكير بالخسائر الفادحة التي لا تحصى ولا تعد  للحرب وضرورة  التفكير الجماعي والعمل الحاسم لإنهاء الحرب وبعث روح الأمل من جديد.

“وبينما كنت أتنقل في سوق النعام الصاخب”، وهو مكان لا ينبغي لأي طفل أن يعتبره ملعبًا، أصبحت روحه التي لا تمل. وحيدا وسط  اكوام الفوضى، وركام الحزن، كان الكرم غير المتوقع للغرباء والعزاء الموجود في منزل عائلي مهجور يوفر لحظات عابرة من السلام، ولو مؤقت. كانت فاطمة اللغم، ملاك آخر يطل بجناحيه وهي عضو شبكة حماية المرأة ، هي التي أخذت (آي إم) حضنها كاي ام تعرف اسرار أوجاع الأطفال خاصة المنفصلين والغير مصطحبين، معها واتصلت بفريق الحماية في منظمة قلوبال ايد هاند، بعدها اتجهت به نحو مقر بعثة القوة الأمنية المؤقتة التابعة للأمم المتحدة في أبيي. حتى انتهى به المقام في حضن أسرته مرة أخرى في رحلة شاقة ولكنها كانت تستحق المجازفة. وقد سلط هذا العمل اللطيف الفريد وسط  الضوضاء والبؤس والاضطرابات الضوء على التأثير الهائل للجهود الإنسانية والحاجة الأساسية إلى العمل المنسق لإصلاح ما أفسدته الحرب ولم شمل الأسر التي مزقها الصراع.

رحلة (آي إم)  من جحيم النزوح إلى محطات الأمل تلخص المرونة الكامنة داخل كل طفل تلمسه يد الحرب. هذه الرواية، التي كان شرفًا لي أن أكشف عنها، هي بمثابة دعوة واضحة للعمل، وتحثنا على اختراق حجاب العناوين الرئيسية والتعرف على الوجوه الإنسانية التي شابتها الحرب والنزوح، وكسرتها الماسي.

من خلال مشاركة ملحمة (آي إم)، أهدف إلى إشعال روح التضامن والرحمة والتعاطف، مع ذوي الحظ العاثر والدخل المحدود، والأكثر عرضة للمخاطر، أثناء الحرب. وفي ظل اهوال الشدائد، تذكرنا قصته بإمكانية الأمل والشفاء وإحياء الأحلام التي كنا نعتقد أنها غير قابلة للاسترداد. لم تمس هذه القصة قلبي فحسب، بل حفزت أيضًا تصميمي على الدفاع عن قضية أولئك الذين أصبحوا بلا صوت بسبب الصراع، وهو تذكير بأنه حتى في حالة اليأس، لا يزال بإمكان نور الإنسانية أن يخترق أحلك الليالي.

وبينما نتأمل في رواية (آي إم) ، دعونا نتعهد بأن نصبح جزءا من تلك المنارات الانسانية المضيئة، وندعو إلى المبادرات التي تحمي وترفع من مستوى الأطفال النازحين، ونتصور مستقبل حيث يمكن لكل طفل أن ينعم بصفاء السلام والكرامة. معًا، لدينا القدرة على تغيير قصة اليأس إلى قصة أمل وحياة، وإحداث تأثير دائم على حياة الأشخاص الأكثر عرضة للخطر.

إن الندوب التي خلفتها الحروب في السودان على النسيج المجتمعي عميقة، حيث يتحمل الأطفال دائمًا وطأة هذا الصراع الذي لا ينتهي. وفي مخيمات النازحين الواسعة مثل مخيم زمزم في شمال دارفور صورة لمعاناة أطفال دارفور، تبدو الحقيقة المؤلمة لمعاناتهم واضحة بشكل مؤسف. حيث تكشف تقارير منظمة أطباء بلا حدود عن إحصائية مروعة: “يموت طفلان كل ساعتين في أماكن مثل هذه”، وهو دليل على ضراوة العنف وسوء التغذية والمرض ونقص الضروريات الأساسية التي تحاصرهم. وعلى نحو مماثل، في مناطق مثل كسلا والقضارف، والنيل الأبيض و الازرق وجنوب كردفان وغربه وفي مختلف أنحاء شمال السودان، تُفقد براءة الطفولة وسط النزوح واليأس. وفي ظل صمت مريب.

تردد هذه المشاعر في كل المخيمات، تسلط منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) الضوء على أنه “في المناطق المتضررة من النزاع في السودان، يتحمل الأطفال العواقب المدمرة للعنف، ويتحملون آثارًا جسدية ونفسية طويلة المدى”. لا تؤكد هذه التأملات على الظروف الأليمة التي تواجهها هذه النفوس البريئة فحسب، بل تقدم أيضًا  الدعوة لحملة السلاح للانتباه لحالة الخسائر البشرية خاصة وسط الاطفال لوقف الحرب وفتح الممرات لإيصال الخدمات الانسانية. وسط هذه الشدائد الساحقة، تشرق من شمس الأمل ف التضامن،  تضامن يتخطى الحدود، ويوحد المجتمعات والأمم نحو هدف واحد: حماية حياة هؤلاء الأبرياء. وبدعم من الجهود المتضافرة التي تبذلها منظمات مثل منظمة أطباء بلا حدود واليونيسف، قوبال ايد هاند،  يتم تذكيرنا بقدرتنا الجماعية على التعاطف و التغيير والعمل الجاد والمستمر.

وكما ذكرت صحيفة الغارديان في 21 فبراير 2024، أصدر معهد كلينجينديل، وهو مركز أبحاث هولندي شهير، بحثًا مثيرًا للقلق يتنبأ بمستقبل رهيب للسودان. ووفقاً لتحليلهم، فإن “السيناريو الأكثر ترجيحاً” يرسم صورة قاتمة للمجاعة التي تجتاح البلاد بحلول يونيو/حزيران، مع احتمال أن تودي بحياة نصف مليون شخص. وفي توقعات أكثر كارثية، يمكن أن تؤدي المجاعة في جميع أنحاء البلاد إلى وفاة ما يصل إلى مليون شخص. ويؤكد هذا التوقع المخيف حجم الأزمة التي يواجهها السودان، حيث من المتوقع أن تصبح المجاعة كارثة واسعة النطاق ذات عواقب مدمرة.

ومؤكداً خطورة الوضع، وصف ويليام كارتر، الرئيس المحلي للمجلس النرويجي للاجئين، حجم الأزمة بأنه “مرعب بكل بساطة”. وتكشف ملاحظاته من مخيم زمزم، وهو واحد فقط من بين مئات مخيمات النازحين المنتشرة في جميع أنحاء السودان، عن مشاهد مؤلمة لأطفال يعانون من سوء التغذية، وهو ما يرمز إلى فشل منهجي أكبر في تقديم المساعدات اللازمة. تسلط رواية كارتر الضوء على الضعف الحاد الذي يعاني منه أصغر ضحايا هذه الأزمة، وتؤكد على دعوة عاجلة للعمل لمعالجة الكارثة الإنسانية التي تتكشف في السودان. [الجارديان، 21 فبراير 2024].

و بالتأمل في المحن التي يتحملها أطفال السودان، فمن الواضح: على الرغم من أن ندوب الصراع عميقة، إلا أن الحلم لم يمت. ومن خلال التكاتف معًا، يمكننا شفاء هذه الجراح، و إشعال شرارة الأمل في أحلك اللحظات من جديد. و كشهود على محنتهم، دعونا ندعوا جميع المؤمنين بالتغيير، لأن نبقى متحدين، نمتلك القوة لإنقاذ الأرواح ورسم صورة أفضل للمستقبل. إن روايات أطفال السودان، التي تذكرنا بشكل مؤلم وموجع جدا بخسائر الصراع والحروب، تغذي أيضًا تصميمنا الجماعي على تشكيل عالم حيث يمكن لكل طفل أن ينمو و يزدهر في بيئة خالية من أشباح الحرب، وتنعم بالسلام والكرامة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *