براو يقرأ ما بين سطور عرض الرئيس الأول لمجلس الحسابات في البرلمان

يرى محمد براو، مدير مجلة التدبير والرقابة على المال العام، أن عرض الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان يأتي في سياق داخلي يتسم بتحول في حكامة المجلس، يتمثل في بداية التنزيل والاختبار العملي لتوجهات المخطط الاستراتيجي 2022 إلى 2026، التي تؤسس لدخول المجلس مرحلة جديدة، تستدعي منهجية جديدة وآليات عمل حديثة. فهو يغطي أعمال سنتي 2022 و2023.
وأشار الخبير الدولي في مقال توصلت به هسبريس، بعنوان “قراءة في عرض الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان”، إلى أن العرض جمع بين المستويين الاقتصادي والمالي، موضحا أن “استمرار مواجهة البلاد للصدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة منذ آفة كوفيد 19 أبانت بلادنا، تحت القيادة الملكية الرشيدة، عن توفرها على العديد من مقومات الصمود، والتي توجت بانخفاض عجز الميزانية، الذي يتوقع أن يتراجع في نهاية 2023 إلى 4,5% من الناتج الداخلي الخام عوض 5,2% سنة 2022″، مضيفا “وكعربون ثقة في نهجه الاقتصادي والمالي، حصل المغرب خلال سنة 2023 على خط ائتمان مرن في أبريل بقيمة 5 مليار دولار، وفي شتنبر على تمويل بقيمة 1,3 مليار دولار من أجل تعزيز قدرة المملكة على مواجهة التغيرات المناخية والاستثمار في الطاقات المتجددة”.
وعلى صعيد المالية العمومية، أكد براو أن “المجلس حث الحكومة على مواصلة العمل على تحسين مردودية الموارد العادية، من خلال إصلاح منظومة الاستثمار والتقدم في ورش إصلاح قطاع المقاولات والمؤسسات العمومية. وعلاوة على ما سبق، يثير المجلس الانتباه إلى مباشرة الإصلاح الهيكلي الكفيل بضمان ديمومة أنظمة التقاعد”.
هذا نص المقال:
تعتبر مناسبة لافتة للاهتمام في مسار تفعيل مبدئي الشفافية والمساءلة في سياق الحكامة الرشيدة في بلادنا، وذلك من خلال دفق دماء متجددة في شرايين الجسم السياسي عبر التحفيز على النقاش العمومي الجاد حول تنفيذ السياسات والبرامج العمومية وتقييمها ورصد المخاطر ومكامن الخلل التي قد تعتريها، بنوع من العقلانية والموضوعية تتجاوز الإسفاف السياسوي، والتبسيطات الشعبوية، وهوما من شأنه أن ينعكس إيجابا على تطوير آليات وأخلاقيات التدبير العمومي من جهة أولى، وتوجيه دفة النقاش والفعل السياسي نحو التركيز على الأهداف العملية والتأثيرات الملموسة للسياسات العمومية على التنمية ولا سيما تلك السياسات والخدمات الموجهة للمواطن من جهة ثانية، بما يشكل تعضيدا مؤسساتيا مستقلا وموضوعيا وموثوقا للدور المنتظر من البرلمان والبرلمانيين كمراقبين ومحاسبين سياسيين للفعل الحكومي من جهة ثالثة، ثم الإخبار عن نتائج المساءلات القضائية الداخلية والخارجية ومدى فعاليتها من جهة رابعة. ومن حيث البعد المؤسسي الداخلي للمجلس الاعلى للحسابات يكشف العرض عن صورة سنوية تعكس منهجية عمله، ومستوى أدائه وإلى أي حد قد برر صرف الأموال التي أنفقها على سير أشغاله وموارده البشرية والمادية، من أموالي دافعي الضرائب.
السياق الداخلي والخارجي
يأتي العرض في سياق داخلي يتسم بتحول في حكامة المجلس يتمثل في بداية التنزيل والاختبار العملي لتوجهات المخطط الاستراتيجي 2022 إلى 2026، التي تؤسس لدخول المجلس مرحلة جديدة، تستدعي منهجية جديدة وآليات عمل حديثة. فهو يغطي أعمال سنتي 2022 و2023.
السياق الاقتصادي والمالي: استمرار مواجهة البلاد للصدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة منذ آفة كوفيد 19 حيث أبانت بلادنا، تحت القيادة الملكية الرشيدة، عن توفرها على العديد من مقومات الصمود، والتي توجت بانخفاض عجز الميزانية، الذي يتوقع أن يتراجع في نهاية 2023 إلى 4,5% من الناتج الداخلي الخام عوض 5,2% سنة 2022، وكعربون ثقة في نهجه الاقتصادي والمالي، حصل المغرب خلال سنة 2023 على خط ائتمان مرن في أبريل بقيمة 5 مليار دولار، وفي شتنبر على تمويل بقيمة 1,3 مليار دولار من أجل تعزيز قدرة المملكة على مواجهة التغيرات المناخية والاستثمار في الطاقات المتجددة. وعلى صعيد المالية العمومية، حث المجلس الحكومة على مواصلة العمل على تحسين مردودية الموارد العادية. من خلال إصلاح منظومة الاستثمار والتقدم في ورش إصلاح قطاع المقاولات والمؤسسات العمومية. وعلاوة على ما سبق، يثير المجلس الانتباه إلى مباشرة الإصلاح الهيكلي الكفيل بضمان ديمومة أنظمة التقاعد.
دلالات الجدية والتجديد
يمكن أن نستخلص أننا نعيش فعلا (نقلة نوعية ومنهجية): تدشن دخول مرحلة جديدة من الرقابة والمساءلة على تدبير الشأن العام والمال العام في بلادنا. وفي ما يلي أبرز علاماتها الفارقة:
1 التوقيت المناسب، بل هو توقيت استثنائي لنشر التقرير ولتقديم العرض أمام البرلمان: لأول مرة في تاريخه منذ بداية نشر التقارير وعرضها أمام البرلمان منذ ما يقرب من عشرين سنة، تصادق عليه غرفة المشورة في21 نونبر2023. ويتم نشره في 19 دجنبر 2023 ب الرسمية. ويتم تقديم عرض حوله أمام البرلمان بتاريخ 30 يناير 2024. نحن إذن أمام جدية ملحوظة.
2 التقرير يتضمن تدقيقات وتنبيهات أولية تستجيب لحاجة ماسة تتمثل في ضرورة تبديد الشكوك والرد على الانتقادات التي عبر عنها، تارة عن خطأ وتارة عن صواب، وفي أغلب الحالات بطريقة غير مهنية وغير دقيقة، المخاطبون الكبار بأعمال المجلس ولا سيما شركاؤه المؤسساتيون.
3 اجتهد المجلس في التشديد على أن ملاحظات المجلس حول صحة وسلامة التدبير العمومي تتوفر فيها شروط الموثوقية والمشروعية، لأنها أصبحت أكثر شفافية ومبنية على منهجية تشاركية مع المشمولين بالرقابة عبر مختلف مراحل صياغة تلك الملاحظات قبل أن تصير نهائية وجاهزة للنشر في التقرير السنوي.
4 إننا أمام رسالة مضمونة الوصول لمن يملك حسن البصر والبصيرة، تستهدف طمأنة المخاطبين بأعماله والمعنيين المباشرين وغير المباشرين بهذه الأعمال، بمن فيهم قراؤه العاديون، من خلال تضمين أجوبة المعنيين بهذه الملاحظات مباشرة بعد تسجيلها في الصيغة النهائية للتقرير.
5 يتوضح من صياغة الملاحظات بالشكل والأسلوب الجديدين، بناء على تلك التنبيهات والتدقيقات أنه من المستحيل أن يتم تكييف تلك الملاحظات الرقابية ذات الصبغة التصحيحية والتنويرية إلى حالات فساد موصوف بالمعنى الإجرامي للكلمة أو من شأنها السقوط في شبهة ما يسمى “تجريم التدبير العمومي”. أو بث الهلع في نفوس متقلدي المسؤوليات العمومية. في حين أن الأفعال المشتبه في كونها جرائم مالية يتم نشرها في أحكام وقرارات قضائية داخلية وخارجية وليس في تقارير افتحاص.
أبرز المضامين
أولا: متابعة الإصلاحات الكبرى
ورش منظومة الحماية الاجتماعية: يرى المجلس ضرورة الحرص على استقطاب جميع الأشخاص المستهدفين، والضبط الموثق للساكنة المستهدفة بالتأمين التضامني.
ورش منظومة الاستثمار: الدعوة للتقدم في تنفيذ مضامين “التعاقد الوطني للاستثمار”.
ورش الإصلاح الجبائي: سجل المجلس عدم اتخاذ إجراءات ملموسة في إطار الإصلاح الجبائي الشامل وأكد على الإسراع في بلورة وتنفيذ خارطة طريق لتنزيل هذا الإصلاح.
ورش إصلاح المالية العمومية: لاحظ أن عملية التصديق على الحسابات لا تزال في مراحلها الأولى بسبب التأخر في توفير مكونات هذه الحسابات، حيث لم يتم استيفاؤها إلا بتاريخ 05 شتنبر2023. وفي ما يتعلق بمشروع نجاعة أداء التدبير العمومي يؤكد ضعف المجلس تملك منهجية نجاعة الأداء.
ورش الجهوية: دعا المجلس ضرورة تعزيز القدرات التدبيرية للجهات باعتماد مقاربة شمولية تقوم أساسا على الاستثمار الأمثل لمختلف الخبرات والكفاءات المتاحة لدى باقي الفاعلين على المستوى الترابي.
ثانيا: نتائج المراقبة والتقييم وتتبع التوصيات
في مجال تثمين السدود، أوصى المجلس بتعزيز التنسيق بين الأطراف الرئيسية المعنية، وذلك بهدف إنجاز المشاريع ذات الصلة داخل الآجال المحددة وتحقيق الجدوى الاقتصادية المتوخاة، فضلا عن تسريع وتيرة إنجاز الدراسات التقنية والمالية المتعلقة بمشاريع الربط بين الأحواض المائية. وبخصوص تعبئة الملك الخاص للدولة لفائدة الاستثمار، دعا المجلس إلى العمل على إعادة تكوين الاحتياطي العقاري بما يستجيب لحاجيات سياسات الدولة المتعلقة بالاستثمار والاستراتيجيات القطاعية المختلفة، وتسريع عملية تحفيظ وتصفية أراضي الملك الخاص للدولة. السياحة الداخلية: أوصى المجلس بضرورة إعادة النظر في حكامة مشاريع تنمية السياحة الداخلية من خلال تعزيز دور الأجهزة العمومية اللاممركزة في تتبع إنجاز مشاريع التهيئة والإنعاش السياحي. كما حث على توفير عروض سياحية ملائمة لتطلعات السياح الداخليين. وفي ما يخص التنمية الرقمية، يؤكد المجلس على ضرورة اعتماد استراتيجية وطنية مندمجة للتنمية الرقمية. تحرص المحاكم المالية أن تتضمن الأعمال الرقابية السنوية تقييم العمليات التي تكون موضوع الاهتمام المباشر للساكنة، وبالتالي الإسهام في إحداث الأثر على أرض الواقع. كموضوع المدارس الجماعاتية. والتكوين الأساسي في مهن الصحة وصحة الأم والطفل، والنقل الحضري وشبه الحضري بواسطة الحافلات، والأسواق الأسبوعية.
تتبع التوصيات: وصلت نسبة التوصيات المنفذة إلى 52% ومن بين أسباب التوصيات غير المنجزة، كون تنفيذ بعضها يتم بشكل تدريجي حسب الوسائل المالية المتاحة، أو يتطلب عدة مراحل. كما يقترن تنفيذ بعض التوصيات بالحاجة إلى الإصدار التدريجي للنصوص القانونية ذات الصلة. ويسجل المجلس الأثر الملموس لتنفيذ جانب من التوصيات. وعلى سبيل المثال، مهمة التقييم حول تدبير النفايات المنزلية، تم تسجيل تقدم في مسار تعديل القانون المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها وفي إعداد المخططات المديرية الإقليمية. كما تم إغلاق 44 مطرحا غير مراقب وتهيئة 22 آخر، مما مكن من ارتفاع نسبة طمر النفايات إلى 63.%
ثالثا: المساءلة القضائية وتخليق الحياة العامة
بخصوص المساءلة القضائية الداخلية، ابتداء من سنة 2022 وإلى حدود متم شهر دجنبر 2023، صدر 135 قرارا وحكما بالغرامات والإرجاع فاق مجموع مبالغها المالية 17,8 ملايين درهم. وبخصوص المساءلة القضائية الخارجية أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة 22 ملفا جنائيا، وضعيتها الآن: 21 ملفا في طور البحث وملف واحد انتقل إلى طور التحقيق.. بخصوص تخليق الحياة العامة انتقل المجلس لأول مرة ووفاء بما وعد به في تقريره السنوي السابق من مرحلة المراقبة الشكلية للتصريحات إلى مرحلة المراقبة الجوهرية، أي رصد ومقارنة تطور ممتلكات الملزم المصرح بها بمداخيله الحالية. لكنه اصطدم بمعوقات بنيوية جعلت عملية التدقيق الجوهري مستحيلة؛ فقد كشفت هذه العملية أن البيانات الواردة في هذه التصاريح لا تتيح إمكانية البت بشكل موثوق في هذه الحالات، وذلك بالنظر إلى وجود نقائص على مستوى تعبئة التصريحات بالممتلكات. ويقوم المجلس بإعداد تقرير شامل لتقييم حصيلة منظومة التصريحات الإجبارية بالممتلكات في أفق المراجعة الجذرية والمستعجلة لهذه المنظومة التي ثبت أنها توجد في مفترق طرق بين التغيير السريع أو الفشل الذريع.
رسالة ختامية
إننا إذ نقول لا وألف لا للسقوط في حفرة “تجريم تدبير الشأن العام” وبث الهلع في نفوس المسؤولين عن هذا التدبير، وذلك من خلال النظر للاختلالات والأخطاء نظرة القاضي الجنائي بدل الطبيب المداوي. لكننا نقول أيضا وبالموازاة مع ذلك، وكما جاء عن حق وصواب في خاتمة عرض السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن تلك الأخطاء والاختلالات “قد ترتبط أحيانا بسلوكات مشينة وغير مسؤولة، تستلزم التصدي لها بالحزم والصرامة اللازمين، اعتبارا للأضرار الناجمة عنها”. وفي هذا السياق نعم وألف نعم لاستحضار الدعوة الملكية المتواترة إلى تغليب المصلحة العامة للوطن وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات.
المصدر: هسبريس