اخبار السودان

هل تنتقل كرة اللهب الى ولاية البحر الأحمر؟

عمر حسن أبو زينب عمر
[email protected]

هأنذا درب يتمرغ في عتمة أرقام
بحثا عن زمن كان لنا
عن وطن كنا فيه
عن وطن أعمى كالتيه
أتمنى لو أدفن فيه
بلند الحيدري

وجدت موائمة حد التطابق بين حياة الشاعر العراقي بلند الحيدري الذي ينحدر من أصول كردية والكوارث تتساقط عليه منذ مولده عام 1926 وبين الإنسان السوداني عام 2023.. فمنذ انفصال والديه وتشرده في السادسة عشرة من عمره ونومه على أرصفة بغداد وتحت جسورها ووصولا إلى انقلاب 1963 حينما اقتحم زوار الفجر منزله واعتقلوه وعذبوه بتهمة الشيوعية، وبعد حبسه في زنزانة عبارة عن مرحاض حكم عليه بالإعدام ولكنه تمكن من الهرب ضمن دراما مثيرة من السجن قبل خمس دقائق من تنفيذ الحكم فغادر العراق إلى لبنان في رحلة تيه وغربة ضالا ان الحرب الأهلية اجبرته على الفرار من بيروت الى دمشق ومنها الى بغداد التي كانت تطارده حيث اعلن اعتزاله الشعر خوفا على (كرامته) قبل أن يغادر إلى لندن حاملا العراق في قلبه مكتويا بنار حبه متمنيا العودة ليدفن فيه ولكن شاءت الاقدار أن يدفن في مقبرة (هاي جيت) في لندن.

(2)
أقول أجد موائمة بين الحالتين (نفس الملامح والشبه) في محطات التشرد والمغامرات المتهورة غير مأمونة العواقب عشتها وشاهدتها حول مباني السفارة في حي المطار (بورتسودان) لأسر تلتحف السماء وتفترش الأرض بنسائها ورجالها وأطفالها ..
رأيتها في إدارة الجوازات وفي مكاتب التوثيق وشركات الطيران والملاحة وإدارة استخراج كروت الحمى الصفراء .. أمواج من البشر تتدافع بالأجساد وتتزاحم بالأكتاف في (رحلة مجهولة الأمد) إلى فجاج الأرض تبحث عن وطن بديل.. عن أمكنة أخرى مستلفة تقبل بها بعد أن ضاع الوطن (الأم) وأصبح رمالا تتسرب من بين فرجات الأصابع.

(3)
أضحت ولاية البحر الأحمر وبعد اجتياح ميلشيات الدعم السريع (مدني) المأوى الأول للنازحين الذي ضاقت بهم السبل بما رحبت ولكن يخطئ من يراهن على السلام فيها رغم بعدها النسبي عن نيران الحرب والاقتتال..
يقول خبر صادم لم يكن في الحسبان أن ولايات شرق السودان شهدت قبل أسبوعين حالة من التوتر تنذر بانفلات الأمن فيها، نتيجة لانتشار قوات حركات دارفور المسلحة، وتعيش مخاوف من تحول انتقال الحرب بين الجيش و(الدعم السريع) إلى حرب إقليمية يدفع الإقليم (الهش) ثمنها، من اصطدام جنود هذه الحرب ببعضهم، وبالسكان المحليين، وكذلك مع مجموعات الشباب المسلحين (المستنفرين) لصالح الجيش مما يزيد الوضع حرجا وخطورة.

(4)
لكن ممثلي العروض القميئة لازالوا يتزاحمون على منصة المسرح فقد تداولت معلومات عن إنشاء معسكرات لتدريب أفراد هذه الحركات وحركات أخرى من شرق السودان موالية للجيش، داخل الحدود الإريترية.
حيث شهدت عاصمة ولاية القضارف، ثالثة ولايات شرق السودان (القضارف والبحر الأحمر وكسلا) الأيام الماضية، توتراً حاداً كاد أن يتحول إلى صدام بين قوتين في دارفور تتدربان في المدينة نفسها هما (حركة تحرير السودان) بقيادة مني أركو مناوي، و(حركة تحرير السودان قيادة تمبور) التي يترأسها مصطفى تمبور، المساندتان للجيش في حربه ضد (قوات الدعم السريع) .

(5)
وأشارت تقارير صحفية عن وجود ثلاث حركات (الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح مالك عقار)، و(حركة تحرير السودان قيادة مصطفى تمبور)، و(حركة تحرير السودان) بقيادة مني أركو مناوي، وقوات رابعة تتبع قائداً منشقاً هو (آدم كاربينو)، موجودة في مدينة القضارف الآن.
وكاد التوتر بين جيشي الحركتين أن يتحول لاحتكاك مسلح، ما أثار مخاوف السكان واضطرار السلطات للفصل بينهما، بفتح معسكرات في شرق المدينة وغربها. وأضافت التقارير أن الاشتباك حدث في معسكر (جبل تواوا)، إثر دخول قوات تابعة لمناوي معسكراً توجد فيه قوات تابعة لتمبور.

(6)
مع احتمالات الاحتكاكات المفتوحة على مصراعيها بين هذه الحركات، وبينها وبين (المستنفرين) الموالين للجيش في حال عدم خضوعها لأوامرهم فمجتمع القضارف يخشى اصطدامها حتى مع القوات النظامية سيما فأن وجود معسكراتها في المدينة خلق حالة من التذمر، ويخشى المواطنون تفلتها، ويعدونها خطراً يهدد بتفجير الولاية، سيما وأن السلطات لم تشرح للسكان سبب وجودها ومدة بقائها رغم انها خلايا نائمة وقنابل قابلة للانفجار تحت الاقدام في أي وقت وهنا مربط الفرس.

(7)
الحق يقال فهذه الشرارة لم تشتعل في ولاية البحر الأحمر إذ تم حسم هذه الفوضى الأمنية في مهدها فحينما أعلن مناوي الحرب على الدعم السريع من بورتسودان طلب منه حكماء الإدارة الأهلية أن يخرج بأنصاره من (الولاية) فورا ويعلن الحرب عليهم هناك في دارفور. ولكن كأن كل هذا لا يكفي فشرق السودان، إلى جانب تهديد جنود الحركات المسلحة يواجه تهديدات أخطر، تتمثل في معسكرات تدريب وتجنيد تم فتحها داخل دولة إريتريا المجاورة، بالقرب من حدود الدولتين، لتدريب حركات دارفور المسلحة، إلى جانب حركات وتنظيمات مساندة للجيش السودان وقدرت التقارير عددها بستة معسكرات تدريب تم إنشاؤها داخل إقليم (القاش بركة) الإريتري قرب حدود السودان.

(8)
المعسكرات تضم 5 مجموعات مسلحة وكلها خميرة عكننة تبحث عن قضمة في كعكة سلطة لا وجود لها؛ وهي (الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة) بقيادة الأمين داود، و(قوات تحرير شرق السودان)، و(مؤتمر البجا القومي) بقيادة موسى محمد أحمد، و(مؤتمر البجا المسلح) بقيادة عمر محمد طاهر، و(حركة تحرير السودان) بقيادة مني أركو مناوي التي تمزقت إلى 85 حركة كلها تطالب بسلطة.
هنا (ألغاز) و(لا معقول) لابد من فكه لتحليل ومعرفة خبايا الوضع المأزوم في هذا السودان المنكوب بأبنائه فالأمين داود رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة ممنوع من زيارة ولاية البحر الأحمر وموسى محمد أحمد رئيس مؤتمر البجا القومي تلقى بطاقة حمراء من قبل حشد جماهيري غاضب وحينما تمادى في الكلام لوحوا له بأوراق النقد في إشارة لا تخفى على كل ذي بصر وبصيرة أما عمر محمد طاهر رئيس مؤتمر البجا المسلح فأقول (سبحان الذي يحي العظام وهي رميم) ولا أزيد.
هؤلاء تجمعهم كلهم مبادئ ومطالب واحدة (قص ولصق) ولكن الذي يفرق شملهم الكرسي (الملعون) فلمصلحة من تتم إعادة إنتاج هذه النفايات؟

(9)

في الضفة الأخرى فإن حركة العدل والمساواة أطاحت برئيسها الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية في 30 أغسطس من عام 2023 بعد انتهاء ولايته واختارت سليمان صندل الأمين السياسي للحركة لقيادتها, أما منى أركو مناوي فلم يكن حظه أفضل من جبريل فقد انسلخ 6 آلاف عنصر من تنظيمه حركة تحرير السودان وأعلنوا الانضمام للدعم السريع فمن تبقى له وماذا يبرر زعيق مواكب سياراته (اللاند كروز) البيضاء ذات الدفع الرباعي حتى يفسحوا له الطرق المكتظة في شوارع بورتسودان علما بأن هذه القيادات التي تم سحب البلاط من تحت قدميها تدير أقاليمها من (منازلهم) في بورتسودان.

(10)

حال السودان الآن يغني عن السؤال.. حال بلد كئيب ممحون يجرجره شذاذ آفاق من أفق إلى أفق ومن نفق إلى نفق بعد أن اتسعت مساحة الأحزان.. المواجع والعذابات وتطاولت الآلام وتضاءلت الآمال فلم يعزف هؤلاء مزاميرهم؟

بئس الختام:

بقدر الحديث عن دور البرهان الآثم في الأزمة التي تمسك بخناق الوطن بعد الانقلاب على حكومة حمدوك الديموقراطية واعتقال رئيسها فإن سودانيا أصيلا لن ينسى أحدا الجراحات السامة التي أحدثها في جسد الشعب السوداني ثعلب ميلشيا الدعم المجرم الذي ارتكب رجاله وبتعليمات وأوامر صريحة منه كل الموبقات التي تخطر ولا تخطر على البال قبل خلع الكامادول وارتداء ثياب الواعظين والوقوف امام نصب ضحايا الإبادة في رواندا ودعوة أهل السودان للاستفادة من الدروس والعبر الرواندية.. ليته لم يذهب أصلا.. ليته تمسك بالقول المأثور و(ان بليتم فاستتروا). حقا صدق من قال (مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا).

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *