مثقفون مغاربة يقاومون “الهيمنة” ويستبقون “الهاوية” بـ”الانفتاح الإيكولوجي”
تجيّش فكري من المغرب، يقوده مثقفون انتظموا ضمن “مجموعة كوليبري” لإصدار سلسلات تبدي وتفسّر “جينالوجيا الهيمنة في المغرب”، وسياسات “الابتلاع”، وإعادة تشكيل العقول الفردية والجماعية وتحويل رغباتها، وضرورة “الانفتاح الإيكولوجي” بالنسبة للبلاد والعالَم، وتسليح الوعي ضد “دكتاتورية اللامبالاة العامة”.
جاء هذا في الكتاب الأول من سلسلة المجموعة، الذي أصدرته بعنوان “جينيالوجيا الهيمنة في المغرب.. جدلية المقاومة والابتلاع”، وشارك فيه كل من الباحثين: جميلة سعدون، وبلال الهنا، ونور الدين أزلماط، وياسين كني، ومنير الحجوجي.
وتنبّه المجموعة إلى أنها “ضد نظام رأسمالي عالمي جديد يرسم العقيدة السياسية للدول ويلغي سيادتها للإمعان في الافتراس/التدمير”، مضيفة: “حينما ترى الحرائق، عليك أن تساهم في إطفائها، حتى لو كنت ترى أنك أتفه أو أصغر من المهمة؛ فالأساسي أن تقوم بنصيبك من المسؤولية، وسيقوم الآخرون أيضا بنصيبهم: يعيش العالم مخاض ولادة نظام عالمي جديد تبدو ملامحه غامضة؛ ولكنها تتسم بالتوحش والرغبة في السيطرة على الدول والشعوب ومحو سيادتها، وتقسيم العالم إلى مناطق مصالح، والانتقال من إصدار التوصيات إلى الجلوس المباشر في مراكز القرار لتلك المناطق والدول”.
وتتابع: “إن عرابي هذا النظام المتخلف لا يترددون في إشعال الحروب، وفذلكة التوترات، ودعم الانقلابات، والمساعدة على تزوير الانتخابات، والاصطفاف مع الدكتاتوريات، لتفريغ العالم من أي بذرة قوة ترتفع أمام تنزيل أجندة/جريمة زرع عقيدة سياسية موالية للرأسمالية العالمية الجديدة راعية النظام العالمي الجديد؛ فيما انعكس/ينعكس الخيار ـ خيار الزحف/التخريب، الذي هو خيار كروكوديلات مافيوـرأسمالية لم تعد تضع أية حدود لجنونها ـ على مكونات/توازنات الوسط الكوكبي، بشرا ومنظومات إيكولوجية، علما أن للشركاء الإيكولوجيّين في هذا الكوكب كامل الحق في العيش الأصيل، جنبا إلى جنب مع البشرية المرتبط بقاؤها ببقاء هؤلاء الشركاء”.
ومغربيا، تقول المجموعة إن البلاد قد اختارت، “منذ القرار/الكارثة التاريخية بذبح حكومة عبد الله إبراهيم نهاية الخمسينيات، جيوبوليتيكا التبعية/الذَّيلية/الانبطاح التي حولته عبر عقود سياسات النمو/التنمية/النماء إلى ملف فوق طاولة الكبار”، و”المغرب الآن في قلب الكماشة؛ كماشة فرنسا/أمريكا/البنك الدولي ومختلف (كودزيلات) العالم، ووحدها معجزة قادرة على أن تجعلنا نفلت لمحرقة بدأت تطل برأسها”.
هنا يبرز “الدور التاريخي المنوط بالنخب الفكرية والثقافية”، ومن هنا تأتي المطالبة بإلحاح بـ”انخراطها فورا في لحظة تنوير الجماهير بالأخطار الزاحفة، عبر توجيه الأنظار أساسا نحو جذر الشر، هؤلاء الضباع العالميين/المحليين الذين لم يقبلوا أبدا كونهم ولدوا بمثل ملامحنا”؛ فتدعو: “بقوة كافة الشرفاء في العالم/المغرب للانخراط الجاد والمسؤول في عملية الفضح الكبرى”، خاصة بالذكر “أساسا الفئات الشابة التي نعتبر أن لها ما يكفي من قوة الآمال، وبذخ التطلعات؛ لحمل رهان النضال من أجل عالم يحتضن الجميع ويضمن الكرامة والحياة اللائقة للجميع”.
ويسطّر الكتاب على وظيفة المثقف اليوم: “فهم وإفهام الشعوب بمختلف طبقاتها الاجتماعية ونخبها وطوائفها وقطاعاتها وأقلياتها آليات اللعبة، حتى تنطلق وهي على بينة تامة في مهام المقاومة/تشكيل العالم المأمول”، للنهوض بمسؤولية “تجاه أنفسنا، وتجاه العالم، وتجاه شركائنا في هذا الكون في الحاضر وفي المستقبل”.
ومن بين ما ينبّه إليه منير الحجوجي في شقّ الكتاب الخاص بآليات اشتغال “الهيمنة والابتلاع” أن الشعوب تصوّت ضد أعدائها الطبقيين “من يأكلونها” بسبب “القوات المسلحة الأيديولوجية” التي تعيد تشكيل العقول، وتعيد توجيه الرغبات الثورية إلى ذوبان في الموجود، ويكتب: “خذ مغرب 2021 وانظر كيف صوت مغاربة على ناس ما إن صعدوا الى سدة الحكم حتى بدؤوا عملية الذبح، هناك محاولة لتفسير هذه المفارقة يقدمها علم الاجتماع الماركسي، وتدقيقا علم الاجتماع الماركسي المنحدر من غرامشي؛ يقول أنطونيو إن السلطة تفهم جيدا أنه يستحيل لها الانتصار سياسيا ما لم تنتصر أولا (…) ثقافيا. الهيمنة الثقافية أو الأيديولوجية مهمة جدا في التحضير للانتصار السياسي”.
ويسترسل شارحا: “اللحظة المفصلية هنا هي 2011، عندما زعزعت الحشود الثائرة المعادلات/الكراسي “الأبدية”.. وبطبيعة الحال، ستشمر السلطة فورا على سواعدها، ستبدأ التفكير في هجوم مضاد… لن تخرج السلطة الجيش من ثكناته، لكنها ستخرج عسكرا من نوع آخر: العسكر الأيديولوجي (…) والهدف: القصف الثقافي/تدمير الخلايا الصدامية… اجتثاث الجينات الثورية… تعويضها بجينات أخرى… جينات التماهي مع النظام… جينات الرغبة في النظام… جينات الاستعداد للموت من أجل النظام… (والذوبان فيه) وهذا عمل أخطر من العمل العسكري… المادي”.
وحول استعجال “الانفتاح الإيكولوجي”، يقدم الكتاب ترجمات إلى العربية لحوارات مع عدد من كبار منظري “الباراديغم الإيكولوجي”؛ فالعالَم “أمام لحظة مفصلية من تاريخ البشرية، لم يعد ممكنا تحمل عبث آخر”، وبالتالي تروم هذه الحوارات “مساعدة القارئ على فهم واحد من أخطر التحولات/الرهانات الحالية، هو وضعنا أمام صورة كارثة نصنعها ونحن لامبالون حتى لا نقول ونحن سعداء بصناعتها، هو التحذير مما ينتظرنا إن استمررنا في هلوساتنا/غباءاتنا الحالية”.
وتلتقي الأسماء الإيكولوجية في التنبيه إلى أنه “ونحن نجري وراء تلبية حاجياتنا، لم نر أن التخريبات التي نحدثها في الأرض وصلت إلى مستويات بدأت تهدد بقاءَنا وبقاء كل شركائنا الآخرين؛ لم نر أن نموذجنا “التنموي”، النموذج التصنيعي/الاستهلاكي المحموم، بدأ، لأول مرة في تاريخ نوعنا، يصطدم بحدود المجال الحيوي. المشكل، إذن، هو خياراتنا الأنثروبولوجية الكبرى، طريقتنا في عيش العالم، في سكنى الأرض”، والدرس هو: “إن الاستمرار في هذه الدينامية، في منطق الإنتاج/الاستهلاك/القضم/الهدم هو لا أقل ولا أكثر قرار بالانتحار”، و”إما تغيير الوجهة، الآن قبل الغد، أو الهاوية”.
ويواصل الكتاب: “وعدتنا الحداثة بالخروج من الجوع، من الفقر، من المرض… وعدتنا بالنمو، بالتقدم. ولقد حققت نتائج كبيرة جدا على هذا المستوى. لا يمكن أن ننكر ذلك؛ لكن الجري وراء النمو/الإنتاج/الاستهلاك/الرفاهية/المال/القوة/التعملق/النسف تم ولا يزال يتم على حساب المنظومات الإيكولوجية، على حساب الأرض. الحداثة استنزفت ذاتها. من حقنا أن نعيش؛ لكن ليس بالدوس على الأرض”.
هذه الأرض “هي بيتنا/أمنا الأولى والأخيرة”؛ “أليست هي من تطعمنا، تدفئنا، تحمينا، جميعا، بشرا ومنظومات حية، من الأخطار، الظاهر منها والخفي؟”، و”من يبصق في وجه الأرض فكأنما يبصق في وجه أمه”، وصيانة الأرض ليست مجرّد طيبوبة بل “الأمر أعمق من ذلك”؛ “علينا بحماية الأنساق/المنظومات الحية لأن وجودنا من وجود تلك الأنساق؛ علي أن أحمي النملة لأن النملة مفصلية جدا لبقاء دورة الحياة، لبقائي… في غيريّة عقلانية مثلما عبر يوما جاك أطالي”.
ويقول الكتاب الجماعي إن “منظومة الإيكولوجيا الجذرية هي المنظومة الوحيدة (…) التي حدست جدة/خطورة اللحظة، بدأت تمر من موقع الدفاع عن النفس نحو الهجوم، نحو اقتراح بدائل حقيقية”، ثم يعبّر الباحثون عن يقينهم أن “عالم 2050 سيكون إيكولوجيا”، فهذا “حال كل فكرة ثورية، تنشأ كفكرة هامشية، موضوع كل السخريات؛ تبدأ بعدها في الإزعاج (وهي حالة فكرتنا الآن)، قبل أن يعم نورها العالم”، ثم يترك العمل الجماعي أسئلة استنكارية وتوجيها: “ألم يمر ملف تصويت النساء من المراحل الثلاث؟ أو رهان إلغاء العبودية؟ أو سؤال الديمقراطية؟ دورنا أن ندعم التحول بكل ما أوتينا من حرارة، ضدا في سرطان عصرنا: اللامبالاة العامة، دكتاتورية اللامبالاة العامة”.
المصدر: هسبريس