الذكرى المئوية لثورة 1924 «13».. برنامج جمعية اللواء الأبيض
الذكرى المئوية لثورة 1924 «13».. برنامج جمعية اللواء الأبيض
تاج السر عثمان بابو
1
كان البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجمعية اللواء الأبيض كما جاء في منشوراتها ومقالات قادتها يتلخص في الآتي:
إن السياسة البريطانية قائمة على مبدأ “فرق تسد”.
إن حكومة السودان صادرت الأراضي من ملاكها لصالح الشركات البريطانية والأجنبية، بالتالي الغاء مصادرة الحكومة لاراضي السودانيين.
وقف اجبار السودانيين على دراسة المسيحية، ووقف اجبار الجنوبيين على اعتناق المسيحية.
الغاء الحكومة لاحتكار السكر.
ادخال نظام جديد للترقية يأخذ في الاعتبار مصالح الموظفين السودانيين في الخدمة المدنية، خاصة أن الموظفين بالخدمة غير راضين عن نظام الترقيات والدرجات.
وحدة وادي النيل هى المدخل لاستقلال السودان من الاستعمار الانجليزي، ومعارضة انفصال مصر عن السودان تحت أي ظروف، وكان شعار الجمعية العلم الأبيض وعليه خريطة النيل والعلم المصرى في زاوية منه.
المطالبة بالحقوق والحريات الديمقراطية.
( راجع منشور وطني ناصح أمين، الحضارة 13 /11/ 1920 ، ومقال عبيد حاج الأمين في الاهرام 21 نوفمبر 1922، راجع ايضا محمد عمر بشير المرجع السابق، ص 81 82، ومحمد سعيد القدال ، تاريخ السودان الحديث، القاهرة 1993).
2
كان المعارضون للواء الأبيض يقومون بالدفاع عن الإدارة البريطانية وزعماء الطوائف الدينية، ففي مقال للشريف حسين الهندى ورد أن العدل والحرية والأمن والرفاهية نتاج الإدارة البريطانية لا يمكن مقارنتها بأي نظام آخر( الحضارة 20 / 11/ 1920)
هكذا ظهر الانقسام السياسي وسط السودانيين الذي شكل جذور السياسة السودانية الحديثة، حيث انقسم السودانيون الى معسكرين:
اولهما ايد الحكم البريطاني في السودان ، لكى يعد السودانيين للاستقلال “السودان للسودانيين” .
ثانيهما ايد جلاء الاستعمار والوحدة مع مصر للحصول هلى الاستقلال.
كان المعسكر الأول يتالف من الزعماء التقليديين والدينيين والقبليين ، ومن جريدة “حضارة السودان” كناطق رسمي ، كما تألف المعسكر الثاني من العناصر المتعلمة تعليما عصريا.
لعل من الخطأ أن يُقال على كل حال أن المعادين لبريطانيا والمؤيدين لمصر كانوا مجرد أدوات في ايدى الوطنيين المصريين، فقد كانت هناك مآسي حقيقية مثل: الأراضي المتعلقة بمشروع الجزيرة، احتكار الحكومة للسكر وارتفاع اسعاره، والضرائب ونظام الترقية في الخدمة المدنية (الحضارة 14 /6/ 1922، 7 يونيو 1922 ، ومحمد عمر بشير تاريخ الحركة الوطنية، ص 82).
وفي مقال بجريدة الحضارة نُشر في أول نوفمبر عام 1922 أكد الكاتب أن هناك مظلمتين محددتين ناتجتين من جراء ارتفاع سعر السكر وتكاليف نقل صادرات البلاد ، والتبرير الذي يساق باتنسبة لارتفاع سعر السكر هو الحصول على أموال تغطى تكاليف الإدارة الداخلية.
كما اشار مقال الحضارة الى عدم رضا الموظفين بالخدمة المدنية عن نظام الترقيات والدرجات (الحضارة 26 / 7/ 1922).
3
هذا جانب ، ولكن من جانب آخر ليس صحيحا ماورد في منشور ” وطنى ناصح مخلص أمين” الذي جاء فيه ” ادعى البريطانيون أن فتحهم السودان كان بغرض القضاء على تجارة الرقيق، لكن ذلك كان كذبا وبهتانا، لأنه لم تكن هناك تجارة للرقيق، بل كان هناك رسل للحضارة من جانب الإدارة التركية المصرية الي ابناء الجنوب، لأن المصريين والاتراك كانوا مسؤولين عن إدارة البلاد” ( انظر منشور وطني ناصح مخلص أمين، الحضارة 13 / 11/ 1920).
فمن ناحية الحقائق التاريخية، فانه كانت هناك تجارة رقيق خلال فترة الحكم التركي ، وخلال فترة المهدية ، وأن الإدارة البريطانية في بداية القرن العشرين الغت نظام الرق وتجارة الرقيق ، وهذا جيد ، لكنها استبدلت الاسنغلال القائم على الرق باستغلال آخر جديد قام على العمل المأجور واستحواذ فائض القيمة من العاملين الأحرار( للمزيد من التفاصيل، راجع تاج السر عثمان الحاج، خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006).
هذا اضافة الي أن السودانيين عانوا من مظالم العهد التركي المصري الذي ارهق المواطنين بالضرائب، فالدفاع عن الحكم التركي بهذا الشكل كما ورد في منشور وطنى ناصح مخلص أمين غير مفيد.
وأخيرا قادت جمعية اللواء الأبيض الثورة على النحو الذي استعرضناه سابقا وحللنا نجاحاته واخفاقاته.
4
علاقة جمعية اللواء الأبيض بمصر
كثير من المعادين لجمعية اللواء الأبيض كانوا يصورون جمعية اللواء الأبيض بأنها كانت واجهة سياسية لمصر أو أنها قامت بوحى من المصريين ، فهل هذا صحيح؟
الاجابة على هذا السؤال مهم أن نتابع ونحلل طبيعة الصراع منذ أن قامت الحركة الوطنية الحديثة.
كما اشرنا سابقا قامت حركة وطنية على أسس ومناهج جديدة نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي حدث حتى نهاية الحرب العالمية الأولي، وكان للصراع بين طرفي الحكم الثنائي ( البريطانيين والمصريين) أثر في تطور الحركة الوطنية السودانية.
لا يمكن انكار حقيقة أنه حدثت تطورات اقتصادية وعمرانية في تلك الفترة ، ومن ضمن المشاريع التي قامت مشروع الجزيرة الذي كان محل خلاف بين المصريين والبريطانيين ، المصريون يرون أنه يؤثر على حصتهم من مياه النيل، وأن الاسبقية يجب أن تكون لتطور مصر، والبريطانيون يصرون على قيام المشروع خدمة لمصالحهم فيه، هذا اضافة للخلاف حول اتجاه الإدارة البريطانية لاحلال السودانيين محل المصريين في الخدمة المدنية، والإدارة الأهلية محل المآمير ونوابهم المصريين، وأصبح الصراع يتبلور بطريقة واضحة، المصريون يطالبون باستقلال مصر والسودان، والإدارة البريطانية تتمسك بموقفها لابعاد المصريين والانفراد بحكم السودان، هذا الصراع كان له انعكاسه على السودانيين، وكل طرف حاول أن يكسب مجموعة من السودانيين لدعم موقفه ( ليس بطريقة آلية)، وكان لهذا الصراع انعكاسه على تطور الحركة الوطنية فيما بعد.
الإدارة البريطانية استطاعت أن تكسب الي جانبها زعماء الطوائف الدينية وزعماء القبائل ودعمتهم في صراعها ضد المصريين ، لكن من جانب آخر خسرت الإدارة البريطانية جزءً كبيرا من المتعلمين من خريجي المدارس الوسطى وكلية غردون والمدرسة الحربية. الخ ، وعملت على ابعادهم عن الإدارة واستبدلتهم بالإدارة الأهلية، بل حتى الوفد الذي سافر ليقدم التهنئة لملك بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولي لم يكن فيه ممثلا للمتعلمين.
5
لا يمكن تبسيط الصراع واختزاله في أبيض أوأسود، لكنه كان معقدا، فمن جانب كانت الإدارة البريطانية تعبر عن مصالحها وانفرادها بحكم السودان، وتصور تلك المصالح وكأنها مصالح السودانيين، وتهدف الي تطوير السودان اقتصاديا واجتماعيا، وتعمل على جذب زعماء الطوائف والقبائل اليهاعلى هذا الأساس.
كما كانت تستغل فظاعة الحكم التركي ودور المصريين فيه، لكن من جانب آخر كانت هناك اشياء لايمكن انكارها، وهى اصرارالإدارة البريطانية على التطورات الاقتصادية مهما كان وضعها في هذا الصراع: مثل احلال السودانيين محل المصريين في الإدارة ، وعملت على تدريب سودانيين منذ عام 1915 على أعمال البريد والخدمات الطبية ( انشاء المدرسة الطبية 1924) لتأهيل سودانيين في المجال الطبي، وكذلك التنمية الاقتصادية والدفاع عن قيام مشروع الجزيرة في صراع مع المصريين، وكان لمصلحة السودان، رغم أن هدف الإدارة البريطانية كان واضحا من ذلك ( خدمة لمصالحها الاستعمارية).
لكن ايا كانت تلك المصالح فلا يمكن انكار أن مشروع الجزيرة شكل فيما بعد ( بعد ضمه لحكومة السودان) عماد الاقتصاد السوداني واسهم في تطوره الاقتصادي والاجتماعي، ومن هذه الزاوية كان المصريون يتجاهلون تطور السودان في سبيل الدفاع عن حقهم في مياه النيل، وعدم المساس به، وكانوا لا ينظرون للجانب الاخر أهمية تنمية السودان اقتصاديا واجتماعيا، مما يعكس فهم الطبقات الاقطاعية والراسمالية في مصر حول تبعية السودان لمصر وان الاسبقية بالتالي يجب أن تكون لتنمية مصر.
نواصل
الذكرى المئوية لثورة 1924 «12».. ما هي سمات جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الأبيض؟
المصدر: صحيفة التغيير