اخبار السودان

منظومة بريكس الجديدة.. هل توقف الهيمنة الاقتصادية للغرب الرأسمالي؟..عوامل الموارد الطبيعية، والصناعة والتنمية المستدامة، ونقل المعرفة المعادلة الرابحة «3 3»

 

منظومة بريكس الجديدة.. هل توقف الهيمنة الاقتصادية للغرب الرأسمالي؟:

عوامل الموارد الطبيعية، والصناعة والتنمية المستدامة، ونقل المعرفة المعادلة الرابحة «3 3»

د. محمد تيراب

تناولنا في الجزء الأول الدور الحاسم الذي تلعبه الدول النامية في الاقتصاد العالمي، وكذا في ديناميكيات العلاقات الدولية، حيث تواجه هذه الدول التي تتسم كثيراً بانخفاض مستويات تنميتها الاقتصادية، وتصنيعها، تحديات جمة. وفي الوقت ذاته تلوح أمامها فرصٌ فريدة في سعيها لتحقيق، النمو والاستقرار. وتناولنا كذلك في الجزء الثاني صعود بريكس وتعدد الأقطاب. إذ كان ظهور دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في أوائل القرن 21 بمثابة تحول كبير في ميزان القوى العالمي. هذه الدول، مع عدد سكانها الكبير، والاقتصادات المتوسعة، والنفوذ المتزايد، تحدت هيمنة القوى الغربية والنظام الدولي القائم من جانب واحد.

ونتناول في هذا الجزء الثالث الموارد الطبيعية، الصناعة والتنمية المستدامة، ونقل المعرفة المعادلة الرابحة. فالواقع ان تعزيز الحكم الرشيد يعد أمراً ضرورياً للدول النامية، فذاك عنصر هام جداً للتغلب بفعالية على التحديات السياسية. من خلال ضمان الشفافية والمساءلة وسيادة القانون، وبذلك يمكن للدول الافريقية والعربية بنظم حكمها الراشدة، يمكن لها بناء الثقة مع كل من الغرب ودول البريكس. كما أن ممارسات الحكم الرشيد تجتذب الاستثمار الأجنبي وثقته وتعزز النمو الاقتصادي، مما يمكن أن يزيد من تعزيز المكانة السياسية للبلد. وينبغي للدول الأفروعربية أن تعطي الأولوية للحكم الرشيد كوسيلة لتعزيز علاقاتها مع كلا الجانبين.

تمتلك معظم الدول الافريقية والعربية موارد طبيعية غنية، والتي يمكن استخدامها كوسيلة ضغط في علاقاتها السياسية مع الغرب ودول البريكس. وتستطيع تلك الدول، عبر الاستغلال الاستراتيجي الاستفادة من مواردها الطبيعية بالشكل الأمثل ، أن تجذب انتباه الجانبين وتتفاوض بشأن شروط مواتية. ومع ذلك، من الأهمية بمكان ضمان أن يتم استغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام ونهج مدروس لفائدة التنمية الطويلة الأجل للدولة.

وجود الموارد الطبيعية الغنية وكذلك الموارد البشرية الفتية يمكن أن تكون بمثابة ورقة رابحة قيمة للدول الافريقية والعربية في سعيها لإقامة علاقات متوازنة مع الغرب ودول البريكس. يمكن استخدام هذه الموارد كرافعة لجذب الاستثمارات والتفاوض على اتفاقيات تجارية مواتية وتوطيد العلاقات الدبلوماسية.

حتى تستطيع الدول الافريقية والعربية استخدام الموارد الطبيعية بفعالية كوسيلة ضغط، يجب أن تعتمد نهجا استراتيجيا. ويشمل ذلك إجراء تقييمات شاملة لمواردها الطبيعية والبشرية، وتحديد الأسواق المحتملة، وتنويع وجهات تصدير منتجاتها المصنّعة. ومن خلال الحد من الاعتماد على سوق واحدة، يمكن للدول الأفروعربية أن تخفف من المخاطر وتزيد من قدرتها التفاوضية إلى أقصى حد.

ولكن قبل ذلك يتعين على الدول الافريقية والعربية أن تدرك أهمية الشراكات الصناعية وتوطينها، في إطار سعيها إلى إقامة علاقات متوازنة مع الغرب ودول البريكس، وجعل عنصر الموارد الغنية أساساً للتفاوض والتفاضل في إقامة العلاقات مع أي من المجموعات بريكس أو الغرب وإعتماد ذلك كورقة ضغط وجذب رابحة. حتى توفر هذه الشراكات سبلاً للنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي ونقل المعرفة. من خلال تعزيز التعاون مع كل من الغرب ودول البريكس، يجب على الدول الافريقية والعربية الاستفادة من الخبرات الوطنية والموارد المتنوعة.

استراتيجيات إدارة العلاقات الدولية

يجسد المشهد الحالي بوضوح، إن وضع الدول الأفريقية والعربية يستحوذ على موقع متقدم وأهمية، خاصة في سياق تأثير مجموعة البريكس وإدارة العلاقات الدولية. وقد شهدت هذه المناطق اهتماما متزايدا من كل من الغرب ودول البريكس، مما يوفر فرصاً كبيرة وتحديات كثيرة في ذات الوقت.

من أجل إدارة علاقات دولية فعالة، ينبغي للدول الأفريقية والعربية أن تعتمد نهجا استباقياً. واعتماد استراتيجيات عدة حيال ذلك: ينبغي أن تعطي الأولوية للحوار والدبلوماسية كوسيلة لحل الصراعات والنهوض بمصالحها. يمكن أن يساعد التواصل المفتوح والبناء في سد الاختلافات وتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة.

يتجسد ذلك أيضاً في الانخراط بنشاط مع كل من الغرب ودول البريكس من خلال القنوات الدبلوماسية والمنتديات متعددة الأطراف والمنظومات الإقليمية مشاركةً في حوار جاد عبر مفاوضات مدروسة. يجب ان يتم ذلك عبر إعطاء الأولوية للتكامل الإقليمي كوسيلة لتعزيز قدرتها على التفاوض الجماعي والنفوذ في علاقاتها مع دول البريكس والغرب. من خلال تشكيل التكتلات الاقتصادية الإقليمية وتعزيز التعاون الوثيق “الأفروعربي”، بذلك يمكن لتلك البلدان إنشاء أسواق أكبر، وجذب المزيد من الاستثمار، والتفاوض على اتفاقيات تجارية أفضل. ولتعزيز التكامل الإقليمي، ينبغي للمنظومة الأفروعربية أن تستثمر في تطوير البنية التحتية، مثل خطوط النقل وشبكات الطاقة والاتصال الرقمي. يمكن أن يسهل ذلك حركة السلع والخدمات والأشخاص داخل المنطقة، ويعزز النمو الاقتصادي والتكاملي. وينبغي الأفروعربية أيضا أن تعطي الأولوية لمواءمة الأنظمة والمعايير الضابطة، لتيسير سير تدفقات التجارة والاستثمار داخل المنطقة. ولابد من التركيز على التنمية المستدامة التي تعزز التكامل الإقليمي والتعاون بين الدول، مما يعزز القدرة على مواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل. ينبغي للبلدان النامية أن تستثمر في بناء القدرات وتبادل المعارف فيما بينها والعمل على نقل المعرفة عبر بوابات العالم المفتوح لترقية المورد البشري كعنصر فعال وأساسي في التنمية المستدامة. ومن خلال تعزيز رأس المال البشري والخبرة التقنية، يمكن للدول الأفروعربية التنقل بشكل أفضل فيما بين تعقيدات العلاقات الدولية ومطباتها، وكذا الاستفادة من فرص النمو. تسهم استراتيجيات التنمية المستدامة في تحسين جودة الحياة للمواطنين، في رفاههم الاقتصادي وتماسك نسيجهم الاجتماعي، بتوفير الفرص المتساوية في مجالات مثل التعليم والصحة والإسكان، وتأمين البنية التحتية. الالتزام بالتنمية المستدامة يعزز التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة وكذلك الحفاظ على الميزة الأساسية للزراعة ومنتوجه العضوي كميزة تنافسية هامة، مما يحقق استدامة الموارد الطبيعية ويقلل من التأثيرات البيئية السلبية. من خلال تطوير القطاعات المستدامة مثل الطاقة المتجددة والزراعة الذكية، يمكن للدول الأفرو عربية تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية على الاستيراد. الالتزام بالتنمية المستدامة يعزز التوازن في العلاقات الدولية، حيث تصبح الدول الإفريقية والعربية شركاء فعّالين يسعى الآخرون للتعاون معهم بشكل متساوٍ.

تعتبر إستراتيجية تنويع الشراكات الدوليةعبر التعامل مع مجموعة واسعة من الدول خطوة من شأنها تقليل الاعتماد على قوة واحدة وتعزيز المواقف التفاوضية. لا يستثني ذلك استكشاف فرص التعاون مع الاقتصادات الناشئة داخل مجموعة البريكس نفسها، فضلا عن تعزيز العلاقات مع الشركاء الغربيين التقليديين. تعتبر الدول الملتزمة بالتنمية المستدامة موطنًا جاذبًا للاستثمارات المستدامة، حيث يزيد اهتمام المستثمرين بالمشاريع التي تحقق التنمية الاقتصادية وتحافظ على البيئة، وهو شأن جدير بالإهتمام من قِبل الدول الأفروعربية.

يعتبر بزوغ نجم مجموعة البريكس فرصة، ولكنه يشكل تحديات جمة للدول النامية عامة والدول الافريقية والعربية على حد سواء. ومن الضروري أن تقوم هذه الدول على نحو استباقي بتحديد الفرص واغتنامها والتصدي بفعالية للتحديات حين نشوئها. إن المشاركة بشكل نشط في المبادرات المختلفة تزيد إمكانية تحسن تدفقات التجارة والاستثمار، وقد يكون بنك التنمية الجديد في بريكس مدخلاً مناسباً لتلك المشاركة المرجوة، هكذا مشاركة يمكن أن تؤمن تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية بما في ذلك الصناعة التحويلية، ويجب هنا الاهتمام بالتصنيع في المجال الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي كمدخل مهم للاهتمام للتنمية المستدامة القيمة المضافة عبرها. ومن خلال الاستفادة من هذه الفرص، يمكن للدول الأفروعربية أن تعزز نموها الاقتصادي وتقلص الفجوات الإنمائية.

ستواجه الدول المعنية كثير تحديات، بما في ذلك التنافس على الموارد، والوصول إلى الأسواق، والتأثير الجيوسياسي. يجب أن تكون الدول النامية عموماً والبلدان الأفريقية والعربية على وجه الخصوص أن تكون مستعدة لمواجهة هذه التحديات، باعتماد نهج عملي واستراتيجي. وهذا ينطوي على تنويع قاعدتها الاقتصادية، والاستثمار في الموارد المستدامة بما في ذلك رأس المال البشري كمورد مستدام أهم، وتعزيز المؤسسات لضمان الحوكمة الفعالة.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *