الجيش الإسرائيلي ينفذ اقتحامات انتقامية
في أزقة مخيم نور شمس للاجئين بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، يتجول مقاتلون مسلحون يلقون التحية على مارة ويتبادلون أطراف الحديث وسط ركام بيوت هدمها الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاقتحام التي تزايدت منذ اندلاع الحرب في غزة قبل 100 يوم.
فالمدينة، بما في ذلك مخيم اللاجئين، تشهد على تضاعف العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي باتت تتركز بشكل واضح على المدن والمخيمات التي تعد معاقل لفصائل فلسطينية مسلحة شمال الضفة الغربية المحتلة.
وقد كانت إسرائيل تقتحم مخيمات للاجئين في هذه المنطقة من حين إلى آخر، لكن وتيرة هذه الاقتحامات زادت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب في غزة بعد الهجوم الذي شنّته حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه “يقوم بعمليات مكافحة الإرهاب ليلا لاعتقال مشتبه بهم، وكثير منهم جزء من منظمة حماس الإرهابية”، مؤكدا أنه كان هناك “أكثر من 700 محاولة لتنفيذ هجمات” في الضفة الغربية منذ بداية الحرب.
لكن سعيد، المقاتل الفلسطيني الذي ارتدى ملابسا رياضية ووقف حاملا بندقيته مكشوف الوجه وسط مخيم نور شمس، يرى أن العمليات الإسرائيلية في المخيمات لا تهدف سوى إلى “الانتقام”.
وقال الشاب البالغ من العمر 23 عاما لوكالة “فرانس برس” إن اسرائيل “تريد أن تنتقم من الضفة (…) لن يصحوا مما حصل في السابع من أكتوبر، ولم يتوقعوا ما حدث”. وهو يرى أن القوات الإسرائيلية “لم تحقق شيئا في غزة” بعد 100 يوم على الحرب.
وأكد ناشط في مخيم نور شمس، طلب عدم كشف هويته، لـ”فرانس برس” أن القوات الإسرائيلية شنت منذ بدء النزاع في غزة ثماني عمليات اقتحام لطولكرم، أربع منها خلال ديسمبر.
وأعلن الجيش في 20 أكتوبر عن مقتل أحد عناصر حرس الحدود في اشتباكات مع مسلحين في مخيم نور شمس.
“كتيبة طولكرم”
سعيد، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، هو أحد كوادر “كتيبة طولكرم”، وهي تنظيم مسلح يجمع عناصر من مختلف الفصائل الفلسطينية، وينشط منذ أقل من عام في مخيمي طولكرم ونور شمس.
ويحاول المقاتل عصوم المرور فوق أكوام حجارة تكدست أمام منزل هدمه الجيش الإسرائيلي في زقاق بمخيم نور شمس.
ويقول الشاب البالغ 26 عاما: “كلنا نعلم أن نهاية هذا الطريق هو الاستشهاد إن شاء الله”، لكن “لا شيء يوقفنا، سنبقى على هذه الطريق حتى لو بقي واحد منا”، مضيفا أن الجيش الإسرائيلي “يحاول إنهاء الحالة، لكنه لن يستطيع” لأن “المخيم كله كتيبة”.
وسعيد وعصوم أسيران محرران من السجون الإسرائيلية، ويريدان “إنهاء الاحتلال”.
وتنعكس الاقتحامات الإسرائيلية على حياة مختلف السكان في المخيمات. ففي 26 ديسمبر فجّر الجيش منزل مطلوب، مما ألحق أضرارا جسيمة بمنزل يوسف زنديق (50 عاما) المجاور في الشارع الرئيسي لمخيم نور شمس.
يقول يوسف: “منزلي غير صالح للسكن”، مضيفا أنه ينام وأربعة من أبنائه في الشارع. ويشير إلى سيارة مركونة جانبا قائلا: “ملابسي في السيارة”. وقد قرر أن ينصب “خيمة” لأنه لم يجد منزلا يستأجره.
في نهاية الأسبوع الماضي داهم الجيش منزل قريبته صبحية زنديق (65 عاما)، واعتقلها مع زوجها قبل أن يفرج عنها بعد منتصف الليل، لتعود إلى منزلها وتجده مقلوبا رأسا على عقب بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه.
تقول صبحية: “دخلوا إلى منازل أولادي وعادوا منها مع كيس ألعاب أطفال، بينها مسدسات بلاستيكية، وقالوا: أنتم إرهابيون”. وتشير إلى خزنة كانت موجودة في غرفة نومها قائلة إن الجيش سرق محتوياتها من ذهب ومال. ويضيف زوجها: “يريدون أن ينتقموا من الناس والشعب، وما لا يستطيعون فعله في غزة يفعلونه هنا”.
“غزة مصغرة”
يرى سعيد أن الجنود الإسرائيليين “يأتون للتأثير على الحاضنة الشعبية ومحبة الناس”، مضيفا “نثق بأن أهل المخيم لن يتركونا وحدنا”.
يجلس مدير المدرسة تميم خريس (42 عاما) خارج منزله بجانب أنقاض منزل جيرانه، يحتسي القهوة مع أصدقائه. ويقول لـ”فرانس برس” إن “الإسرائيليين يريدون تدمير الناس وتهجيرهم وكسر شوكتهم. الاحتلال يريد أن يهين الناس حتى لا يفكر أحد بشيء اسمه فلسطين”.
يقاطعه عبد القادر حمدان، الذي كان بجانبه، قائلا: “يريدون تدمير الحاضنة الاجتماعية للكتيبة، لكن الكتيبة شباب من أهل المخيم”. ويضيف “طردوهم في السابق (في إشارة إلى نكبة العام 1948)، واليوم يلاحقونهم إلى المكان الذي طردوهم إليه”.
في حارة المنشية لم يتبق من مبنى روضة الأطفال وقاعة الأفراح المكون من طابقين سوى رسومات للأطفال على جدرانهما الخارجية وحجر يحمل شعاري الاتحاد الأوروبي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
بالقرب من أنقاض الروضة كان صالح (10 سنوات) يلهو مع أصدقائه. ويقول: “هذه روضة أطفال، ماذا يريدون منها؟”، مضيفا وهو يشير إلى الركام “هنا المنشية غزة مصغرة”.
المصدر: هسبريس