اخبار المغرب

باحث يفسّر أسباب اهتمام الفقهاء باحتفاليات “إيض إيناير” في العصر الوسيط

ما زال التقويم الزمني لدى الأمازيغ يحظى بنقاش متواصل، وزاد الاهتمام أكثر به مع إقرار الدولة المغربية رأس السنة الأمازيغية، الذي يصادف 13 يناير، عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها.

وعشية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أمس الجمعة، ندوة سلّط فيها باحثون الضوء على أصول التقويم الزمني عند الأمازيغ، ودلالات هذه المناسبة التي تعود إلى 2974 سنة.

المحفوظ أسمهري، باحث في مركز الدراسات التاريخية والبيئية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قال إن التقويم الزمني يُعدّ من العناصر المميزة للهويات الثقافية الجماعية، ما يجعل منه موضوعا ذا راهنية في بلدان شمال إفريقيا التي يعرف فيها موضوع الهوية الوطنية دينامية ومخاضا وتحولات.

ويُقصد بالتقويم الزمني، طريقة حساب الوقت عند مجموعة بشرية لها مرجعية ثقافية وحضارية مشتركة، وترتبط به طقوس ومعتقدات ومواقيت للممارسات الاحتفالية الاجتماعية وأخرى للأنشطة الاقتصادية، وبالتالي فهو من العناصر المميزة للهويات الثقافية الجماعية.

وانطلاقا من المعطيات التاريخية، أشار أسمهري، وهو باحث مشتغل على التاريخ القديم، إلى أن سكان شمال إفريقيا، باستثناء مصر، اختاروا فترة الانقلاب الشتوي بداية للسنة الشمسية/الفلاحية كأساس للتقويم الشمسي (التقويم الفلاحي)، بينما اختار المصريون فترة الانقلاب الصيفي بداية لها.

واستنادا إلى هذا المعطى التاريخي، يردف أسمهري، فإن السنة الفلاحية في مصر رهينة بفيضانات النيل، التي تكون مطلع الصيف، بينما في باقي شمال إفريقيا، فإن السنة الفلاحية رهينة بموسم المطر في فصل الشتاء، مبرزا أن معتقدات المصريين في الاحتفال مرتبطة بالنيل، بينما ترتبط معتقدات المغاربة في التقويم الفلاحي بالاستمطار.

وبالرغم من تعدد تسميات رأس السنة الشمسية، إلا أن أسمهري رجّح، استنادا إلى المعطيات اللغوية في علاقتها بالسياق التاريخي المرتبط بهذا الموضوع، أن يكون الأصل في تسمية رأس السنة الشمسية عند الأمازيغ هو “إِخْفْ أُوسكَّاس”، و “تَبُورْت أوسكّاس”، بينما “إيضْ إيناير”، مرتبط بالفترة الرومانية، لأن الاسم أصله لاتيني.

ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن موقف بعض الفقهاء من احتفالات يناير راجع إلى أنه يحيل على حدثين متزامنين لكل منهما دلالته ومرجعيته ووظيفته الخاصة؛ يتعلّقان بالمرجعية الأصلية الرومانية والمسيحية للاحتفالات، ووظيفته الفلاحية في شمال إفريقيا.

ونوّه الباحث إلى استحضار أهمية الانتماء الديني في تلك الفترة (العصر الوسيط)، مبرزا أن التقويم اليولياني فقَد وظيفته الدينية في شمال إفريقيا الإسلامية، بينما كانت له هذه الوظيفة في شمال إفريقيا المسيحية إلى جانب الوظيفة في التقويم الفلاحي، بدليل استعماله خارج المجال الذي كان خاضعا للرومان.

واستطرد موضحا أن “موقف الفقهاء من الاحتفال بإيضْ إيناير يجب فهمه في سياق أنه من الناحية النظرية، قبل 1582 ميلادية، كان التقويم الفلاحي والمسيحي، بمعنى أن اليوم الذي يحتفل فيه الأمازيغ بإيضْ إينايْر هو اليوم نفسه الذي يحتفل فيه المسيحيون برأس السنة الميلادية، وبالتالي اختلطت الأمور على الفقهاء”.

وذهب المتحدث إلى القول إن “هذا الإشكال كان سيظلّ مطروحا إلى اليوم لو كان الاحتفال بإيضْ إيناير يتم وفق التقويم الإداري، أي أن تتزامن رأس السنة الأمازيغية مع رأس السنة الميلادية”، موردا أن الفقهاء سيعتبرون ذلك تشبّها بالنصارى.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *