الجزائر تتخلف عن مواكبة الأحداث العالمية .. عمى سياسي ورعونة دبلوماسية
الجمعة 12 يناير 2024 06:00
قال الكاتب والصحافي طالع السعود الأطلسي إن “القضية الفلسطينية يتولاها أصحابُها ويساندُهم من العرب القادرون على فعلٍ دولي، بهدوءٍ وصمتٍ، وليس بينهم قيادة الجزائر”، مضيفا أنه “في قضايا العالم الحارقة والباردة الأخرى لا تملك قيادة الجزائر لا الهَش ولا البَش”.
وتطرق طالع السعود الأطلسي، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى مجموعة من الأحداث التي يثبت من خلالها أن “القيادة الجزائرية تعيش حالة من العمى السياسي والرُعونة الدبلوماسية”، مشددا على أن “قيادة الجزائر لن تنفعها عُضوية مجلس الأمن الدولي، إذا لم ترهقها وتكشف مكامن العجز في دبلوماسيتها”.
نص المقال:
اسْتلمت الجزائر مَقعدها في مجلس الأمن بمُنظمة الأمم المتحدة، لسنتين، مع بداية يناير الجاري… وقد استلمته والدبلوماسية الجزائرية في حالَة عجْز بنيوية، وأيضا الوضع الدولي يشهد حرائق وَجَد مجلس الأمن فيها نفسه قاصرا على إطفائها… وفي الحالتيْن ستكون عُضويَة الجزائر فيه حَمْلا ثقيلا على الدولة الجزائرية، ويضعها في سياق ضُمورٍ لا يُنتج لها إلا الفشل… وفي سنة انتخابات رئاسية، يحتاج فيها الرئيس الحالي إلى مُنشطات سياسية تُدعم ترشيحه لكي يُغلب احتمال أن يكون هو الرئيس التالي… لن يتيح مجلس الأمن للقيادة الجزائرية ما يُفيدها بالمُزايدة في القضية الفلسطينية، وهي التي أصلا استنفدت كل مُمكنات الادعاءات الشعاراتية ببطولات وهمية في “نُصرة” الشعب الفلسطيني، وأهمها الزعْم بتحقيق المُصالحة الفلسطينية الفلسطينية؛ في حين لم تكن شروطها مُتَيَسرة، قبل هذا العُدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني… ضد كل فصائله وضد كل أرضه… لقد بات واضحا، اليوم، أن القضية الفلسطينية يتولاها أصحابُها ويساندُهم من العرب القادرون على فعلٍ دولي، بهدوءٍ وصمتٍ، وليس بينهم قيادة الجزائر… في قضايا العالم الحارقة والباردة الأخرى لا تملك قيادة الجزائر لا الهَش ولا البَش… في قضية الصحراء المغربية، والتي لا تعلو على اهتمام القيادة الجزائرية بها أية قضية أخرى، ليس بمقدور الدبلوماسية الجزائرية إلا التعبير عن رفضها لقرارات مجلس الأمن، ضدا على إجماع أعضائه الكبار، المُقررين، وهم المُلتزمون بثوابت قراراتهم السابقة، والتي أضْحت ثقافة جليةَ المعنى بمضمون مقترح الحكم الذاتي المغربي… سيكون الرفض الجزائري، المتوقع، صَيْحة، من خارج النص، لن تؤَثر في حوار الكبار… وهم يَقْطُرُون إيصال الحق الوطني المغربي إلى فضاء الشرعية الدولية… ستجد الدبلوماسية الجزائرية نفسَها، ومعَها القيادة الجزائرية التي تُوَجهها، في موْقع الضيْف، الثقيل، في مجلس الأمن، يتفرج في مُعظم الحالات، وفي حالاتٍ قليلة “يُبَرْطِم” لُزومَ ضرورة تبرير الحضور في ذلك المَحْفَل الدوْلي… وضع دبلوماسية الجزائر في مجلس الأمن الدوْلي هو امتدادٌ أو تعبيرٌ عن حقيقتها الفعلية في الساحة الدوْلية… وهي حقيقة لَخْبَطَتِها في تدبير علاقاتها الدولية جَراء عَمَى حِقْدها، الساكن فيها، ضد المغرب… حقيقة أنها لا تُقنِع الأبْعَدين ولا تسر الأقْربين… وأهم الأقربين في العلاقات الخارجية الجزائرية هو فيدرالية روسيا… روسيا تعرف حَساسية القيادة الجزائرية تُجاه المغرب، ومع ذلك تُراعي المغربَ وتُقيم له اعتبارا في علاقاتها معه وفي تماسها معه في المحافِل مُتعددة الأطراف، مما يَحُط، عمليا، من اعتبارها للقيادة الجزائرية… في سنة 2023 لوحْدها، لم تعترض على قرار مجلس الأمن، وهي التي تُشهر حقها بالفيتو على مُعظم القرارات الأممية التي تُدافع عنها الإدارة الأمريكية… بل إن رسغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، سيصرح، في مراكش، بأن روسيا تُدعم الحل السلمي للنزاع حول الصحراء المغربية على أساس قرار مجلس الأمن… وتلك القرارات تَميزت بخُلُوها من المُفردات الجزائرية من نوْع “تقرير المصير” و”الاسْتفتاء” و”الشعب الصحراوي”… الدولة الروسية هي التي رأست في مُراكش “مُنتدى الحوار الروسي العربي”، الذي قاطعته حليفتُها الجزائر… في اسْتصْغار لقدر تلك الحليفة مُقابل اعتبار مُعلن، بفخامة، للمغرب ولعلاقاته مع روسيا… إنها علامةٌ واضحة على فشل الدبلوماسية الجزائرية في صراعها ضد المغرب، وحتى في ساحاتها التقليدية ومع حُلفائها التاريخيين…
نفس سنة 2023، في آخرها، ستقَدم الدبلوماسية الجزائرية مثالا على نجاحها في “خِدمة” المغرب، من حيث لم يأمُرْها بذلك، ولا هي هدَفَت خِدمته… مُمثل الجزائر في اجْتماع مَجلس وُزراء الإعلام العرب، الذي عُقد بالعاصمة الليبية طرابلس، نِهاية دجنبر الماضي، اعْترض على إشادة المجلس العربي برئاسة جلالة الملك محمد السادس للجْنة القدس، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وبتنويه المُجتمعين بما “أنجزته اللجنة لفائدة المَقْدسيين ولفائدة المدينة الفلسطينية… المجلس رفض الاعتراض الجزائري، وبقي التحفظ الجزائري عزْفا منفردا وشاذا ولم تصاحبْه فيه حتى سوريا، والتي لم تتردد في مناسبات أخرى من التعبير عن مُخاصمتها للمغرب… لم ينْجح المندوب الجزائري سوَى في إثبات الإجماع العربي حول المغرب وحول مَلكه… هي فائدةٌ للمغرب نَتَجَت عن رُعونة الدبلوماسية الجزائرية، التي حاولت خرْق تقاليد العمل في مُؤسسات الجامعة العربية، المبْنية على التوافق والإجماع… الطيْش الدبلوماسي نفسه ثَبت للمغرب، في الاجتماع نفسه، احتضان مقر الهيئة العربية للإعلام، بعد إجماع الأعضاء على ذلك، ضدا على التحفظ الجزائري، وفي ذلك تقدير لجدارة المغرب السياسية والإعلامية على رئاسة تلك الهيئة…
سنة 2023 كانت بحق سنة “حَماقات” دبلوماسية جزائرية، لم ينفع في وقفها أن يُوضَع على رأس وزارة الخارجية السيد أحمد عطاف ليخلف السيد رمطان العمامرة، في شهر مارس من السنة نفسها… وقد واصلت على العداء نفسه للمغرب والانْفعال الحاقد ضده، كما رأينا في المقاطعة الرعناء للاجتماع الروسي العربي في مراكش، وفي المُشاغَبَة “الطفولية” في مؤتمر طرابلس لوزراء الإعلام العرب… وفي السعار الذي أصاب القيادة الجزائرية ضد الاتفاقات المغربية الإماراتية… وفي الغضب من دول الساحل والصحراء الافريقية التي انْخرطت في المعابر المغربية المفتوحة إلى الساحل الأطلسي المغربيالإفريقي…
مع بداية سنة 2024، بدأ التوتر الدبلوماسي بين الجزائر ومالي، وبزمْجَرة مَالية ضد الانْحشار الجزائري في الصراعات الداخلية في مالي… ومن تداعيات ذلك دعا الرئيس الانتقالي لمالي إلى “الحوار المباشر بين الماليين من أجل السلام والمصالحة”.. وبالمناسبة، أعلن “التملك الوطني لمسلسل السلام”، الذي كانت تؤطره اتفاقية الجزائر لسنة 2015… ويعني ذلك إبعاد الجزائر من الاتفاقية ومن مالي… ومن مالي في طريق انْطفاء النفوذ الجزائري في المنطقة بكاملها… وهذا بعض ما رمت به سنة 2023 إلى القيادة الجزائرية لسنة 2024، من متاعب ومن لغم قابل للانفجار في طريق الدبلوماسية الجزائرية، في جِوارها الإفريقي، يُضاف إلى ما تَنْفُثه من أحقاد ضد المغرب منذ حوالي خمسين سنة… تقودها إلى نفور دبلوماسي منها، في العالم، وخاصة منه في إفريقيا، العالم العربي وأوروبا.. ومؤخرا من الإدارة الأمريكية، التي اختارت التعبير عن قلقها من “التضييق على الحريات الدينية في الجزائر”… وستتمثل آسيا أيضا في هذا النفور من خلال إبعاد كوريا الجنوبية للبوليساريو من الاجتماع الكوريالإفريقي، ليونيو المقبل… ولا ثقْل للجزائر لدى الكوريين لفرض البوليساريو… لدى الكوريين المغرب أهم وأفيد…
قيادة الجزائر لن تنفعها عُضوية مجلس الأمن الدولي، إذا لم ترهقها وتكشف مكامن العجز في دبلوماسيتها… ينفعها أن تتخلص من حقدها على المغرب… وتتجاوَب مع نداءاته الأخوية للتعاون، وتتفاعل مع مشاريعه التنموية، المُعبأة بالتطلعات التنموية الإفريقية… لها في كل ذلك المنفعة… وليس سوى المنفعة.
المصدر: هسبريس