فعاليات يسارية ترفض “الطغيان السياسي” وتتشبث بدور التنظيمات الحزبية
كانت الندوة التي عالجت موضوع “المشهد الحزبي بين مركزية الأوراش الإستراتيجية والرهانات السياسية” فضاءً وجدت عبره بعض الفعاليات اليسارية الحاضرة الفرصة لكي تؤكّد “التصور اليساري للممارسة الحزبية”، والحاجة إلى “قول اجتماعي” في ظلّ هيمنة “الخطابات التقنوقراطية على جزء من الطبقة السياسية المغربية، داخل الائتلاف الحكومي الحالي”، وفق مخلصات المتدخلين في الندوة.
الندوة، التي نُظّمت من طرف معهد الدراسات العليا للتدبير HEM، مساء الخميس، يبدو أنها راهنت على مُساءلة الفاعل السياسي المغربي حول “الدور الذي يلعبه في خضم المسار التنموي الذي يشهده المغرب من خلال تأهيل العديد من الأوراش والمشاريع، في ظل الرهانات السياسية المرتبطة بهذه الأوراش الإستراتيجية”؛ ومدى حضور التصور السياسي، يساريا كان أو ليبراليا، داخل هذه المشاريع.
أدوار جديدة
مصطفى بن علي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، أشار في بداية مداخلته في الندوة إلى أنه “لا بديل عن العمل السياسيّ لحل أيّ مشكل اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو بيئي، وما دامت السياسة تمارس في نظام سياسي حيث الأحزاب السياسية لها مكانتها الخاصة”، وزاد: “ربما ليس السياق الخاص بنا مثاليا، لكن الديمقراطية ليس لها بديل، وبالتالي ليس هناك خيار غير العمل الحزبي، الذي لا بد أن يبقى ويتحسّن”.
وبدا المتحدّث في صفّ التنظيمات الحزبيّة، منطلقا في هذه الغاية من الدستور الجديد، الذي يوضح أن الأوراش الكبرى ليست من اختصاصات الأحزاب، وإنما من اختصاصات الملك، مؤكدا أن “دستور 2011 أعطى مكانة جد متقدمة للأحزاب السياسية، والطموح كان هو خلق الأحزاب كشريك أساسي وموثوق به لتعزيز دور الملكية في قيادة المجتمع؛ فهل نجحت الأحزاب في هذه المهمة أم لا؟ سؤال يبقى مطروحاً”.
وعاد الأمين العام لحزب جبهة القوى إلى ما بعد 2011، حين ظهرت مجموعة من الآراء التي اقترحت خلق فترة فراغ في المشهد الحزبي، بدعوى أن الأحزاب لا تقوم بأي شيء، وبالتالي يمكن تجاوزها”، موضحا أن “هذا الرأي خفت، والذين يقولون إن الأحزاب مُنحت فرصاً في الدستور ولم تمارس أدوارها معهم الحق إذا قالوا كل الأحزاب”، وتابع: “نحن نحتاج واقعاً جديداً وممارسة جديدة يفرضها علينا الواقع، مع أننا تقدمنا بالمقارنة مع نماذج دستورية وسياسية في ظل أنظمة جديدة كتونس ومصر”.
واعتبر الفاعل السياسي أن “السؤال المركزي هو كيف يمكن للأحزاب السياسية أن تلعب دورها؟”، مؤكدا أنها “لم تصل، رغم كل شيء، إلى حالة ميئوس منها أو إلى حالة لا يمكن إصلاحها”، وأوضح: “هي تلعب دورا أساسيا. وإذا بدا أن هناك اهتماما كبيرا بالمقاعد لدى التنظيمات الحزبية فذلك راجع إلى كون النظام الحزبي المغربي مبني على المقاعد، وحصة الأحزاب السياسية ودعم الدولة للأحزاب يمنح على أساس المقاعد. بمعنى أننا بنينا تصورنا للحزب على رؤية عددية للتعددية السياسية التي من المفروض أن تكون مبنية على البرامج والأفكار والتصورات”.
تحصيل حاصل
حين تناول الكلمة، قال مهدي مزواري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، إن “الإشكال الذي نعيشه في المغرب اليوم أنه لم يعد هناك نقاش سياسي بالمعنى المعروف؛ بل لم تعد هناك تلك الجدالات السياسية التي كانت تعدّ مهمّة بالنّسبة للديمقراطيّة”، مضيفاً أن “جلسات النقاش التي فتحت في زمن ما، وكانت فرصة للتدافع، تم إنهاؤها أيضا، بشكل أثر على طبيعة الحوار العمومي في المغرب”.
وأردف مزواري، ضمن مداخلته، بأن “هناك أمورا في الخطاب السياسي تحتاج إلى توضيح، وهي أن الأوراش الكبرى والإستراتيجية مهندسها هو الملك”، مبرزاً أن “الإشكال ليس في المشاريع، بل في المنفّذ الذي لا يحسن التنفيذ، والمقصود هو الحكومة”، وزاد: “الدولة الاجتماعية مثلا التي كثر عنها القيل أقرت توجها لمستوى اجتماعي؛ أي أن تكون حياة المغاربة محصنة على هذا المستوى”.
وأوضح المتحدث عينه أن “التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بيّن أن المشروع الخاص بالتغطية الصحية مهدد بالإخفاق على المستوى القريب؛ وذلك مبنيّ على معطيات وأرقام”، مشيراً إلى أن “النقاش المتعلق بهذا الموضوع أو غيره يجب أن يكون في إطار سياسي، لأن البراديغمات الجديدة التي اشتغلنا بها في المغرب أثمرت هذه النتائج، التي جعلت المشهد السياسي فرجويا”، وتابع: “الأحزاب السياسية لها مسؤولية في هذا طبعاً، ولكن فوق طاقتك لا تلام”.
وأورد الاتحادي الذي شارك في النّدوة سالفة الذكر أن “نتائج الانتخابات الأخيرة تبرز درجة الطغيان ودرجة ضبط المجال السياسي التي وصلنا إليها”، رافضا النعت الذي أطلقته الحكومة الحالية على نفسها: “حكومة الكفاءات”، ومعتبرا أن “هذه الحكومة حولت السياسة إلى ‘ماركوتينغ’”؛ كما تساءل: “بعد سنتين من التدبير الحكومي هل هذه فعلا حكومة كفاءات؟ لو طرحنا هذا السؤال على المواطنين لأبدوا استغراباً كبيراً حيال ذلك”.
وكان منتظراً أن يكون المتحدث قاسيا في حق الحكومة، وتمنى حضور عضو من الحزب القائد للائتلاف الحكومي (حزب التجمع الوطني للأحرار) للنقاش لضمان تدافع أكبر، عوض أن تظل المعارضة تقوم “بنوع من المونولوغ” في الندوة. وقال مزواري: “ما الذي تقوم به هذه الحكومة في إطار تفعيل توصيات النموذج التنموي؟”، خاتماً بأن “الدولة لا تريد تنخيبا حقيقيا للمجال السياسي، وتمنح الفرصة للتقني ليصبح وزيرا، رغم أن هذا يظل من صميم العمل السياسي”.
يشار إلى أن الندوة عرفت حضور كلّ من لحسن حداد، برلماني عن حزب الاستقلال ورئيس اللجنة البرلمانية المشتركة المغربية الأوروبية، ومهدي مزواري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، ونبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومصطفى بن علي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، فيما لم يحضر محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس البعثة الأممية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، لأسباب صحية، وفق ما قاله مسير الموعد، الإعلامي نوفل العواملة.
المصدر: هسبريس