مغاربة يفكرون في مغادرة فرنسا بعد المصادقة على القانون الجديد للهجرة
ختم اليمين المتطرف وأزلامه بفرنسا هذه السنة بنوع من “الانتصار”، الذي يحمل في طياته “انتكاسات أخلاقية كبيرة”، عقب المصادقة بشكل نهائي من طرف البرلمان في فرنسا على مشروع قانون مثير للجدل حول قضايا الهجرة، إذ أيّده 349 نائبا في مجلس النواب، فيما عارضه 186، بعد أن تمت المصادقة عليه في مجلس الشيوخ.
وعلق متتبّعون كُثر بأن هذه المُصادقة، التي دفعت وزير الصّحة أوريليان روسو للاستقالة، ستكون “ردّة حقيقيّة في تاريخ فرنسا الأنوار”، خصوصا أنها كانت “المستعمر القديم لشمال إفريقيا الذي رحّب بالمهاجرين من هذه البلدان لعقود طويلة، فساهم هؤلاء في مواصلة نهضة فرنسا تنمويّا”، قبل أن تعرج حسب محللين “نحو اندحار قيمي بسبب ارتفاع منسوب العنصرية لدى العديد من السياسيين، وأيضا لدى نسب مهمّة من هذا المجتمع”.
وفيما يراهن هذا القانون على تحقيق اندماج أفضل للمهاجرين في بنية الدّولة الفرنسيّة ونسقها المجتمعي والاجتماعي، اعتبر مهاجرون مغاربة أنه “يكرس التوجه العنصري الذي ما فتئ محور ‘ماكرونلوبان’ يبديه للجاليات، لاسيما المسلمة”. كما علّق العديد من المهاجرين المغاربة في بلدان مختلفة من العالم بأن “هذا العداء المعلن في فرنسا للمهاجرين يواصل إعاقة اندماجهم في هذا المجتمع، لأن هذا القانون يصورهم دائما كغرباء، حتى لو كانوا فرنسيين من خلال الولادة والنشأة”.
“تفاصيل خطيرة”
المغربي عمر مرابط، نائب رئيس عمدة باريس سابقا، وصف هذا القانون بـ”التراجعي”، والذي “يعيد من جديد تجريم الهجرة غير القانونية تحت طائلة الغرامة والطرد”، معتبرا أن هذا القانون يفصح عن الفورة العنصرية التي ما فتئ يشهدها العقل السياسي الفرنسي، خصوصاً اليميني واليميني المتطرف”، وأضاف: “تفاصيل هذا القانون توضح أنه سيعقد عيش المهاجرين، وتحديدا المغاربة وغيرهم”.
وفي قراءاته للقانون أوضح المرابط أنه “يعقد لم شمل العائلات، فمن الصعب جدا أن يتزوج مغربي مقيم بفرنسا مغربية ويجلبها أو العكس؛ كما تم اشتراط أن من يرغب في الالتحاق بعائلته بفرنسا فلابد أن يتقن اللغة الفرنسية للتواصل بشكل أولي”، مضيفا أن “المشروع يتضمّن نوعا من التقييد كذلك في ما يخص الرغبة في نيل تصريح إقامة ‘الأجنبي المريض’ الذي يرغب في التداوي بفرنسا”.
وأبرز المحلل المغربي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “هناك بنودا خطيرة وعنصرية، مثل فرض ‘الكوطا’ في أعداد المهاجرين، الذي يشكل حيفا كبيراً بالنّسبة للمهاجرين الذين يستوفون كافة الشروط”، مؤكدا أن “هذا الشرط سيرفضه المجلس الدستوري حين يتم الطّعن فيه من طرف بعض الفعاليات الفرنسية، لاسيما اليسارية”، ومعتبراً أن “إقرار هذا القانون لتجريد من ‘أساء’ لرجال الأمن من الجنسية هو من أقصى درجات العنصرية”.
ورفض المتحدث عينه كذلك بعض “البنود الخطيرة”، من قبيل “فرض وديعة بالنسبة للطلبة الأجانب، لكي تكون ضمانة تخول للطالب العودة إلى بلده في حال اتخذ أي إجراء ضده”، والأكثر من ذلك أنه “تم إقرار تصاريح إقامة خاصة محددة زمنيّا في سنة بالنّسبة للمهاجرين الذين يعملون في فرنسا دون أوراق، وهو أيضا بند تراجعي”، حسبه، مردفا: “تعقيد إجراءات الحصول على الدعم المخصص للسكن (APL) لا يمكن اعتباره إلا أمرا مثيرا للاشمئزاز”.
كما قال المغربي المقيم بفرنسا إن “الحصول التلقائي على الجنسية الذي كان يتمتع به أبناء المهاجرين، بمن فيهم المغاربة الذين ازدادوا على التراب الفرنسي، أصبح مقننا كذلك وفق هذا التشريع الجديد، بحيث أصبح لزاما على هؤلاء الأبناء المطالبة بالحصول على الجنسية بين سن 16 و18 سنة؛ وطبعا مع إضافة أن يكون سجلهم القانوني نظيفا، أي ألا يكونوا قد ارتكبوا أي جرائم من قبل”.
مغاربة من هناك
سليمان سعدلاوي، 27 سنة، مغربي مقيم بفرنسا، أقر بأن “هذا القانون كان هو النقاش السائد بين المهاجرين المغاربة الذين تداولوا هذه البنود باستغراب كبير، إذ تبين أن المهاجرين يعدّون مواطنين من الدرجة الثانية بفرنسا، حتى لو كانوا مولودين في هذا البلد الأوروبي”، مضيفاً أن “النقاشات العمومية التي رافقت هذا القانون منذ مدة كانت تحيل على أن كل من لا ينتمي إلى فرنسا أو إلى أوروبا فهو منبوذ إلى أن تثبت فعاليته”.
وأضاف سعدلاوي في تصريحه لهسبريس: “هذا بلدهم، ومن حقّهم القيام بما يريدون، لكن مُساهمة المهاجرين في تنمية هذا البلد لا يمكنُ الاستهانة بها، فالمهاجرُون هم من يشتغلون في العديد من المهن التي تعرف خصاصا في اليد العاملة”، وزاد: “فرنسا صارت صورتها متدهورة لدى الجاليات، خصوصا المغربية، وكثيرون منا صاروا يفكرون في مغادرة هذا البلد نحو كندا أو أمريكا، ومن له مداخيل كافية هنا صار يفكر في العودة للمغرب للاستثمار، وبالتالي الاستقرار”.
كما أوضح المهاجر المغربي ذاته أن “التفكير في العودة صار يرتفع، خصوصا بعدما تبين أن العديد من بنود هذا القانون ليست في صالح المهاجر، بل تصب في صالح العنصرية المقيتة التي أصبحت عنصرا واضحا ضمن بلدان الاتحاد الأوروبي، مرة تحت يافطة اللائكية ومرات أخرى بذريعة حماية المجتمع الفرنسي وتحقيق الاندماج”، متسائلا: “كيف ستستطيع العيش مع هؤلاء الناس وأنت تعرف أن جزءا من المجتمع يؤمن بضرورة هذا القانون؟”.
من جانبها لم تفصح مريم برشيد، (31 سنة) وهي مغربية مقيمة بباريس، عن أي رغبة في العودة إلى المغرب كخطوة عمليّة، لكنها لم تنف حضورها داخل رؤيتها للتحولات السياسية والمجتمعية والهزات المتواصلة التي يتعرض لها المهاجرون، التي كان قانون الهجرة الجديد أبرز معالمها، وقالت: “الشّيء الوحيد الذي يجعلك تظلّ بفرنسا هو وجود نوع من اللّحمة المغربية والتعاطف، رغم أن أشياء أخرى غير مشجعة”.
وأجملت المغربية الفرنسية: “كلّ مرة هناك حكاية جديدة ضد المهاجر، فبعد رفض العباءة في المدارس، اليوم يقول هذا القانون إن والدينا إذا ما أردنا استقرارهم هنا فيمكن ترحيلهم في أي لحظة بموجب بنوده”، متأسفة لـ”ما صار يحصل بشكل لم يعد محتملا”، وختمت: “الشّعور بأنك عبء أو بأنك غير مرحّب بك في فضاء ما يجعلك تفكر في مغادرته في أول فرصة ممكنة، فمن الصعب أن تعيش في بلد يفكر في التخلص منك”.
المصدر: هسبريس