المؤرخ يوسف فضل حسن رصانة الكسب وجزالة العطاء السودانية , اخبار السودان
أضواء حول منهج ومحتوى كتاب بروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك: المؤرخ يوسف فضل حسن رصانة الكسب وجزالة العطاء
عبد القادر إسماعيل أحمد
في طبعة أنيقة وطباعة فاخرة وجميلة تلمس جودتها منذ ملامستك الكتاب والاطلاع على تصميم غلافه ونوع الورق المستخدم لطباعة متنه، وتنسيق وتصميم الكتاب، صدر للبروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك، أستاذ التاريخ بعدد من الجامعات العالمية، والباحث المجتهد يقظ الانتباه نشيط القلم كثيف العطاء، عن معهد افريقيا بإمارة الشارقة كتاب المؤرخ يوسف فضل حسن رصانة الكسب وجزالة العطاء. وهي كتابة فداء كما وصفها البروفيسور عبد الله الفكي البشير في تقديمه للكتاب ناب بها البروفيسور أبو شوك عن كل زملاء وطلاب وعارفي فضل البروفيسور يوسف فضل حسن في الوفاء بحقه.
والكتاب يؤرخ لمسيرة مؤرخ سوداني كبير، ويدون سيرة محقق له اسهامه الوافر في الكتابة التاريخية السودانية، إذ يرصد تقديم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم للكتاب ليوسف فضل حسن 21 كتباً باللغة العربية، وثمانية باللغة الإنجليزية، وتسعة كتب تحت الطبع، و59 ورقة علمية بالعربية و29 باللغة الإنجليزية. أضاف إليها البروفيسور عبد الله الفكي البشير تحريره أكثر من عشرين من الكتب الجماعية والمؤتمرات العلمية، هذا إلى جانب ما خطط له من مؤتمرات وورش عمل، بالإضافة إلى مهامه الفنية والإدارية والأكاديمية طيلة سنين عمله الطويل الممتاز في التعليم بالجامعات السودانية والإقليمية والعالمية.
ومثل البروفيسور يوسف فضل حسن جسراً للتواصل بين الاكاديمية السودانية وعدد من المؤسسات الاكاديمية في العالم، فقد عمل أستاذا زائراً ومتعاوناً في عدة جامعات مثل معهد الدراسات والبحوث العربية العالي، جامعة الدول العربية القاهرة 1970، وزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة 1973، مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية جامعة لندن، أبريل ديسمبر 1974، جامعة الملك عبد العزيز مكة المكرمة 1975، جامعة الفاتح طرابلس ليبية 1977، جامعة قطر الدوحة دولة قطر 1978، جامعة الموصل العراق 1979، جامعة الرياض المملكة العربية السعودية 1900 1981، جامعة بيرغن النرويج ابريل أكتوبر 1992، جامعة طوكيو، اليابان، 1999، معهد الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة 2000، جامعة كيوتو، اليابان، 2003.
كما عمل في عدد من الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية منها: عضو المكتب التنفيذي للمعهد الأفريقي الدولي لندن، عضو رابطة الدراسات الأفريقية بالولايات المتحدة، عضو المكتب التنفيذي لمركز شرقي إفريقيا للبحوث في اللغات الوطنية والروايات الشفوية في افريقيا، عضو مجلس إدارة جامعة زامبيا لوساكا، عضو اتحادات الجامعات العربية الأفريقية الإسلامية، عضو اللجنة التنفيذية ونائب الرئيس المجلس مؤتمر الدراسات الأفريقية العالمي.
ومن خلال تتلمذهم على يديه وملازمتهم له في الكثير من مشاويره البحثية والعملية، اكتسب بعض طلاب بروفيسور يوسف فضل حسن ممن حظوا (كما ذكر البروفيسور عبد الله علي إبراهيم في تقديمه للكتاب) ببركة وحدة أبحاث السودان ومعهد الدراسات الأفريقية والاسيوية، من خبرات عمله التاريخي الأكاديمي التي وزعها بمهارة المعلم ودربة الكاتب، وعطف المربي على كل من درسهم، ومن شاركه منهم العمل في مشاريعه الاكاديمية المختلفة.
لم ينقطع عمل البروفيسور يوسف فضل حسن الأكاديمي والبحثي ولم يتوقف جهده في التاريخ والكتابة، طيلة سنوات عمله التي امتدت منذ العام 1957م (تاريخ تعيينه في وظيفة مساعد تدريس بقسم التاريخ بكلية الآداب) وحتى قيام حرب أبريل 2023م، التي كان حينها استاذنا يوسف فضل حسن يعمل بجهد وحرص شديدين على إعداد مشروع أكاديمي جديد، يساعده فيه فريق عمل تعلم منه من ضمن ما تعلم كيفية العمل إلى جانب بروفيسور وخبير بحجمه.
المطلع على الكتاب يلحظ المنهج الذكي الذي اختطه كاتبه، فقد اعتمد بروفيسور أبو شوك منهجاً مركباً مثَّلَ المنهج التاريخي خيطه الناظم، وأبرز من خلال تناوله لسيرة يوسف فضل حسن العلاقة الجدلية بين العام والخاص، الموضوعي والذاتي، واعتمد منهج تحليل المضمون (المحتوى) في تحليل منتوج يوسف فضل البحثي، ويقدم منهج تناول هذا الكتاب درساً كبيراً في كتابة السيرة الذاتية لمن يود أن يخوض في هذا المجال، وتبين فصوله أهمية أن يكون كاتب السيرة الغيرية على كامل الدراية والمعرفة بالتاريخ السياسي والاجتماع، ويعمل على توظيفه بمهارة، فقد استطاع بروفيسور أبو شوك باستخدام هذه المجموعة من المناهج إخراج مكتوبه عن بروفيسور يوسف فضل حسن من مجرد كتاب في السيرة إلى كتاب يفيد قارئه بالكثير من المعلومات عن التاريخ الاجتماعي والسياسي وتاريخ التعليم في السودان، التي انفتح عليها الكاتب في الكثير من مباحثه.
في الفصل الأول للكتاب عالم يوسف فضل بمباحثه الثلاثة؛ المحيط السياسي، والمحيط الثقافي التعليمي، والمحيط الاجتماعي والأكاديمي، يسوح بروفيسور أبو شوك بالقارئ في تطواف تاريخي يبدأه من سقوط المهدية السابق لولادة يوسف فضل بأكثر من ثلاثة عقود، وظروف نشأة الأجيال التي تلت الهزيمة، وأثر الحرب العالمية الأولى عليهم، ثم ثورة 1924م، والظروف التي واجهها الافندية والمثقفون ما بعدها، أتى كل ذلك في سياق تقديمه للجذور التاريخية والاجتماعية لوالد صاحب السيرة.
ثم يعرض الكاتب إلى مولد ونشأة يوسف فضل وعدد من مواقفه السياسية في سياق تاريخ السودان السياسي والاجتماعي في فترات تعليمه وتدرجه الوظيفي، وفي هذا الفصل تجد تاريخ مولد يوسف فضل والتحاقه بالمدرسة وتنقله في المراحل التعليمية وعلاقته بالسياسة في سنواته الدراسية، ثم تعيينه ونجاته من الفصل التعسفي عام 1970م، زواجه، وتأسيسيه إلى جانب عدد من زملائه لوحدة أبحاث السودان، وحتى جانب من علاقاته بزملائه من الباحثين بها.
كل ذلك في سياق التاريخ السياسي والاجتماعي للسودان وسط معلومات تاريخية كثيفة، عرف فيها الكاتب بالكثير من جذور نشأة يوسف فضل، وعدد أسماء واسهامات الكثير من أساتذته وزملائه في الدراسة، ثم زملائه في العمل في الجامعة ووحدة أبحاث السودان ودار الوثائق القومية، ثم تواصله الاجتماعي مع منهم خارج الدائرة الاكاديمية، وأفرد في الفصل مساحة كبيرة لتاريخ التعليم وتاريخ كلية غردون التذكارية،
الفصل الثاني من الكتاب الميلاد والنشأة والتعليم قبل الجامعي (1932 1948)، والذي شكلت مسيرة يوسف فضل التعليمية عماده الأساسي، احتوى أيضاً الكثير من المعلومات حول التاريخ الاجتماعي والسياسي للسودان في ذلك الوقت مع الكثير من الاضاءات المعرفية على المدن التي تنقل إليها يوسف فضل أو أقام بها، والمدارس التي التحق بها في مسيرته التعليمية، على كثرتها.
فقد تنقل استاذنا البروفيسور يوسف فضل في مراحله الأولية مع والده الذي كان يعمل بسكك حديد السودان بين محطات ومدن عديدة. فمن مكان نشأة ومولد يوسف فضل بنهر النيل، يقدم بروفيسور أبو شوك لسيرة يوسف فضل في سياقها السياسي والاجتماعي كما وعد في المنهج وذلك بدأً من أصل تسمية (المحمية) والتعريف بقرية (تبورة)، ومكوناتها العرقية، الطرق الصوفية بها، وخلوتها القرآنية والمهن الرئيسية بها، ومحطة المحمية للسكك الحديد ما ينشأ حول ذلك من معارف وعلاقات. وحتى ينتقل إلى عطبرة ثم أبو حمد، ثم سنكات، ثم بورتسودان الوسطى الأميرية، وزيارته سواكن، ثم وادي سيدنا الثانوية.
ولم يختلف الفصل الثالث يوسف من كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة لندن كثيراً عن سابقيه، في المنهج، ومن ناحية غزارة معلوماته حول التاريخ السياسي والاجتماعي، وتاريخ التطورات الإدارية والأكاديمية بكلية غردون، السياق الذي أكمل فيه يوسف فضل مسيرته الجامعية، التي غطاها الكاتب منذ قبوله بها، خياراته فيها، واختياره لدراسة الآداب، اساتذته، ثم انتقاله إلى العمل في وظيفة مساعد ضابط إداري، وعمله بالابيض وأم وابة، والقضارف ثم انتقاله للدراسات العليا ببريطانيا، في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن.
ثم من جامعة لندن إلى جامعة الخرطوم التي أفرد بروفيسور أبو شوك الفصل الرابع كاملاً للحديث عن الجامعة في سياق مسيرة يوسف فضل بها، والكسب المعرفي لشخصية الكتاب بالمؤسسات الأكاديمية من كلية الخرطوم وإلى لندن مستخدماً نفس المنهج، ويقرأ هذه الفصل متصلاً مع الفصل السابع من الكتاب الذي خصصه الكاتب لتناول تجربة بروفيسور يوسف فضل في التعليم العالي وخدمة المجتمع.
الفصلان الخامس والسادس من الكتاب، يقدمان دروس منهجية مفيدة لدارسي التاريخ وممتهنيه، ولكل من يود أن يتعرف على انتاج ومنهج البروفيسور يوسف فضل في كتاب واحد، فقد ناقش البروفيسور أبو شوك مشروع صاحب السيرة البحثي برفاهية، وتناول نماذج عديدة من أعمال بروفيسور يوسف بصورة منهجية تفيد كل من يبحث عن الاستزادة حول المناهج التاريخية، والمعرفة بإسهامات يوسف فضل حسن في المجال البحثي والأكاديمي.
في الفصل الخامس من الكتاب الموسوم ب المنهج التاريخي والمشروع البحثي وظَّفَ الكاتب منهج تحليل المحتوى، مقسماً الفصل إلى الكسب المعرفي والمنهج التاريخي، المنهج التاريخي خارج دائرة المدونة المصدرية، وسمات المشروع البحثي، ويوسف والهوية السودانية، واختيار العناوين وكتابة الحواشي والفهارس. وهو فصل عزير المحتوى فيما يخص المدارس التاريخية وتصنيفها، والمصادر التاريخية وخصوصاً مصادر تاريخ السودان التي تناول صاحب السيرة تنوعها في عدد من كتبه وأوراقه العلمية، بما فيها المصادر الشفاهية التي شكلت مصدراً مساعداً في الكثير من أعماله، وعلى رأسها مؤلفه (الشلوخ).
ويفرد الفصل مساحة وافية لتجربة صاحب السيرة في التحقيق، مبيناً كيف وطًن يوسف فضل النسخة المحققة من كتاب (طبقات ود ضيف الله) في سياقها التاريخي. وكيف أنه قد سجل إضافات منهجية ذات صلة بالنص المحقق في تجربة تحقيقه لكتاب (كاتب الشونة). كما يتناول باسهاب الهوية السودانية في مشروع يوسف فضل البحثي، وفي سياق تناوله لإسهام صاحب السيرة في هذا المجال، والتي يقول فيها الكاتب: “..بنى يوسف أطروحته لمفهوم الهوية السودانية على افتراض التمازج الاجتماعي والثقافي، وحدد مسار استقرائه التاريخي، بدءًا بتاريخ سودان وادي النيل القديم وانتهاء بانفصال جنوب السودان عام 2011، عارضًا ومحللاً التحورات التي طرأت على المفهوم على طول هذا الخط الزمني وفي ضوء المؤثرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أحاطت به”. ص 237.
ولم يتناول الكاتب رؤية يوسف للهوية وفي إطار مشروعه البحثي، معزولة عن الرؤى والاسهامات الأخرى حول الموضوع، إذ حفلت هذه الجزئية من الكتاب بقدر وافر من المعلومات القيمة وزخرت بأسماء عديدة للكثير من المفكرين والادباء والباحثين والسياسيين السودانيين الذين حاولوا الإجابة على سؤال الهوية، وتشكل هذه الجزئية مادة غنية لكل من يريد أن يعرف أو يستزيد عن موضوع الهوية بالغ الأهمية في جميع الأزمات السودانية السياسية والاجتماعية.
وفي فصله السادس الذي أسماه حواش على متون المشروع تناول الكاتب عدد من الأدبيات التي أنتجها يوسف فضل حسن لتعضيد فرضيته عن التمازج الثقافي عارضاً لأكثر من عمل مما نشره صاحب السيرة ولعدد من الملاحق والمقالات التي أشار إليها، وقسمه إلى حواش رافدة تناول الكاتب فيها كتاب الشلوخ وبحث صاحب السيرة الموسوم بالكتاب العربي وأثره في التواصل الثقافي مع أفريقيا غربي بلاد السودان وشرقيه وساحل أفريقيا الشرقي نموذجاً، وبحث أسماء الأعلام في سودان وادي النيل، وحواش معززة عرض الكاتب فيها إلى إلى إفادة وإشادة صاحب السيرة، بكتابات عون الشريف قاسم، ومؤلفات محمد إبراهيم أبو سليم ومكي شبيكة وريتشارد هيل، وهولت، وثيوبولد، وساندرسون ومحمد سعيد القدال وعدد من الحواشي المصدرية التي شملت كتب التاريخ المعاصر العربية، والمخطوطات ووثائق تمليك الأرض، وأدب الرحلات، وأشجار النسب والروايات الشفوية. وتقديمات الكتب.
احتوى الكتاب عدد من الملاحق شملت ملحق للصور التذكارية، احتوت عدد من الصور للبروفيسور يوسف فضل حسن في مراحل ومحطات حياته المختلفة، كما احتوت الملاحق على مديري كلية غردون التذكارية وكلية الخرطوم الجامعية (1902 1951م) ومديري جامعة الخرطوم (1956 2022م) وعمداء كلية الآداب جامعة الخرطوم (19562022م) ومديرو معهد الدراسات الأفريقية والاسيوية (19722022م) والسيرة الذاتية لبروفيسور يوسف فضل حسن، بالإضافة إلى ثبت للمراجع والمصادر، كما احتوى فهرس عام للأعلام والقبائل والأماكن والمؤسسات.
ختاماً:
من المؤكد أن هذا المقال لم يفي الكتاب حقه، فاستعراض كتاب في حجمه البالغ عدد صفحاته حوالي ال 400 صفحة، وكثافة معلوماته، بحروف وكلمات تناسب حجم مقال أمر غاية في الصعوبة، مهما أتيح لكاتبه (المقال) من قدرة على التلخيص والتكثيف والصياغة، لذلك لا يتجاوز هذا المقال حدود التعريف بمحتويات الكتاب فصوله ومباحثه، ولا يخدم أكثر من غرض التعريف بالكتاب صدوره ومحتوياته وأهميته، وآمل أن أكون قد وفقت في ذلك.
فهذا الكتاب من كتب السيرة الجديرة بالقراءة والنقاش، فلقد وضع البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك أمام القارئ والمهتم بتاريخ السودان سيرة لمؤرخ هو نفسه تاريخاً كما وصفه بروفيسور عبد الله علي إبراهيم في المقدمة، واختار لكتابته منهجاً تناول فيه شخصية الكتاب، نشأتها وتطورها في سياق الأحداث السياسية والاجتماعية من حولها، مما جعل هذا المكتوب يخرج من إسار السيرة الغيرية لشخص واحد، إلى فضاء التاريخ السياسي والاجتماعي الرحب، وأتاح لكاتبه حرية التوسع في كثير من محطات تاريخ التعليم والسياسة في السودان، مما سيعظم بالتأكيد من فائدة القارئ له، ويضع أمام الباحثين تجربة مفيدة في منهج كتابة السيرة الغيرية.
المصدر: صحيفة التغيير