اليوم العالمي لحقوق الإنسان والحرب والعدوان على غزة
احتفل العالم، الأسبوع الماضي، في العاشر من ديسمبر باليوم العالمي لحقوق الإنسان، لكن يا ليته ما احتفل، إنه يوم العار لا يوم حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان الفلسطيني في غزة تنتهك أمام أعين وشاشات وسائل الإعلام العالمية، والعالم المتحضر يشاهد صور المجازر والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، دون أن يتحرك لهم ضمير أو مجرد إحساس بما يقاسيه الشعب الفلسطيني.
تنتهك دولة الاحتلال الإسرائيلي القانون الدولي مرات عديدة أمام أنظار العالم أجمع، حيث حاصرت العديد من المستشفيات والمرافق الطبية منذ بدء عدوانه على غزة، واقتحمت العديد منها بعد قصف عنيف متعمّد، مرتكبة أبشع المجازر بحق المرضى والطواقم الطبية والنازحين الذين اختاروا اللجوء إلى المرافق الطبية من آلة الموت الإسرائيلية.
يتركز موضوع احتفالية عام 2023، حسبما أعلنت الأمم المتحدة، حول “الكرامة والحرية والعدالة للجميع”، إذ يشدّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته على “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”، هذا في ظل حرب إبادة جماعية، يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين المدنيين العُزّل في قطاع غزة، ووسط مشاهد القتل والتجويع وقصف المدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس.
إن حقوق الإنسان في الإسلام شاملة لكل أنواع الحقوق الدينية والبدنية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجاءت الشريعة الإسلامية لحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت جميع الرسالات السماوية والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ويلتحق بهذه الضروريات كل ما يكملها ويخدمها مما به توسعة على الناس، ورفع للحرج عنهم، أو كان به تزيين لحياتهم وتهذيب لأخلاقهم، حيث تكون حياة ناعمة نظيفة كريمة، وهذه المصالح الضرورية وما يلتحق بها من المصالح الحاجية والتحسينية، تمثل مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت بكل تكاليفها وأحكامها لتحقيقها وحفظها.
إن الإسلام سبق القوانين الوضعية والمواثيق الدولية في حفظ هذه الحقوق ورعايتها، في وقت كان العالم يغط في سبات عميق، ويخيّم عليه الكثير من الجهل والتخلف، والظلم والتعسف. لقد قرّرت الشريعة مبدأ الكرامة الإنسانية لكل الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، وألوانهم ولغاتهم، وأديانهم وبلدانهم، إننا عندما نتكلم عن تكريم الإسلام للإنسان نكون قد تجاوزنا مسألة حفظ حقوق الإنسان، وتحريم ظلمه وانتهاك حقوقه، فهذا من مسلّمات الشريعة وأبجدياتها، وهذا الحق مضمون حتى للبهائم والحيوانات.
وتتميّز حقوق الإنسان في الإسلام بخصائص ومميّزات لا توجد في الاتفاقيات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أهم هذه الخصائص:
الشريعة الإسلامية لم تحافظ على حقوق الإنسان فحسب، بل تجاوزتها إلى ما هو أهم وأسمى، وأعظم إكراما للإنسان وأكثر إعزازا له، ألا وهو تقرير كرامة الإنسان، وتفضيله على سائر الحيوان، وإسباغ النعم عليه، وتسخير ما في السموات والأرض له.
تميّزت حقوق الإنسان في الإسلام بغاية الوضوح، ولم تترك لمفاهيم عامة مبهمة، وجاءت النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية محدّدة للحقوق، ومبيّنة وسائل حفظها، ومانعة من تجاهلها أو انتهاكها، ومرتبة عقوبات زاجرة لحفظها والمنع من كل اعتداء قد يقع عليها.
حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية منحها الله لخلقه، فهي ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمنّ بها عليه ويسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق شرعية وضرورات دينية أوجبها الله على عباده وكفلها لكل واحد منهم، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو جنسه أو لغته أو دينه. وهذه الحقوق تقوم على التكامل والتعاون بين الفرد والمجتمع، وبين الأفراد بعضهم مع بعض، الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والعالم والعامي، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم، فكل له حقوق وعليه واجبات، وحياتهم يجب أن تقوم على التعاون والتكامل، والتراحم والتكافل، لا على الصراع والتنازع، والتناكر والتجاحد، فبعضهم يكمل بعضا، ولا غنى لبعضهم عن بعض في حفظ مصالحهم وتأمين حاجاتهم.
حقوق الإنسان في الإسلام قطعية ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل، أو الإلغاء والتعطيل، فهي من ثوابت الشريعة، ومسلمات الدين، ومصدرها من الله الذي لا يظلم أحدا، ولا يحابي أحدا على حساب أحد.
إن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من العقيدة الإسلامية القائمة على التوحيد، وإخلاص العبودية لله وحده، وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهذا هو الذي يضمن لها الاحترام والقبول، والعموم والشمول، والتوازن والاعتدال.
وقد اعتمدت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس عام 1948، بهدف إعلاء قيم الحرية والمساواة والعدالة، ولكن اليوم وبعد 75 عاما، لا يزال هذا الإعلان وتطبيقه غائبا عن الأراضي الفلسطينية. لذا، فإننا ندعو إلى ضرورة العمل على تطبيق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قطاع غزة، والابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين. وعلى العالم أن يستوعب أن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هي واحدة من أبشع انتهاكات مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي الإنساني التي يشهدها تاريخنا المعاصر.