اخبار المغرب

الإسبان منعوني من دراسة الحقوق.. ومن الكرم طي ملف “حراك الريف”

هو طبيب جرّاح ومدافع عن حقوق الإنسان بالمغرب منذ عقود، وهو من مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكان الطبيب الوحيد ضمن أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة.

محمد النشناش (87 عاماً)، الذي أسّس في ثمانينيات القرن الماضي مركز الذاكرة المشتركة، إلى جانب عبد السلام بوطيب، كان من بين الحاضرين في المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناظور، وكانت فرصة سانحة لنجري معه هذا الحوار، الذي نعود فيه معه إلى سنة 1953 حين كان يتابع دراسته في الطب بإسبانيا مرغماً، إضافة إلى نشاطه الحقوقي ورأيه في عدد من القضايا.

هذا نص الحوار:

نحاورك اليوم خلال مناسبة سينمائية، وقد أثارنا هذا الحرص منك على الحضور من طنجة إلى الناظور والمشاركة في هذا المهرجان الذي كنت من مؤسسي المركز الذي ينظمه، ما سبب ذلك؟

إلى جانب عملي طبيبا، وهبت حياتي كلها للعمل الجمعوي والحقوقي، حيث اشتغلت في المسرح والإغاثة مع الهلال الأحمر المغربي ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، كما أسسنا المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عام 1988، وقد ترأستها في وقت معين، وبالتالي ارتباطي بهذا المهرجان يعود إلى مساهمتي، إلى جانب عبد السلام بوطيب ومجموعة من رفاقه، في تأسيس مركز الذاكرة المشتركة.

والذاكرة بالنّسبة لفكرة المركز تعني مخلّفات الحرب الكيماوية والمواد المحرمة دولياً، التي استعملتها إسبانيا ضد المدنيين في هذه المنطقة من شمال المغرب، بين الناظور والحسيمة.

وخلال هذا المهرجان سننظم موائد مستديرة حول مواضيع متعددة أهمها موضوع الهجرة، وهذه المرّة سنناقش “هجرة العودة” بحثاً عن الدوافع، التي تجعل المغاربة الذين هاجروا إلى الخارج يعودون إلى بلادهم، وما هي المشاكل والتحديات التي يواجهونها.

قلت في حوار سابق إن دراسة الطب فرضت عليك من قبل الإسبان في الوقت الذي كنت ترغب في دراسة الحقوق. هل بالإمكان أن تستحضر معنا هذه النقطة من مسارك الأكاديمي؟

فعلا، هذه معلومة قلة من يعرفها، حيث بعد حصولي على الباكالوريا الإسبانية عام 1953 إلى جانب أربعة أشخاص فقط من الناظور إلى طنجة، وجهنا الإسبان إلى غرناطة للدراسة بمنحة، لكن المندوب الإسباني للتعليم، وكان ضابطاً في الجيش، منعني من دراسة الحقوق، التخصص الذي كنت أرغب فيه بالنظر إلى ميولي في مرحلة ما قبل الحصول على الباكالوريا إلى المواد الأدبية والفكرية والفلسفية، وكنت أحصل فيها على نقاط جيدة جداً، بينما لم أكن قوياً في الرياضيات. أقول فُرض علي تخصص الطب، بالرغم من أنني أصبحت جرّاحاً ومارست المهنة أزيد من 40 عاماً، واشتغلت في هذه المنطقة (الريف).

لماذا كنت تفضل دراسة الحقوق؟

منذ صغري وخلال مرحلة التعليم الابتدائي تربيت على النضال والتغيير، كما أنني تربيت على يد أم مناضلة، أقول مناضلة لأن الأم في شمال المغرب هي العمود الفقري للأسرة وليس الرجل، وقد ربتنا على حب الوطن والنضال، كما كنا مع عبد الخالق الطريس، الذي كان زعيماً في المنطقة، وهو بمثابة أب روحي بالنسبة لي.

كل هذا يدفعني باستمرار لأقول لا لجميع الأمور الانتهازية ولأي نوع من التنازع عن القيم التي أؤمن بها، وضمنها مصلحة البلاد، والتي تحققت بفضل مجموعة ممن ضحى بحياته ومن قدّم نموذجاً في النضال والعمل من أجل تحرير الوطن كمحمد بن عبد الكريم الخطابي، لذلك ذهبنا في الاتجاه نفسه، كل حسب إمكاناته.

ارتباطا بهذا الموضوع، كيف تقرأ الوضع الحقوقي بالمغرب في الوقت الراهن؟

تعرف أنه في الزمن الماضي مرّت على المغرب سنوات صعبة منذ الاستقلال إلى غاية 1999، قبل أن تأتي هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كنت الطبيب الوحيد العضو بها، والتي وسمت مرحلة أعتبرها قوية، ذلك أن ظروف المغرب بعد تأسيس هذه الهيئة تغيّرت مقارنة بما قبلها.

الحمد لله، في المغرب الآن ليس هناك اختفاء قسري ولا اعتقال تعسفي أو تعذيب وكذا مراكز الاعتقال السرية، التي كانت موجودة وعارضناها في الوقت الذي أسسنا الجمعيات والمنظمات الحقوقية لتغيير المنكر.

بفضل هذا التغيير بات الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب مرتبطا بقضايا أخرى كحقوق المرأة والمساواة في جميع الحقوق، وقضايا تتعلّق بالحق في السكن والعلاج والشغل والتوزيع العادل للثروة والقضاء على الفقر. كما أن ملك البلاد لا يفوت أي مناسبة أو خطاب دون ذكر هذه الحقوق، من بينها التوجيهات الملكية لتعديل مدونة الأسرة لضمان حقوق الطفل والزوج والزوجة وحل الخلافات الزوجية، فضلا عن تعميم التغطية الصحية ودعم الأسر الأكثر فقراً.

هذه الأمور تجعلنا متفائلين رغم الصعوبات التي نمر بها، ومن بينها القضية الوطنية (الصحراء) والمشاكل مع الجيران (الجزائر)، الذين مع الأسف ليسوا أصدقاء حتى لا أقول شيئاً آخر.

أقول إن المغرب تطور كثيراً، لكن هذا لا يعني أنه كامل. أنا أردد دائماً أن غرامي بالوطن ومحبتي له لا يجعلاني أنسى أن هناك بعض العيوب.

عيوب مثل ماذا؟

لدينا بعض معتقلي الرأي، وبعضهم من هذه المنطقة قاموا باحتجاجات اجتماعية وليس شيئاً آخر، ونحن نطالب بإطلاق سراحهم لأنه من غير المعقول استمرار هذه الوضعية، التي يستغلها أعداء المغرب لمهاجمته على أنه لا يحترم حقوق الإنسان، بينما هي فئة قليلة لا تهدد سلامة البلاد ولا وحدة ترابه.

لقد زرتهم في السجون التي يوجدون فيها، وهم أناس طيبون، شباب قاموا بالاحتجاج، ربما قاموا بتجاوزات في بعض الأمور، لكن يكفي ما مرّ من الاعتقال ونطلب العفو عنهم.

وأنت تدعو إلى إطلاق سراح معتقلي حراك الريف وليست هذه المرة الأولى كما أنك أحد أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة التي عالجت ملفات ربما أعقد من أحداث الريف، ما الذي برأيك يمنع انفراج هذا الملف؟

أولا، يجب التذكير بأن هناك أحكاما قضائية في هذا الملف، والقضاء لا نناقشه. بالإضافة إلى ذلك، فمعتقلو حراك الريف لم يطلبوا عفواً ملكياً ويرفضونه. هناك العديد من الملفات التي لجأ فيها المتابعون إلى مسطرة بسيطة لطلب العفو من صاحب الجلالة، الذي يتوفر على هذا القرار، ونحن متيقنون بأن صاحب الجلالة سيعفو عنهم بكرمه، واستحضارا لعفو المغرب عمن حمل السلاح ضده وقال لهم إن الوطن غفور رحيم لأن هؤلاء لم يرموا حتى بالحجارة، فقد كانوا يخوضون مظاهرات سلمية “لا حجرة لا جنوية” (يضحك)، فلهذا من المعقول ومن الأخلاق ومن كرم المغرب أن يطوى هذا الملف.

كلمة أخيرة.

ما يمكنني أن أختم به هذا الحوار هو أننا عشنا خلال مرحلة الشباب بالمغرب نوعا من الحماس أراه غائباً وراكداً الآن، سواء على المستوى الحزبي أو الشبابي.

لذا أدعو الشباب إلى أن يتعبأ من أجل التغيير، ليس فقط عبر المسيرات والوقفات والشعارات، بل عن طريق منظمات نقابية وحزبية ووسائل أخرى كثيرة يتيحها دستور 2011 من أجل العمل بضمانة وبالحق والقانون من أجل التغيير الذي هو ضروري للتقدم.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *