“الحوارات الأطلسية” بمراكش تستحضر الدعوة الملكية لتثمين الواجهة الجنوبية
حول رهانات تحليل الاتّجاهات الحديثة في حوض المحيط الأطلسي، انطلقت، الخميس بمدينة مراكش، فعاليات النسخة الثانية عشرة من “الحوارات الأطلسية” التي ينظمها “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، تحت عنوان “أطلسي أكثر حزما: معناه للعالم”، حيث تم رفع الرهان عاليّا هذه المرّة على ضوء طرح تصوّر لهوية موحّدة وجامعة تدخل ضمنها مختلف بلدان الضفاف المطلّة على الأطلسي.
وضمن فعاليّات الانطلاق، التي عرضت الطبعة العاشرة من التقرير السنوي “تيارات أطلسية”، المنشور من طرف مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، استهل السفير السابق والباحث بالمركز محمد لوليشكي أرضية الافتتاح بأسئلة تأطيريّة تكسر، حسبه، “النمط الكلاسيكي التقني في إلقاء المداخلات”؛ كان أهمها: “هل الأطلسي بمفهومه الأوسع لديه هوية؟ وهل نحن أمام شروط بناء هوية لهذا الأطلسي؟”.
وقبل أن يوجه لوليشكي هذا السؤال إلى “الرباعي” الذي سيؤطر أشغال الافتتاح، قال إن “المبادرة الملكية التي تمظهرت في دعوة الملك محمد السادس خلال خطاب الذّكرى الثّامنة والأربعين للمسيرة الخضراء لتثمين الواجهة الأطلسية للأقاليم الجنوبية، وتعزيز التعاون مع بلدان هذه الواجهة، تأتي في سياق تبدي فيه الدول الكبرى اهتماماً بهذا المحيط، لاسيما بعد المبادرة الأمريكية في هذا الاتجاه”.
وأضاف المتحدث ذاته: “نحتاج اليوم، على ضوء هذه المبادرات، إلى تصور جديد للأطلسي، بهوية جديدة وبعلائق جديدة بين الشمال والجنوب؛ ومن ثمّ تهشيم إيجابي للتصور القديم الذي ساد حول الأطلسي بأنه يجمع أوروبا وشمال أمريكا في إطار منظمة ‘الناتو’”، مؤكدا أن “الأطلسي يحتاج اليوم على ضوء المبادرة الملكية إلى تصور مختلف يساهم في خلق جسور التعاون رغم المسافات والتّباعد الجغرافي، في أفق إضفاء بعد عمليّ على هذه المبادرة”.
وبعد إلقائه الأسئلة، كان إيان ليسير، نائب رئيس “صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة”، أوّل من تناول الكلمة بعد لوليشكي، حيث أكد أن “النقاش بشأن الحوض الأطلسي يعد هاما على مستوى صندوق مارشال”، مردفا: “الحوار حول هذا الحوض بمعناه الأوسع هو في تقديري مسألة مثيرة للاهتمام”، مجيبا عن سؤال لوليشكي بخصوص رهان الهوية بأن “الهوية تصور جد محوري، بالنظر إلى كون العلاقات العابرة للأطلسي بمفهومه التقليدي لم تعد كافية”.
وأورد ليسير، متحدثا ضمن فعاليّات افتتاح المؤتمر، أن “الهوية المراد الحديث عنها صارت تتجاوز الحدود القديمة للتعاون الأطلسي، بمعنى أن نفكر فيها بمفهوم أوسع، بما أن النقطة المحورية لم تكن دائما متجهة نحو الشمال، بل دائما كانت هناك دينامية شمال جنوب”، وزاد: “نسعى اليوم إلى أن يكون هناك تعاون أكثر على مستوى الأطلسي، وإعادة التفكير في العلاقات بين الشمال والجنوب ببعدها العالمي”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “المبادرات التي تهم هذه الواجهة، المغربية منها والأمريكية أو البرتغالية، تعطي بعدا ملموساً لما هو مهم، لاسيما أن هذه المحادثات في بعدها الثقافي وتمظهراتها الفكرية وخياراتها المتعددة تشكل حلقة وصل لتجاوز مشكلة غياب الاستقرار الجيوسياسي التي تطبع عالم اليوم”، مؤكدا في سياق آخر أن “الديمقراطية ليست وصفة أمريكيّة بامتياز، بل يمكن أن تتعلم أمريكا من إفريقيا تصورات مغايرة للدّيمقراطية”.
من جانبها، قالت الأكاديمية المكسيكية جيسيكا دي ألبا أولوا إن “بناء هوية أطلسية هو مسألة تعترضها الكثير من الصعوبة، بما أن هناك مفارقات بين البلدان التي تنتمي إلى هذا الفضاء”، مسجلة أنه “على مستوى أمريكا اللاتينية وإفريقيا مازال هناك عمل جدي يجب القيام به على خلفية ما تم تحصيله في الماضي، لأن العلاقات بين الجهتين تبقى محاصرة ومحدودة من الجهتين معا”.
وأوضحت الجامعية ذاتها أن “أمريكا اللاتينية يجب أن تنفتح اليوم على القارة الإفريقية التي تحتوي على 60 في المائة من الأراضي الزراعية، مع تحولاتها الرقمية وتقدمها التكنولوجي ومواردها الطبيعية”، موضحةً أنه “لا بد من بحث سبل تأهيل التجارة الحرة بين الجانبين”، وتابعت: “انطلاقا من التعاون التجاري يمكننا أن نتحدث عن هوية أطلسية، لأن هناك اتفاقيات للتبادل الحر على المستوى الإفريقي يجب تفعيلها وفتحها على مختلف ضفاف الأطلسي”.
فيما اعتبر منسق “مركز الأطلسي” بالبرتغال نينيو أنطونيو دي نورونها، من جهته، أن “هناك العديد من القضايا التي تشكل انشغالا مُشتركا وأرضية لهوية ملموسة”، مبرزاً أن “قضايا الأمن الغذائي والصحي مازالت مطروحة بإلحاح ولا بد من استحضار الأبعاد السوسيواقتصادية في نمو بلدان حوض الأطلسي أو تعزيز تنميتها”، ومؤكدا أن “هناك العديد من التحديات الأمنية العابرة للحدود والمتداخلة في ما بينها”.
وأفاد المتحدث عينه بأن “هناك تحديات مناخية اليوم تواجه بلدان الأطلسي، كارتفاع درجة حرارة المحيطات والبحار، وكيف أصبح هذا يلحّ على ضرورة خلق لوبيات ومؤسسات للضغط للحفاظ على المحيطات في المنطقة الأطلسية التي هي جسر يجمع العديد من البلدان”، مسجلاً أن “التعاون بين البلدان المحاذية للأطلسي والتداخل في أنماط العمل سيكون هو الإسمنت الذي سيسمح ببناء أطلسي صلب وقوي”.
وكانت الباحثة المساعدة في الاقتصاد بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد عفاف زرقيق آخر من تناول الكلمة، لتؤكد أن “التعاون بين بلدان حوض الأطلسي يقتضي تأهيلا للسياسات المعتمدة على مستوى الطاقة، لأن هناك حاجة لرفع التحدي لتوفير الطاقة النظيفة التي نحتاجها سواء على مستوى أمريكا الشمالية أو باقي البلدان المطلة على المتوسط”، مشددة على أن “نحو 600 مليون نسمة في بلدان جنوب الصحراء مازالوا لا يتوفرون على الحد الأدنى من احتياجاتهم الطاقية”.
وأوصت الباحثة المغربية في كلمتها بضرورة “توفير حلول تمويلية موازية، لأنه لا يجب الاعتماد على الموارد العامة، بل يتعين نقل الخبرات لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو الاعتماد على القطاع الخاص وفتح سبل الاستثمار أمامه”، مؤكدة أن “الحاجة إلى الطاقة النظيفة تزداد أمام التحديات البيئية”، وزادت: “يتعين أن نجد حلا لتوفير الكهرباء للمواطنين جنوب الصحراء بكلفة معقولة، لاسيما أن حدة المديونية أنهكت هذه البلدان بعد الجائحة والحرب الأوكرانية”.
المصدر: هسبريس