أعيش الألم بتشتت عائلتي .. و”وزير خارجية البوليساريو” تزوج في بيتي
ضمن فعاليات الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، تسلّم محمد الشيخ بيد الله، الطبيب ووزير الصحة ورئيس مجلس المستشارين سابقا، الجائزة الدولية “ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم”، في دورتها السادسة، والتي منحها له مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم مُناصفة مع ميغيل رودريغيس مكاي، وزير الخارجية البيروفي السابق.
عن هذه الجائزة والسينما ومذكراته، تمحور هذا الحوار مع محمد الشيخ بيد الله :
في البداية، نهنئك بمناسبة حصولك على هذه الجائزة، ونرغب في معرفة ماذا تمثّل لك؟
تمثل هذه الجائزة رمزية كبيرة لربط جسور الأخوة والصداقة ما بين مدينتي السمارة والناظور، وهي رسالة كبيرة بالنسبة لوحدة بلدنا من ناظورها إلى سمارتها.
بشكل عام، لهذا المهرجان نفسه رمزية وحمولة كبيرتان، يُحسب ذلك للأستاذ عبد السلام بوطيب (مدير المهرجان) الذي أقدّم إليه الشكر والامتنان. وبالأمس، خلال حفل افتتاح المهرجان، سمعت رسائل كبيرة تتحدّث عن الأمن والسلام والتنمية والذاكرة التي هي مسألة مهمة لربط المنطقة بأبنائها الموجودين في شمال البحر الأبيض المتوسط. كما أن المهرجان جعل من مدينة الناظور منارة تضيء بالثقافة شمال المملكة المغربية.
مناسبة هذا اللقاء مهرجان سينمائي.. كيف هي علاقتك بالسينما؟
علاقتي بالسينما ضعيفة، كنت من المحركين لأندية السينما (سيني كلوب) حينما كنت طالبا؛ لكن هذه الأندية لم تعد قائمة بالحجم والزخم كما كان عليه الحال من قبل، وبالتالي لدي الآن اهتمامات أخرى؛ ولكن طبعا أن مُتابع للثقافة، والسينما تمثل جزءا كبيرا من الثقافة، ولن تكون لدى الإنسان معلومات ثقافية إذا لم يُتابع ما هو جديد في عالم السينما.
هل بالإمكان أن تفصح لنا عن انطباعك عن كتاب “الصحراء.. الرواية الأخرى” للزميل الصحافي محمد أحداد، الذي تضمّن جزءا كبيرا من مذكراتك؟
هذا الكتاب تضمن أجوبتي عن أسئلة أحداد، الذي بالمناسبة شاب من أبناء هذه المنطقة؛ وذلك في إطار سلسلة حوارات كانت تُسمى “كرسي الاعتراف” واستغرقت مدة شهرين، ليخرجها بعد ذلك في كتاب هائل يكشف جزءا من مذكراتي التي هي أطول مما فيه.
المهم في هذا الكتاب هو أنه تناول تاريخ النضال حول الوحدة الترابية للمغرب الذي كان في ظل عملية “تحديد الهوية” التي قامت بها “المينورسو” في تندوف، وحضرتها كملاحظ للمملكة المغربية لمدة 21 شهرا، حيث اطلعت عن قرب على وضعية المحتجزين في المخيمات وعددهم ومن هم، بالرغم من أننا لم نتمكن آنذاك من تحديد هوياتهم جميعا؛ لأنه من ضمنهم المتحدّرين من شمال مالي وموريتانيا وجنوب الجزائر والمغرب ثم السكان القدماء بالأقاليم الجنوبية، وهم 74 ألفا حسب ما أحصته إسبانيا، وكانت الملاحظة بسيطة وهي أن هؤلاء يوجدون في سجن مفتوح.
الكاتب والجامعي حسن طارق وهو يقدّم هذا الكتاب توقّف كثيرا عند “الألم” في مسار حياة محمد الشيخ بيد الله وطرح استفهامات استنكارية عديدة في هذا الصدد.. هل يواصل هذا الألم حضوره لديك؟
أعيش فعلا ألما قديما متواصلا؛ ذلك أن أسرتي موزعة بين شمال موريتانيا والبوليساريو وأنا كبرت في الدار البيضاء، وهي الوضعية ذاتها لجيراننا وكثير من الناس الذين كانوا أغنياء وباتوا فقراء وآخرين ماتوا وفي رؤوسهم أسئلة لم يجدوا لها أجوبة.
وبالتالي، لا يمكن أن أعيش بهذا الشرخ في جسمنا دون ألم وحسرة، على الرغم من أن الإنسان خلال النهار يتجول ويلعب؛ لكن حين تنام وتفكّر فيما مضى، لا بد من الألم وكثير من الألم.
جميع من في قيادة البوليساريو كانوا أصدقائي، درسوا وقطنوا معي، كما أن محمد سالم الذي كان في منصب ما يُسمى بـ”وزير خارجية” البوليساريو تزوّج مكناسية في منزلي.. هؤلاء جميعهم مغاربة ودرسوا في جامعة الرباط.
أقول إنه كانت لدى هؤلاء فرصة لوضع السلاح والدخول إلى المغرب، وهي تجارب شهدتها إيرلندا وأمريكا اللاتينية وكانت وسيلة لحل مشكل قائم.
مع ذلك، ما زالت لديهم فرصة ذهبية تتمثّل في الحكم الذاتي.. العيون والداخلة والسمارة يسيّرها الآن أبناؤها، وقد نجحوا في ذلك.. يكفي أن ننظر إلى كيف أصبحت هذه المدن في وقت لا تتوفر فيه تندوف على كلّية منذ استقلال الجزائر، بينما توجد في السمارة كلّية متعددة التخصصات.
وبالتالي، بإمكانهم العودة وتسيير منطقتهم مع إخوتهم في إطار الحكم الذاتي والمساهمة في تنمية المغرب وشمال إفريقيا، وتحقيق وحدة المغرب الكبير.. أتمنى أن يكون خيرا في المستقبل، إن شاء الله.
المصدر: هسبريس