اخبار المغرب

التعليم عن بعد واكتساب المعارف والكفايات .. العين قبل الأذن في زمن الصورة

كلما تعذر وصول التلاميذ إلى المدارس بسبب الوباء أو الإضرابات أو حدث طارئ إلا وطرح التعليم عن بعد كحل كبديل لذلك الانقطاع الاضطراري عن التعليم الحضوري.

هل سيحقق التعليم عن بعد التحصيل نفسه الذي يحققه التعليم الحضوري؟

في زمن كورونا، صار الأستاذ يرسل الدروس مكتوبة أو مسجلة على “واتساب”؛ لأن الغالبية المطلقة من التلاميذ لم يكونوا يتوفرون على حواسيب أو على إنترنت حتى أبريل 2020.

حاليا، بعد توالي الإضرابات لتحسين الشروط القانونية لاشتغال الأساتذة، رجع الحديث عن التعليم عن بعد. صارت الإنترنت متوفرة في 2023، لكن الحواسيب قليلة، والتلاميذ يفضلون الهواتف لسهولة التنقل بها ولاحتفاظها ببطارية تدوم طويلا، لكن شاشات الهواتف صغيرة ولا تسمح بتتبع دروس مصورة بإضاءة ضعيفة.

يتسبب انقطاع الزمن المدرسي في تشوش الاكتساب والتحصيل.

هل سيحقق التعليم عن بعد التحصيل نفسه الذي يحققه التعليم الحضوري؟

أبدا.

لماذا؟

لأن المتعلم لا يتواصل بصريا مباشرة مع المدرس، كما أن هذا الأخير لا يستطيع استخلاص أسئلة المتعلم من عينيه. وبالتالي، فكل المعلومات التي كانت تنقل وتمرر عن طريق النظرة والحركة وتعابير الوجه تضيع ولا تصل إلى المتلقي.

يتم نقل المعلومات في التعليم الحضوري بالصوت والكتابة ونبرة الصوت والنظرات، ويحصل المدرس على تغذية راجعة فورية (تتدفق الأسئلة من أعين التلاميذ) ويعدل سؤاله أو جوابه، أو ينتقي مثالا أنسب للحالة المتولدة عن التواصل الحي بالعين.

ماذا ترى؟

في مطلع فيلم المخرج ريدلي سكوت “هانيبال” 2001، يجري استجواب شاهِد. يتلقى السؤال التالي:

لنبدأ بما لاحظت، قل لنا ماذا رأيت؟

أجاب الشاهد: أعتقد…

فقاطعه المحقق الذي يستجوبه:

قل لنا ماذا رأيت أولا قبل أن تقول لنا رأيك فيه.

أين تلتقي السينما والتعليم؟

يلتقيان في عرض المعطيات بدقة وحياد أمام عيني المتلقي.

الإخراج هو تفسير الشخصيات بالكاميرا. الشرح والتفسير فعل ديداكتيكي. وفي الحالتين يلعب التلقي بالعين دورا حاسما في التحصيل وفي فهم القصة المصورة.

دون حضور ومشاهدة ستضيع المعلومات التي تنقل وتمرر من المدرس إلى التلميذ عن طريق النظرة والحركة وتعابير الوجه.

كيف يعوض الشرح الشفوي كل هذا؟

بنطقها.

الكلام يكفي.

في التواصل البشري، يفشل الصوت في سد النقص في الصورة. يصعب أن تحل الأذن محل العين.

يركز التعليم عن بعد على الأسئلة المغلقة، بينما يسمح التعليم الحضوري بتنويع الأسئلة بين مغلقة ومفتوحة.

يحتاج التعليم عن بعد إلى إعداد دليل مصور لمراحل الدرس بالتدريج، وهذا ليس سهلا. وحتى لو توفر هذا الدليل، فيجب تصويره وإخضاعه لمونتاج يعرضه بطريقة متدرجة.

لا يمكن لـ”غوغل” ولا “واتساب” أن يقوما بوظيفة المعلم.

ليس صدفة أن فيدرالية أولياء الأمور تعدد نواقص منصة دعم الوزارة.

في كتابه “المعلوماتية بعد الإنترنت”، يطمئن غيتس المدرسين بأن التكنولوجيا لن تحل محلهم، بل ستظل الحاجة قائمة إلى المدرسين الملتزمين، والإداريين المبدعين، وأولياء الأمور المعنيين، وبطبيعة الحال الطلاب المجتهدين… (المعلوماتية بعد الإنترنت طريق المستقبل، عالم المعرفة عدد 231، ص 257).

يدرك المؤلف أن هذا التطمين لن ينفع، لأن أركان المدرسة محافظة تجاه التكنولوجيا، ويلاحظ العبقري بيل غيتس أن أعمار المدرسين التي تجاوزت المتوسط لا تشجعهم على تعلم التعامل مع الكومبيوتر. النتيجة: المتاجر والشركات التي تضم حواسب في أمريكا أكثر من المدارس.

هناك مشكل آخر تنبه إليه المؤلف العبقري مبكرا، حين نصح الآباء بأن يفيدوا أبناءهم من البرمجيات التي يستخدمونها في أعمالهم، بدل أن يخافوا أن يؤدي استخدام الكمبيوتر إلى فقدان الآباء السيطرة على ما يفعله أولادهم.

ينصح غيتس المدرسين بأن يتكيفوا لأن التكنولوجيا ستمكنهم من التشارك في الدروس والمواد وتحسينها بشكل تفاعلي على الشبكة، وسيتمكن المدرسون من الحصول على تغذية راجعة من تلامذتهم، مما يزيد من تجويد الدروس.

لتحقيق هذا، ينبغي أن يكون تصوير الدروس دقيقا وليس تصويرا عاما بكاميرا واحدة وإضاءة ضعيفة.

حاليا، تنقل مقابلة كرة القدم بأربع عشرة كاميرا وبمونتاج فوري، فكيف ينقل الدرس بكاميرا واحدة وبدون ميكروفون خاص؟

لكي يتحقق التحصيل لا بد من تعليم حضوري أو من درس يصوره مختص بأكثر من كاميرا. لا بد من إخراج ديداكتيكي.

يوجه المدرس التفاعل التربوي حضوريا. ينشط التفاعل البيني وينظمه. يوزع أدوار الكلام والمناقشة والتبادل الذي يدفع لتشكل وصياغة ملخص المناقشة تدريجيا.

جسديا، يقوم الأستاذ بمحاكاة جسدية للمقروء، يترجم الموضوع إلى حركة جسدية مما يسرّع الإدراك، وهنا يستطيع التلميذ تكوين المفهوم بالنظر إلى حركات الأستاذ، بينما يتمكن الأستاذ من أن يدرك أن التلميذ فهم فينتقل إلى المرحلة الموالية من الدرس.

يضعف كل هذا التواصل البيداغوجي حين يغيب الطرف الآخر عن العين.

عمليا، يقدم الوسيط المرئي للعين سبعة أضعاف المعلومات التي تتلقاها الأذن. وهذه المعلومات واضحة لأن “الأنظمة السيميائية أقل تشفيرا من اللغة” (مجموعة مو “بحث في العلامة المرئية من أجل بلاغة الصورة” ترجمة سمر محمد سعد، المنظمة العربية للترجمة، ط2، بيروت 2012. ص 8081).

هذا زمن هزيمة الحرف أمام الصورة. زمن التلقي بالعين. يقول ريتشارد موريسون في تأكيده على الصور في التواصل: “إن الأشياء تنفذ إلى العقل من خلال العيون بأسرع جدا من نفادها من خلال الآذان”.

وليس هذا جديدا، لقد كانت كرامات الأولياء المرئية أمام الشهود هي السينما العجائبية للعصور الوسطى.

كانت الصورة أكثر توصيلا للدفء إلى القلوب. لذلك رسمت اللوحات الدينية منذ القرن السادس الميلادي في الأديرة والكنائس. وقد كتب بودلير قصيدة يقول فيها:

“كانت الأديرة القديمة

تعرض على أسوارها الضخمة

الحقيقة المقدسة في لوحات

وكان لتلك اللوحات أثرها

في إيصال الدفء إلى النفوس النقية

فتخفف من قسوتها المزمنة” (ديوان أزهار الشر، ص 21).

الصورة أكثر توصيلا للدفء إلى القلوب في الـدين وفي التعليم، وفي الهواتف والإنترنت، لذلك يجب ألا يكون التعليم عن بعد صوتيا فقط.

للإشارة، أول شروط التعلم عن بعد الصمت والهدوء في عزلة، وهذا نادر في بيوت المغاربة.

حاليا، لا مكان لمنهج بيل غيتس في معاهد تكوين الأساتذة. مستقبلا، يجب أن يحتل منهج بيل غيتس وستيف جوبز موقعا متقدما في مقررات تكوين الأساتذة؛ لأن غيتس وجوبز هما مهندسا التكنولوجيا التي تقود العالم اليوم، هما من صمما منصات الواصل وأيقونات الشاشات… وفق معايير التلقي بالعين.

تلعب العين دورا كبيرا في تمكين المتعلمات والمتعلمين من اكتساب المعارف والكفايات الأساس. وتلعب الكتابة دورا مماثلا في اختبار تمكنهم من تلك التعلمات.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *