اخبار المغرب

غياب قانون الإضراب يطلق تفسيرات مختلفة لقرار الاقتطاع من أجور الأساتذة

مازالت مشكلة الاقتطاعات من أجور الأساتذة تثير الكثير من النقاش في المغرب، بعد أن جدد التنسيق الوطني لقطاع التعليم، في ندوته الأربعاء، احتجاجه على هذه الاقتطاعات التي وصفها بـ”السرقات”، رغم أن وزارة التربية الوطنية تتمسك باعتبارها “اقتطاعات نظير تغيب عن العمل بدون عذر شرعيّ”، منذ “تسريب” مراسلة من الوزارة المذكورة إلى خزينة المملكة للبدء في تفعيل الاقتطاع من أجور الأساتذة المُضربين عن العمل.

ورغم أن تطبيق مبدأ “الأجر مقابل العمل” يطرح مشكلا في تأويل القانون، لكونه، حسب البعض، “قرارا تعسفيا لعدم دستوريته”، إلا أن تفسيرات قانونية أخرى تعتبر أن “الإضراب مكفول وفق الفصل 29 من الدستور”، الذي نص على أن “حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”، بيد أن هذا الفصل يعتبر “موقوف التنفيذ” بما أن القانون التّنظيمي لم يصدُر بعد، حتى لو كان الدّستور يتميز بالسمو عن المرسوم المنظّم للأجر مقابل العمل.

“اقتطاعات مبرّرة قانونيا”

عبد العزيز خليل، باحث في القانون العام، قال إن “سند هذه الاقتطاعات مشروع إذا ما نظرنا إلى هذه العملية من الناحية القانونية الصّرفة وما دأب عليه العمل القضائي، سواء في ما يخص النظام الأساسي للوظيفة العمومية أو مختلف الأنظمة التي تفرض أن يكون الأجر مقابل العمل”، مضيفا أنه “في غياب عُنصر العمل، لا يمكنُ أن يُؤدّى الأجر تطبيقاً لمرسوم المحاسبة العموميّة لسنة 1967، الذي فعله عبد الإله بنكيران حين كان رئيسا للحكومة، إعمالا لمبدأ الأجر مقابل العمل”.

وأضاف خليل، في تصريح لجريدة هسبريس، أنه من هذه النّاحية، فإنه “تطبيقاً لمختلف الأنظمة التي تضبط عمل الهيئات والمؤسّسات والإدارات في القطاع العام، دأب العمل القضائي بالمملكة في ملفات كثيرة على ربط الأجر بالعمل، ولدينا قرارات قضائية كثيرة تؤكد ذلك”، مبرزا أن “ذلك يأتي في ظل انتفاء نص قانوني تنظيمي لممارسة الإضراب، وهو ما دفع أيضا القضاء الإداري لينشئ قواعد جديدة من خلالها يمكن للموظف ممارسة هذا الحق؛ كأن يكون هذا الإضراب مرتبطا بالعمل وأن يتم الإخبار، إلخ”.

“من الناحية القانونية، الأمر سليم إذن ومشروع”، يورد المتحدث، مبرزا أن “الحقّ في الإضراب مع ذلك يظل مكتسبا للعمال في مخاض النّضال النقابي والعمل السياسي”، مؤكدا أن “هذا يمنح للموضوع بعدا آخر يدخل في دائرة العلوم السياسية ولا يبقى في الحدود القانونية، بما أن الإضراب حقّ تكفله جميع المواثيق الدّولية كشكل احتجاجي لتدبير علاقة الموظفين مع الهيئات التابعين لها”، وشدد على أن “ممارسة هذا الحق تبقى في حاجة إلى قانون تنظيمي لم يصدر بعد”.

ونبه عبد العزيز خليل إلى أنه يقدم تفسيرا للمسألة فقط، قائلا: “حتى الفصل 29 يبقى موقوف التنفيذ مادام ليس هناك قانون تنظيمي نص عليه الفصل نفسه”، لافتا الانتباه إلى أن “إصرار وزارة التربية الوطنية على تفعيل الاقتطاع، هو ليس بالضرورة [سرقات] إذا نظرنا إليه من الناحية القانونية، لكونه تكييفا يمنح العملية مبررا شرعيا، ولكن هو يطرح إشكالا من الناحية الأخرى المتعلقة بالنّضالات السياسية والنقابية التي تتمسك بهذا الحق الذي بالنسبة إليها لا يقبل التفاوض”.

“تهريب يطرح إشكالا”

رشيد لبكر، أستاذ القانون الإداري بكلية الحقوق بالجديدة، قال إن “الدّولة تستطيع أن تجد العديد من التّأويلات لأجل تكييف الاقتطاعات ومنحها سندا قانونيّا، منها مثلاً أن هذه التّغيبات لا تساهم في استمرارية المرفق العمومي، أو باعتبارها تغيبا عن العمل بدون عذر شرعي”، منبها إلى أن “هذا تهريب للإضراب من وضعه كحق مكفول دستوريا نحو تكييفات أخرى، وبالتالي هذا من الشق القانوني عمل قانوني يمكن اعتباره مشروعا، لكنه من الناحية السّياسية يمثل إجهازاً على حقّ أساسي”.

وأضاف لبكر، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة بهذا المعنى توجد التبريرات الضرورية لتمنح الاقتطاعات سندا يجعلها مقبولة، لكن من الناحية المبدئية هذا ليس [تغيبا بدون عذر شرعي]، لكونه عملا جماعيا، وهناك إشعار قبلي بخوض الإضراب”، معتبرا أن “هذا التكييف يصبح فقط وسيلة للضغط ولتهديد الشّغيلة التعليمية، ولذلك يجب أن يخرج القانون التنظيمي للإضراب في أسرع وقت ممكن، باعتباره حقّا مكفولاً من النّاحية القانونيّة والدستورية”.

وأفاد أستاذ القانون الإداري بأن “التّهديد بمبدأ الأجر مقابل العمل ولو أن له ما يبرّره قانونياً، فهو يزيدُ من تأزيم الوضع، لذلك المفروض أنه يجب أن تكون جميع النصوص القانونية المتعلقة بحق الإضراب واضحة ومفعّلة، وحينها يمكن الحديث عن تطبيق القاعدة القانونيّة بطريقة عامة ومجردة وبدون تأويلات وتفسيرات قد تعصفُ أحيانا بروح القانون، بسبب التأويل والتكييف وتهريب قاعدة من خانة قانونية إلى أخرى مثلما يحصل في هذا الملف”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *