مكتول هواك يا كييف.. كمال الجزولي
مكتول هواك يا كييف.. كمال الجزولي
د. عبد الله علي إبراهيم
كنت كتبت كلمة عن مدينة كييف تحت الوابل الروسي ومن وحي زيارة لي لها في 1967. وأهديت الكلمة لكمال الجزولي الذي درس القانون في رحاب جامعتها. وحياني بهذه الكلمة.
عزيزي عبد الله،
أشكرك وأنت تهديني بهذه الرسالة الرقيقة مؤازرة نبيلة لعاطفتي المطعونة إزاء هذه المدينة الحبيبة، فتثير كوامن أشجان بلا عدٍّ، وأحزان بلا حد، وأنا أنظر لمراتع الصِّبا الباكر، والشَّباب الغضِّ، تنال منها معاول الدَّمار والخراب، وهي التي كانت يوماً رمز جمال يانع، وطلاوة لامعة .. حبيبتي عاصمة أوكرانيا القائمة على مجموعة تلال بما قد يُشعرك، أحياناً، وأنت تعبُرها بالسَّيَّارة، خصوصاً أثناء الليل، بأنَّك إنَّما تطلُّ عليها من علٍّ، بينما يُشعرك، أحياناً أخرى، بأنَّك إنَّما تشخص إليها من أسفل! إنها من أجمل مدائن أوربَّا السِّياحيَّة التي تقرن بين عراقة الأصل والمحتد، وحداثة الطَّبع والمزاج. فبقدر ما تضوع أعطافها بعبق التَّاريخ، تدلُّ عليه كثرة التَّماثيل، والنُّصب التِّذكاريَّة، والمتاحف الوطنيَّة، والعلميَّة، والعسكريَّة، كمتحف الحرب الثَّانية يقوم عليه تمثال “البطريرك” الشَّهير؛ تعجُّ، في ذات الوقت، بالفنادق الأنيقة، والمطاعم الفخمة، والمقاهي الرَّاقية، ومختلف وسائل التَّرفيه الممتعة، والمواصلات المريحة، من سيَّارات الأجرة، والتروللي بصَّات، والأوتوبيسات، والتُّرامات، ومتروهات الأنفاق.
وعلى كثرة معاهد العلم في المدينة، إلا أن جامعتنا “جامعة كييف Kiev State University ـ جامعة شيفشينكو” هي أبرزها بلا منازع. وتتكوَّن من ثلاثة مباني ضخمة، الأحمر “الرَّئيس” الذي يضمَّ مقرَّات الإدارة العامَّة، بالإضافة إلى بعض كليَّات العلوم التَّطبيقيَّة، ثمَّ الأصفر ويحوي كليَّات الفلسفة، والصَّحافة، والقانون الدَّولي والعلاقات الدَّوليَّة، والأخضر الذي يحوي المكتبة، والإدارة الماليَّة. وتتوسَّط هذا المثلَّث حديقة ضخمة يقوم في منتصفها تمثال الرَّمز الذي تحمل الجَّامعة اسمه .. شاعر الوطنيَّة الأوكرانيَّة “تراس شيفشينكو” الذي أطنبت رسالتك، بحق، عنه. ومن هنا يتحدَّر شارع “برستلتوفسكي بروسبكت” الذي سرعان ما يفضي إلى جادَّة “الكريشاتيك” الواسعة، الشبيهة إلى حدٍّ كبير بجادَّة “الشانزليزيه” الباريسيَّة، والتي يعجُّ جانباها، مثلها تماماً، بأرقى المحلات، وأفخم المطاعم، وأشهر المسارح، ودور السينما، والمعارض، وقاعات المحاضرات، وصالات الموسيقى. يليها “شارع تششونيفوهو” الذي يُعتبر من المواقع السِّياحيَّة البارزة رغم أنه يضمُّ أغلب مؤسَّسات الدَّولة الرَّسميَّة. وهناك، من أشهر الشَّوارع، أيضاً، “شارع كراستازدفوزنيي ـ النَّجمة الحمراء” الذي يقع على أحد جانبيه مبنى النُّزل الطلابي التَّابع لكليَّة الجَّامعة التَّحضيريَّة، و”شارع الكنيسة” على امتداد شاطئ “نهر الدَّنيبر” الذي يمكن للسُّوَّاح والعائلات قضاء أجمل الأوقات فيه، نهاراً وليلاً.
وعلى ذكر “الدنيبر”، فإن من أميز شواطئه التي تزيِّن المدينة، وتقدِّم خدماتها لهواة السِّباحة وصيد السَّمك، شاطئ “باتون” الشبيه بجزيرة صغيرة في منتصف النَّهر، حيث يمكن العبور إليه باستخدام السُّفن النَّهريَّة، أو القوارب الصَّغيرة من تحت “برج باتون”؛ وثمَّة، أيضاً، شاطئ “بديسترين” القريب من البرج الذي يحمل ذات الاسم؛ فضلاً عن شاطئ “حديقة هيدرو” وسط النهر، أيضاً، قريباً من “برج مترو” المقابل لمجمع الوزارات، ويمتاز بخدماته السِّياحيَّة الرَّاقية.
والآن، كيف لا تتصعَّد من صدري زفرة حرَّى، حين أبصر، عبر التِّلفاز، كلَّ هذا وغيره تنقضُّ عليه ضواري الإمبرياليَّة من كلِّ حدب، وجراؤها من كلِّ صوب، ولا أستثني من ذلك سلطة القوميِّين النَّازيِّين الأكارنة أنفسهم، دون أن أعفي من المسؤوليَّة تفريط “رفاقنا” القدامى.. عشرات السِّنين.. غفر الله لهم؟!
كتابان صدرا مؤخراً لكمال من معهد أفريقيا بالشارقة. جمع الأول شعر النور عثمان أبكر وحرره كمال مع عالم عباس. أما الكتاب الثاني فهو عن الهوية في شعر الحداثة السودانية.
المصدر: صحيفة التغيير