لماذا لا يكسب الإسلامييون معركة الكرامة ؟
بدون زعل
عبد الحفيظ مريود
حميدتى مات، وشبع موتا…الركيزة المهمة فى خطاب الحرب النفسية التى يخوضها الاسلاميون. جرت مجرى المسلمة التى لا تقبل النقاش. الجيش لم يصدر بيانا بذلك. ولا أى من قياداته تحدث عن موت، مقتل حميدتى. يؤكد موته مبارك الفاضل، وسفير السودان بليبيا، على ما أظن. على أن قروبات الاسلاميين وناشطيهم يجرون مجرى مبارك المهدى..بعضهم يصف طريقة موته، إصابته، المكان الذى نقل إليه لتلقى العلاج، ومن ثم مفارقته للحياة ومكان دفنه…ما يصدر عن الدعم السريع على أنها خطابات له هى مجرد ” ذكاء صناعى”. وحتى فى هذا، فإن المليشيا “غبية”، لا تحسن المونتاج وما يتصل به..وأغلب المتصدرين لذلك لا علاقة لهم بصناعة الصورة وأنظمة المونتاج.
شايف كيف؟
لكن دعونا ” نذهب وراءهم إلى يثرب”، كما يقول عادل إمام فى إحدى مسرحياته. القيادات التى خلف حميدتى تواطأت وتكتمت على خبر موته، حتى لا ” يؤثر ذلك على الروح المعنوية للمرتزقة”..وهى إذ تفعل ذلك تظل متماسكة خلال ستة أشهر. لا يظهر على السطح بوادر انقسام أو خلافات على وراثة حميدتى. تستمر فى دفع رواتب منسوبيها، أو تتركهم ” يشفشفوا” ليأكلوا عيشهم، فقد منع منهم الكيل من خزينة الدولة. كما أنه لم يظهر أى تراخ فى مشروع المليشيا، رغم غياب قائدها.. تستمر تهاجم المدرعات، تستلم بعد كل هجوم منها جزءا..يفقد الجيش اللواء أيوب، يصاب محمد زاكى الدين، أحد الضالعين فى إنقلاب ود إبراهيم، إصابة بليغة، وعدد من الضباط. تستمر المليشيا فى محاصرة سلاح المهندسين..تستمر فى قصفها لمنطقة كررى العسكرية…تستلم قيادات الفرقات والحاميات فى نيالا، زالنجى، الجنينة، كتم، أم كدادة، وقبلها أصلا استلمت أم دافوق، وغيرها، مثل كبكابية…الجيش الحكومى يعلن إنضامه للدعم السريع، أو يفر بكامل عتاده إلى تشاد، بحسب تصريحات وزير الدفاع التشادى : ” خوفا من القتل على يد قوات الدعم السريع”.
شايف كيف؟
سياسيا: يكسب الدعم السريع جولة مفاوضات جدة منذ الدقيقة صفر. فقد رفض دخول القاعة ما لم يسحب وفد الجيش السفير عمر صديق من وفده…الحجة التى يؤسس عليها الدعم السريع موقفه هى أن ” السفير لا علاقة له بالجيش. يمثل وزارة الخارجية. نحن لسنا فى نزاع مع مؤسسات الدولة..نحن فى حالة حرب مع جيش تسيطر عليه جماعة المؤتمر الوطنى”..فى اليوم الثالث سحب وفد الجيش السفير منه، وأبقى عليه “خبيرا”..وذلك قبل أن يحمل وفد الدعم السريع المفاوضات على ترتيبات ” بناء الثقة”، قبل الدخول فى نقاش وقف إطلاق النار..وبناء الثقة يتضمن القبض على رموز الاسلاميين الذين أطلق سراحهم وإعادتهم إلى السجون..تتضمن القائمة بعض الإسلاميين الضالعين فى الحرب. على صعيد إيصال المساعدات الإنسانية وافق الجيش على السماح بمرورها إلى “مناطق سيطرة الدعم السريع”، على أن يتولى الأخير الإشراف على توزيعها..
شايف كيف؟
هل ترى أية إنتصارات سياسية للمليشيا التى فقدت قائدها وصارت تتخبط؟ إذا كنت ترى ذلك فأنت مجرد ” قحاطى مأفون، عميل، خائن ، مرتزق..سيكون اسمك ضمن المطلوبين لجهاز الأمن والاستخبارات العسكرية”…وستلقى جزءاك، محاكما بتهمة “الخيانة العظمى”…
كما وأنه ليس ثمة انتصارات للمليشيا بالاستيلاء على الحاميات وقيادات الفرقات..ذلك أن المليشيا فشلت فى السيطرة على الخرطوم، فانسحبت إلى دافور ” موطنها الأصلى”…العبارة ترد سهوا، مسقطة كونها ” لميمة مرتزقة تشاديين، نيجريين، ماليين، وأخيرا ليبيين ونوير وجنوبيين وأحباشا”…
انسحب الجيش من الحاميات وقيادات الفرقات انسحابا تكتيكيا..لتسقط المليشيا فى كمائنه، كما حدث فى اليرموك، الاحتياطي المركزى، الاستراتيجية…يفتح الجيش للمتمردين ليدخلوا، ثم ينقض عليهم حتى يعرفوا كتابا…
شايف كيف؟
الإنكار حالة نفسية…
تقوم بعمليات إعادة التوازن..تنجر القصة، تحكم تفاصيلها الدقيقة، تنشرها على الملأ، ثم تجرى لتصدقها…مثل حكاية جحا القديمة بأن خدع الناس بأن هناك وليمة بالجوار.
وفى رصف طريق التوازن النفسى هذا، يتم سرد المحكيات: تم قتل عبد الرحيم دقلو فى منطقة ” الملم”، وهى بلدة لقمان أحمد المدير السابق للإذاعة والتلفزيون، بالمناسبة…تمت تصفية عثمان عمليات، إثر خلافات مع عادل دقلو.. هذا بعد أن كان إعلام الإسلاميين ونشطائهم قد قتله فى أول أسبوعين من الحرب..اللواء فضيل يريد أن يسلم نفسه للجيش، لكنه يخشى أن تتم تصفيته…نائب الرئيس البشير الأسبق، حسبو محمد عبد الرحمن، يمثل مرجعية عليا لوفد المليشيا المفاوض..فارس النور يغادر موقعه مستشارا لقائد الدعم السريع، بعد ما انكشف له مشروع المليشيا العنصري…وهكذا….
فى صعيد آخر، تتوالى الحواديت الضرورية للتوازن النفسى : العمل الخاص يذبح 240 متمردا وهم نائمون فى منطقة النزهة وجبرة…تمت استعادة كبرى شمبات…نسور الجو يدمرون متحركا للتمرد يتكون من 80 عربة مقاتلة ونفوق 800 من المتمردين…ضبط ذخائر وأسلحة متطورة كانت فى طريقها للمتمردين، من ارتيريا، قادمة من “دويلة الشر، الأمارات”…تدمير تانكر وقود للمتمردين فى نواحي “حمرة الشيخ”…وزير الدفاع التشادى الذى تمت إقالته، يقود قوة ويقوم بتدمير مطار “أم جرس” التشادى، وما فيه من عتاد كان فى طريقه للمتمردين..وأغرب تفصيلة فى الخبر هى أن ” المواطنين التشاديين يحتفلون بالحدث”…لتسقط حدوتة أن تشاد وشعبها تتآمران على السودان..وأن المتمردين أغلبهم تشاديين…ثم ” الجيش التشادى يضع الرئيس محمد كاكا تحت الإقامة الجبرية، احتجاجا على موقفه الداعم للمليشيا”…
هل أنت شايف كويس؟
الغريب أن الكثيرين يصدقون هذه الخزعبلات ويرجون لها…أناس تظن فيهم سلامة العقل والقدرة على تمييز الغث والسمين. ومنها أن ” الجيش كرب”، ” البرهان فك اللجام”، ” الجيش ما يزال يستخدم ربع قوته، فما بالك لو أنه استخدم نصفها”…
لم يكسب الإسلاميون ” معركة الكرامة” ببساطة لأنهم يخادعون أنفسهم…يظنون أن المليشيا التى تم تكوينها تنظيميا، من الدفعة 39، الكلية الحربية، هى “جيش قومى”، وأن ما يريده الاسلاميون هو بالضرورة إرادة الشعب السودانى…وأن جهاز الأمن الحزبى، بهيئة عملياته قادر على “تحديد مصالح السودان القومية”، ولابد أن يطلق سراحه…وأن كل من يخالف ذلك: عميل، خائن، مرتزق، ساقط…والأهم من ذلك : لأنهم يعتقدون أن الإرادة الإلهية تشتغل عندهم..لأنهم ” جند الله”، ولا يمكن للإرادة الإلهية أن تسمح لغيرهم أن ينتصر…
شايف كيف؟
الذى يتخبط الآن ليس هو المليشيا التى فقدت قائدها…
وأكرم للإسلاميين أن يكون حميدتى حيا، من موته…ذلك أن موته المؤكد يضعهم أمام “جهة” منظمة، لا يؤثر فيها موت قائدها…وتجعل جيشك عاجزا عن أن يستعيد السيطرة على “صينية الأزهرى” بأمدرمان، دعك من أن يستعيد الكبارى أو اليرموك أو الاستراتيجية…أو أية حامية من حامياته…
هذا هذا…
والسلام على من اتبع الهدى…
المصدر: صحيفة التغيير